الخطايا المميتة، الخطايا الممكن اغتفارها، وخطايا الإغفال
من كتاب “دليل الاعتراف”
القديس نيقوديموس الأثوسي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
فيما يختصّ بهذه الخطايا، عليك أن تعرف أنّه، كما هو مطلوب من الطبيب أن يعرف أمراض الجسد لكي يشفيها، كذلك أنتَ الذي تجاهد لكي تكون أباً روحياً عليك معرفة أمراض النفس، أي الخطايا، لكي تعالجها. بالرغم من أن أمراض النفس كثيرة، إلا إنها بشكل عام تقع في الفئات الثلاث: المميتة، الممكن اغتفارها، وخطايا الإغفال. لهذا السبب، أنت بحاجة لمعرفة أي منها المميتة، أي منها الممكن اغتفارها وليست مميتة، وأي منها خطايا الإغفال أو التراخي.
1. الخطايا المميتة
بحسب جناديوس سخولاريوس وجورج كوراسيوس في تعليمهما حول الاعتراف الأرثوذكسي، ومعهم خريسانثوس الأورشليمي، الخطايا المميتة هي تلك الخطايا الطوعية التي إمّا تشوّه محبة الله فقط، أو محبة القريب والله، والتي تجعل الذي يرتكبها عدواً لله ومستحقاً للموت الأبدي في الجحيم. بشكل عام، هي: التكبّر، محبة الفضة، الفجور، الحسد، الشراهة، الغضب، الجبن واللامبالاة.
2. الخطايا الممكن اغتفارها
الخطايا الممكن اغتفارها هي الخطايا الطوعية التي لا تفسد محبة الله ولا محبة القريب، ولا هي تجعل الإنسان عدواً لله ومستحقاً للموت الأبدي، الخطايا التي الكلّ معرّضون لها حتّى القديسين. بحسب كلمات أخي الرب: “لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا” (يعقوب 2:3)، وكلمات يوحنا: “إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا” (1يوحنا 8:1)، وبحسب القوانين 125، 126 و127 من مجمع قرطاجة، هذه الخطايا، كما بحسب كويسيوس وخريسانثوس، هي: الكلام البطّال، النزعة الأولية والهيجان من الغضب، النزعة الأولية للشهوة، الكذبة البيضاء، الميل المتأصّل نحو الكراهية، الحسد العابر المسمّى عامةّ الغيرة، والتي هي حزن سطحي بسبب خيرات القريب وما شابه.
إعرف أيضاً، أيها الأب الروحي، أن خطايا كثيرة من المسمّاة بشكل عام قابلة للغفران، ليست واحدة ولا هي من الدرجة نفسها، لكنّها من درجات مختلفة، أصغر أو أكبر، أدنى أو أرفع، وأن الخطايا المميتة والخطايا القابلة للاغتفار هما حدّان. بين هذين الحدّين يوجد درجات مختلفة من الخطايا، بدءً من القابلة للغفران وصولاً إلى المميتة، ولم يعطِ القدماء أسماء للدرجات ربّما لكثرتها في كل درجة ونوع، مع أنّهم كانوا قادرين على تسميتها لو شاءوا.
نعدد هنا بعضاً منها، ابتغاءً للوضوح ولزيادة معرفتكم، بدءً من الأسفل: الخطايا الممكن اغتفارها، الخطايا القريبة من الاغتفار، الخطايا غير المميتة، الخطايا القريبة من غير المميتة، الخطايا التي بين غير المميتة والمميتة، الخطايا القريبة من المميتة، وأخيراً الخطايا المميتة. هذا مثال عن الخطايا التي تتحرّك في النفس: حركة الغضب الأوليّة ممكن اغتفارها؛ قريبة من الاغتفار هي خطيئة التفوّه بكلام نابٍ وغاضب؛ القَسَم هو خطيئة غير مميتة؛ خطيئة قريبة من غير المميتة هي الصفع باليد. بين غير المميتة والمميتة هي الضرب بعصا صغيرة؛ قريبة من المميتة هي الضرب بعصا ثقيلة أو بسكين. الخطيئة المميتة هي القتل. ينطبق على الخطايا الأخرى نموذج مماثل، حيث تكون كفارة الخطايا الأقرب إلى الاغتفار أخفّ، فيما كفارة الخطايا الأقرب إلى المميتة تكون أكثر صرامة.
3. خطايا الإغفال
خطايا الإغفال هي تلك الأعمال الصالحة أو الكلمات أو الأفكار التي يستطيع الإنسان أن يقوم أو يتفكّر بها، لكنه لا يقوم بذلك بسبب الإهمال. وتنبثق هذه الخطايا من خطيئة التراخي. أعرف جيداً أن خطايا الإغفال هذه لا يعتبرها الكثيرون خطايا كاملة إذ لا يرون خطيئة في عدم ممارستهم لهذه الفضيلة أو تلك، حتى ولو كانوا قادرين أو مالكين لوسائل تقديم النصح لقريبهم، أو القيام بصلاة معينة أو عمل خير ما.
لكن مع هذا أنا أعرف أنهم سوف يقدّمون لله حساباً عنها في يوم الدينونة. مَن يؤكّد هذا لنا؟ مثال ذلك العبد الكسلان الذي أخذ الوزنة وطمرها في الأرض فأُدين. فمع أن السيد الذي أعطاه إياها استرجعها كاملة، إلاّ إنّه أُدين لا لأنه ارتكب خطيئة أو ظلماً ما، بل لأنه مع كونه قادراً على زيادتها لم يفعل، فقد كان كسلاناً ولم يزدها “فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا.” (متى 27:25). كما أنه ثابت عندنا من مثل العذارى الخمس الجاهلات اللواتي أُدِنّ لا لشيء غير فقدانهن الزيت. وفي ما يتعلّق بالخطأة عن يسار السيد فسوف يدانون ليس لأنهم ارتكبوا أي خطيئة بل لأنهم كانوا فاقدين للرحمة على أخيهم: “لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي.” (متى 42:25) إن سبب وهب الله للإنسان قوة طبيعية ليس لكي يتركها عاطلة وبلا نفع، بدون نتائج وثمار، كما ترك ذلك العبد البطّال المذكور سابقاً موهبةَ الرب عاطلة، بل هو وهبه إياها لكي يفعّلها ويمارسها فتزيد ويستعملها لعمل الخير وتطبيق وصايا الرب فيخلص بهذا. على هذا الأمر يقول القديس باسيليوس الكبير: “لقد حصلنا من الله على القوة لتطبيق الوصايا لتي أعطانا إياها، حتى أننا لا نقوم بواجباتنا في الجزء السيء وكأنّ شيئاً غريباً وغير متوقع قد طُلب منّا، وحتى لا نمتلئ من التخيل بأننا نوفي شيئاً ما قد أُعطيناه قبلاً”. وبالموافقة مع هذا، يقول أخوه القديس غريغوريوس النيصّي: “كما أن كل إنسان يحصل على أجرته، بحسب قول الرسول (1كورنثوس 14:3)، بقدر عمله، كذلك كل واحد يحصل على عقوبته بقدر إهماله”.
إن الأمور التي تُسمّى خطايا الإغفال هي تلك التي كان بمقدورنا أن نتلافاها، بالقول أو بالعمل، ولم نتلافاها. وعلى هذا الأساس، فإن الذين يرتكبونها يعاقَبون بحسب القانون الخامس والعشرين من مجمع أنقيرة، والقانون الحادي والسبعين من قوانين القديس باسيليوس الكبير، والقانون الخامس والعشرين من قوانين القديس يوحنّا الصوّام.
إلى هذا، ايها الأب الروحي، عليك أن تعرف أن درجات الخطيئة من البداية إلى النهاية هي اثنتا عشر. الدرجة الأولى هي عندما يعمل الإنسان خيراً ولكن ليس بطريقة حسنة مازجاً الخير بالسوء. هذا يتمّ بسبع أشكال على ما يقول القديس باسيليوس الكبير: “بحسب المكان، الزمان، الشخص، المادة المعنية، بطريقة مسرفة، أو غير مرتبة، أو بميول غير لائقة”. من الأمثلة على خطيئة من الدرجة الأولى هي أن يقوم الإنسان بعمل رحمة أو أصوام أو مساعدة للآخرين حتى يمجّده الناس. الدرجة الثانية من الخطيئة هي الإهمال الكامل لعمل الخير. الدرجة الثالثة هي اغتصاب الشر. الرابعة هي الخلطة مع الشر. الخامسة هي الصراع معه. السادسة هي الموافقة معه. السابعة هي الخطيئة بالفكر، بحسب القديس مكسيموس، إذ بعد أن يوافق الإنسان يروح يخطط بتأنٍ في فكره كيف يتمّ العمل. الثامنة هي العمل نفسه وفعل الخطيئة. التاسعة هي عادة ممارسة الخطيئة بشكل متكرر. العاشرة هي إدمان الخطيئة الذي يلزِم الإنسان بقوة على عملها طوعياً أو بشكل غير طوعي. الحادية عشرة هي اليأس أي فقدان الرجاء. الثانية عشرة هي الانتحار، أي أن يقتل الإنسان نفسه فيما هو بكامل عقله لكنه مغلوب من اليأس. إذاً، أيها الأب الروحي، عليك أن تحاول بكدّ وبشتى الطرق لأن تحوّل الخاطئ عند الدرجات الأولى وتمنعه من التقدم نحو الدرجات الأعلى. وفوق كل شيء، عليك أن تسعى لتحميه من اليأس بغض النظر عن عظمة درجة الخطيئة التي يوجد فيها.