حول الاعتراف والأب الروحيّ
الأب بايسيوس الآثوسي
إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطّع – دده، الكورة
سؤال: هل ينعم بالراحة الداخليّة مَن لا يعترف؟
الجواب: كيف يكون مرتاحاً؟ لكي يشعر الإنسان بالراحة التامة يجب أن يطرد من داخله كلّ سوء وهذا لا يتم إلاّ بالاعتراف. يفتح قلبه لأبيه الروحيّ ويقرّ بذنوبه وزلاّته باتضاع، فتُفتح أمامه أبواب السماء، لتحلّ نعمة الله عليه بغزارة، ويتحرّر من وقر خطاياه.
كما يهتمّ الإنسان المريض أن يكون دوماً على اتصال وثيق بالطبيب، هكذا على من يريد أن يكون ذا صحة روحيّة سليمة أن يكون دوماً على اتصال ويثق بأبيه الروحيّ.
مهما كان الإنسان ذا مستوى روحيّ سامٍ، ومهما استطاع أن ينظّم أموره الروحيّة بنفسه، لا يستطيع أن يجد راحة تامّة إلاّ باللجوء من وقت لآخر إلى الاعتراف، لأنّ الله يشاء أن يصلح الإنسانَ إنسانٌ آخر مثله. إنّه تدبير إلهيّ يقود الإنسان إلى الإتضاع.
لا يثمر الإنسان الروحيّ ثماراً روحيّة إلاّ بالاعتراف الصحيح، لأنّه بواسطته يطرد من نفسه كلّ ما هو غير مفيد.
من ضروريّات الحياة اليوم أن يلجأ المرء إلى أب روحيّ لكي يعترف ويجد إرشاداً. يجب على الآباء الروحيّين أن يضعوا لأبنائهم برنامج حياة روحيّة من صلاة ومطالعة ومداومة على حضور الخدم الكنسيّة ومناولة الأسرار المقدّسة، لأنّهم بهذا يحفظون أولادهم الروحيّين من الضياع، وهؤلاء يحيون حياة مطمئنّة دون قلق أو خوف.
من ليس له أبٌ ليرشده في مسيرته الروحيّة يعش قلقاً تعِباً، وبصعوبة يصل إلى هدفه المنشود. وإن أراد حلّ مشاكله بنفسه، فإنّه، مهما كان متعلِّماً، فإنَ روح الكبرياء والاعتداد بالذات هي التي تحرّكه لذلك يبقى في تخبّط وظلام. وأمّا من يقصد أباً، بروح التواضع ونكران الذات، ليسأل نصحاً وإرشاداً يُساعَد، لأنّ الله سوف يمنح الأب الروحيّ، بدون شكّ، البصيرة ليعطيه الجواب والحلّ الملائمين.
من الأفضل جدّاً أن يكون للزوجين أب روحيّ واحد. لأنّه باختلاف الآباء تختلف أيضاً الآراء، وقد يخلق هذا جوّاً من التوتر بين الطرفين. وأمّا الأب الواحد فإنّه يعرفهما كليهما ويصلح أخطاءهما، فتحفظ بهذا دفّة حياتهما مسيرها بدقّة وبشكل صحيح.
من لا يقبل ملاحظات أبيه الذي يحبّه فإنّه، من الواضح، لا يستطيع أن يفيد نفسه بنفسه مهما كان حاذقاً.
إن لم ننظّف أنفسنا بواسطة الاعتراف، عندما نتمرّغ في أوساخ الخطيئة، فإنّنا نضيف إلى طيننا طيناً آخر، وعندئذ، تصعب عمليّة التنظيف وتتعذر جداً.
عندما يكون الأب الروحيّ مستنيراً يفهم ويميّز الحالات بعضها من بعض، ويمنح النصائح والإرشادات كما تقتضي كلّ حالة. لا يحتاج المرء إلى ساعات طوال وإلى كلام كثير لكي يعطي صورة واضحة عن نفسه إن كان ضميره حيّاً ويعمل بشكل صحيح. ولكن إن كان داخله مشحوناً بالقلق، فإنّه لو تكلّم ساعات فلن يعطي الصورة الواضحة عن نفسه.
عندما نخطأ إلى إنسان ما علينا أن نطلب منه المسامحة ونصطلح معه قبل توجّهنا إلى الاعتراف للإقرار بذنبنا، لأنّه بهذا فقط تحلّ علينا نعمة الله. أمّا إذا اعترفنا بخطايانا دون أن نكون قد اصطلحنا مسبقاً مع أخينا فلن نجد السلام الحقيقيّ لأنّنا لم نتّضع.
سؤال: لماذا لا يشعر المرء، وهو يعترف، بنفس الألم عندما يقترف الخطيئة؟
الجواب: قد يكون قد مرّ زمن طويل على اقتراف الخطيئة، واندمل الجرح ونسينا خطيئتنا. أو يكون الإنسان قد برّر نفسه أثناء الاعتراف. لذلك أشير عليك أن أسرعْ إلى الاعتراف ولا تؤجل واحذر أن لا تبرّر ذاتك مطلقاً، لأنّ من يعترف ويبرّر ذاته لا يلقى الراحة الداخليّة عكس من يؤثّم نفسه ويلومها، فإنّه يشعر بغبطة داخليّة كبيرة بسبب ضميره الحيّ.
كلّ أب روحيّ لا يكون مستعداً أن يذهب إلى الجحيم، إن اقتضى الأمر، محبّة بخلاص أبنائه الروحيّين لا يسمّى أباً روحيّاً.
بالاعتراف الصحيح يُمحى كلّ الماضي، وينفتح باب جديد للحياة، وتحلّ نعمة الله لتغيّر الإنسان بجملته، ويختفي الاضطراب والحزن ويحلّ الهدوء والسلام، ليس داخليّاً فقط بل وخارجيّاً أيضاً إذ ينعكس سلامه على تصرّفاته وسكناته. لقد أشرت مرّة على البعض بأن يلتقطوا لأنفسهم صوراً فوتوغرافيّة قبل الاعتراف وبعده ليروا بأنفسهم التغيّر الحاصل على ملامحهم، لأنّ الوجه يعكس حالة الإنسان الداخليّة. نعم إنّ أسرار الكنيسة تصنع العجائب، فكلّما اقترب الإنسان من يسوع المسيح الإله والإنسان كلّما تألّه وشعّ بالنعمة الإلهيّة.
إن أراد أحد أن يعيش حياة روحيّة حارّة تحت إرشاد أب روحيّ مختبَر سيذوق طعم الفرح العلويّ، الروحيّ، السماويّ، ولا يعد يهتمّ في ما بعد بالأمور الأرضيّة، الماديّة، الجسديّة.