الأب المتوحّد غبريال (بونج) هو لاهوتي معروف جداً ونادراً ما يعطي مقابلات. يعيش ناسكاً في منسك صغير فلي سويسرا، لا يستعمل الإنترنت أبداً فيما الوسيلة الوحيدة المتاحة هي الهاتف الذي يستعمله كآلة مجيبة في غرفة منعزلة. على مَن يريد أن يتحدّث إليه أن يترك رسالة مع الوقت الذي يرغب فيه بإعادة الاتصال، وإذا كان الأب غبريال مستعداً للتحدّث يكون قرب الهاتف عند الوقت المحدد. لقد كنّا محظوظين بعدم إتمامنا هذه العملية المعقّدة لأننا التقينا الأب غبريال في موسكو في السابع والعشرين من آب 2010، يوم دخوله الأرثوذكسية من الكثلكة. خلال حديثنا أخبرنا الأب غبريال عن دوافع قراره وعن الفروقات الأساسية بين فالام وسويسرا، وأمور عديدة أخرى.
ماستان: أن يأتي مسيحي من تقليد إلى آخر، هذا يعني أنّه يفتقد شيئاً حيوياً في حياته الروحية…
الأب: نعم! وإذا كان هذا الشخص في السبعين من عمره، مثلي أنا، لا يمكن اعتبار هذه الخطوة طيشاً، أليس كذلك؟
ماستان: لا يمكن. ولكن ما الذي كان ينقصك، كونك راهباً ذا خبرة عظيمة؟
ماستان: لماذا قررت أن تتبنى الأرثوذكسية؟ قد يحبّها المرء بكل قلبه ويبقى ضمن الكثلكة التقليدية. هناك أمثلة كثيرة في الغرب.
الأب: نعم، كثيرون ممن يميلون إلى الأرثوذكسية يبقون في الكثلكة، وهذا طبيعي. في أغلب الكاتدرائيات الغربية يوجد أيقونات أرثوذكسية. في إيطاليا، هناك مدارس احترافية لرسم الأيقونات، معلموها اختصاصيون روس وغيرهم. اليوم يتزايد اهتمام المؤمنين في أوروبا بالترانيم البيزنطية. حتى تقليديو الكثلكة يكتشفون الترنيم البيزنطي. بالطبع هم لا يستعملونه في الخدم الإلهية في الكنيسة بل خارجها، كمثل الحفلات الموسيقية. يُتَرجَم الأدب الأرثوذكسي إلى كلّ اللغات الأوروبية، وينشر الكتب المتَرجَمة أكبر دور النشر الكاثوليكية. باختصار، لم يفقدوا في الغرب حسّ تذوّق كل ما هو أصيل ومسيحي مما حفظه التقليد الشرقي. ولكن للأسف، هذا لا يغيّر شيئاً في حياة الشعب والمجتمع ككلّ. الاهتمام بالأرثوذكسية هو ثقافي بالإجمال. أمّا البؤساء أمثالي ممن اهتمامهم بالأرثوذكسية روحي يبقون أقليّة. نحن غريبون ونادراً ما نُفهَم.
ماستان: كلاهوتي، أنتَ حكيت غالباً عن مشكلة اتّصال الشرق والغرب. فهل تحوّلك إلى الأرثوذكسية هو نتيجة تأمّلك في هذا الموضوع؟
الأب: عندما كنتُ في اليونان وبدأت التحوّل نحو المسيحية الشرقية، بدأت أستوعب الانقسام بين الشرق والغرب بشكل مؤلم. لم يعد نظرية مجرّدة ولا حبكة في كتاب تاريخ كنسي، بل صار بالأحرى شيئاً يؤثّر مباشرة على حياتي الروحية. لهذا بدأتْ عملية التحوّل إلى الأرثوذكسية تبدو خطوة منطقية جداً. في شبابي، كنتُ آمَل بكل أخلاص أن وحدة المسيحية الشرقية والغربية ممكنة. من كل قلبي كنتُ أنتظر حدوثها، وقد كان لديّ بعض الأسباب لهذا الاعتقاد. في الفاتيكان الثاني، كان هناك مراقبون من الكنيسة الروسية ومن بينهم ميتروبوليت سان بطرسبرغ ولادوغا فلاديمير (كوتلياروف). في ذلك الحين، كان الميتروبوليت نيقوديم (روتوف) ناشطاً جداً في الشؤون العالمية. وقد اعتقد الكثيرون أن الكنيستين تتحركان كلّ نحو الأخرى وسوف تلتقيان حتماً عند نقطة ما. لقد كان حلمي يتحقق شيئاً فشيئاً. لكن مع التقدّم بالعمر وتعلّم بعض الأمور بشكل أكثر عمقاً، توقّفت عن الإيمان بإمكانية مصالحة الكنيستين في الخدم الكنسية والوحدة المؤسساتية. ما الذي كان ينبغي أن أعمل؟ الأمر الوحيد الذي كان بمستطاعي هو البحث عن هذه الوحدة بشكل شخصي واسترجاعها في نفس مستقلة، أي نفسي. لم أستطع عمل أكثر من هذا. لقد تبعت ضميري وحَسْب، وأتيت إلى الأرثوذكسية.
ماستان: أليس هذا الرأي متطرفاً؟
الأب: عندما كنت في اليونان، ككاثوليكي، أدركتُ أنّ الغرب هو مَن انفصل عن الشرق وليس العكس. في تلك اللحظة، لم يكن الأمر وارداً عندي. لقد احتجت للوقت لفهمه وقبوله. بالطبع لا أستطيع أن ألوم أحداً. نحن نتكلّم عن عملية تاريخية كبيرة بأكملها، ولا نستطيع أن نقول أن هذا أو ذاك هو المَلوم. لكن الوقائع تبقى هي الوقائع: ما نسمّيه المسيحية الغربية اليوم وُلِد كسلسلة من التمزّقات عن الشرق. هذه التمزّقات كانت الإصلاح الغريغوري متبوعاً بانفصال الكنائس في القرن الحادي عشر، من ثمّ الإصلاح في القرن الخامس عشر، وختاماً مجمع الفاتيكان الثاني في القرن العشرين. هذا بالتأكيد رسم بياني خشن، لكنّي أظن أنّه صحيح بالكامل.
ماستان: مع هذا، هناك رأي بأنّ سلسلة هذه التمزّقات هي عملية تاريخية طبيعية لأنّ كلّ ظاهرة (والكنيسة المسيحية لا تشذّ عن الأمر) تمرّ في مراحل من التطوّر. فما هي المأساة في ذلك؟
الأب: المأساة هي في الناس. في حالة من الأحداث الراديكالية الثورية، يظهر دائماً أناس يقسّمون الحياة إلى “ما قبل” و”ما بعد”. فهم يريدون أن يبدؤوا العدّ فقط من تلك النقطة الجديدة وكأنّ كلّ ما جرى قبلها كان بلا معنى. عندما أعلن البروتستانت إصلاحهم، لا أظنهم عرفوا بأنّ ذلك سوف يقود إلى انقسام الغرب إلى معسكرين كبيرين. لم يدركوا ذلك، بل تصرّفوا وحَسْب. وراحوا يقسّمون مَن هم حولَهم إلى أصحاء (أي الذين قبلوا الإصلاح) والمعتلّين المرضى أي أتباع البابا. إلى هذا، التاريخ يكرّر نفسه: الأمر نفسه اليوم يجري حول الفاتيكان الثاني ضمن الكثلكة. هناك أشخاص لم يقبلوا قراراته وآخرون قبلوها كنقطة بداية. والجميع يتفكّر على أساس هذه الخطوط. مثل بسيط: إذا أشار أحدٌ ما، خلال أيّ محادثة، إلى “المجمع” من دون إضافة أي تفاصيل، الكلّ يفكرون تلقائياً بأنّه يتحدّث عن الفاتيكان الثاني.
ماستان: ما رأيك “بالموضة” الحديثة الليبرالية بين الكاثوليك؟
الأب: أنا سعيد بالتوجّه إلى القراء الروس لأقول لهم بأنّه لا ينبغي اختزال كلّ الكاثوليك إلى مستوى واحد. هناك بينهم مَن يرغب بأن يكون أكثر دهرية وأكثر تحرراً. هذا لا يعني أنّهم مجرمون، إنّها وجهة نظرهم بالحياة وحَسْب. هناك مَن هم مكرّسون بالكليّة للتقليد. انا لا أسمّيهم تقليديين، لأنّ التقليد بحد ذاته ليس مهمّاً بالنسبة إليهم. هذا ليس فولكلوراً قديماً على المرء أن يغذّيه اصطناعياً ويعوّمه. لا! التقليد بالنسبة إليهم هو ما، في كل مرحلة، صان ويصون الاتّصال الحيّ الشخصي مع المسيح، الحياة اليومية بيدَي الله. كما قال يوحنا اللاهوتي: “الَّذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُم أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ.” (1يوحنا 3:1). أنا متأكّد بأن مبدأ “يوجد الله وأنا” هو للهراطقة. عند المسيحيين، المبدأ هو “الله وأنا وكل الآخرين”. الأخرون هم المؤمنون، وأولئك الذين حفظوا الإيمان لنا في القرون الكثيرة. لو لم يسمع الناس للناس بإخلاص، لو لم يكتبوا هذه الأمور ويمرروها لمَن بعدهم، لما كان هناك عهد جديد. هذا يعني أنّه لما كان هناك شيء.
ماستان: في هذه الحالة، كيف ينبغي أن يكون موقفنا من أولئك غير المكرِسين للتقليد؟
الأب: لا ينبغي أن نضربهم على وجههم وبالطبع لا ينبغي أن نطردهم من الكنيسة. الكلّ يستحق الرحمة المسيحية. إذا أنا، كأرثوذكسي، رأيت كاثوليكياً في كنيسة أرثوذكسية، أوّد أن أقترب منه وأخبره بصراحة ورقّة وثقة: “اسمع أيها الأخ، قد تكون مهتمّا بمعرفة أنّ في البداية كنّا كلّنا نرسم إشارة الصليب بهذه الطريقة: من اليمين إلى اليسار. الآن كلّ شيء تغيّر. أنا لا أدعوك لأن تعيد النظر بكلّ حياتك وتركض إلى الكنيسة الأرثوذكسية، فقط أريدك أن تعلم من أين أتت الأشياء.
ماستان: ولماذا اخترتَ الكنيسة الأرثوذكسية الروسيّة؟
الأب: أعتقد بأن العامل الأساسي في هذا النوع من القرارات هو الناس المحيطين بك. عندما عرف أصحابي، وهم أساقفة روس من سانت بطرسبرغ، أنني أتبنّى الأرثوذكسية، قالوا: “نحن غير متفاجئين أبداً. لطالما كنتَ معنا. لكن الآن سوف يكون بيننا شركة أكثر قرباً، شركة مقدّسة، في كأس واحد”. لقد تعرّفت إلى الميتروبوليت هيلاريون، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو، منذ فترة طويلة. لقد التقينا أولاً في 1994 عندما كان أرشمندريتاً. أنا اعتبره صديقي الصالح وأعتزّ بصداقته. وهو، إذا شئت، من أكثر الناس الذين التقيتهم كفاءة ومعرفة. بالواقع، صار بالنسبة إليّ، الشخص الوحيد الذي استطعت أن أتوجّه إليه بطلبي، فهو يعرفني ويعرف معتقداتي ووضعي. وهو كان مستعداً للتجاوب، وقد كنتُ واثقاً من ذلك. وهذا ما جرى.
ماستان: كيف سوف يساعدك هذا في بلوغ مثالك في الحياة الروحية؟e
الأب: أنت تطلب منّي نبوءة ولكني لستُ نبياً. أنا لا أعرف ما الذي سوف يحدث تالياً بالتحديد. ينبغي بنا أن نحيا وحَسْب. حتَى الآن، لقد وجدت في روسيا أموراً كثيرة تغذّي رغبتي. مثلاً، لقد زرت بلعام. أنت تعرف، إذا كان أحد المؤمنين في الغرب ميّالاً إلى حياة عزلة رهبانية قصوى، لا يجد مكاناً يمضي إليه. الصوامع، كتلك التي روسيا، ليست متوفّرة في الغرب. هذا الشكل من الحياة يبدو عتيق الزيّ. كراهب أنا في حالة من البحث الدائم عن التوحّد الأقصى، حتّى العزلة. أحسست أنّ كل هذا متوفّر في بلعام.
ماستان: ألا يوجد ما يكفي من العزلة في إسقيطك في سويسرا؟ بلعام هو أيضاً مكان مكتظ، فالحجاج موجودون بشكل مستمر.
الأب: سويسرا بلد صغير ومزدحم بالسكان بشكل كثيف. الإسقيط مُحاط بغابة، ولكن على بعد 15 دقيقة من المسير يوجد قرية يعيش فيها ما يقارب المئة إنسان. بلعام أكثر هدوءاً. نعم بالطبع، هناك الكثير من الناس هناك، لكن المكان بحد ذاته، كما أحسست، معزول عن باقي العالم. قد يكون ذلك لأنّه على جزيرة، أو قد يعود ذلك إلى أسباب أخرى غير جغرافية. يبدو لي أنّ كل هذا يمكن أن يؤدّي إلى حالة مرجوّة من العزلة في قلب كلّ من يأتي إلى هناك.
ماستان: هل الأمر أكثر صعوبة في أوروبا؟
الأب: الجواب القاسي هو أنّ هذا غير متوفر في كلّ الغرب. التقليد الرهباني الأصيل في الغرب ضُرِب خلال ثورة البورجوازية الفرنسية سنة 1789. أنا عندي اعتقاد ثابت بأن نتائج هذه الثورة بالنسبة إلى أوروبا لم تكن أقلّ ثقلاً من نتائج ثورة 1917 والسبعين سنة من السيطرة الآثمة على روسيا. في فرنسا، بعد هذه الأحداث الدموية كان ينبغي ترميم الرهبنة من العدم. هذا كان يقوم به كهنة عاديون وليس رهباناً. لم يكن هناك غيرهم. في روسيا، عاشت الرهبنة بالرغم من كل الصدمات والفظائع. نعم، لقد كان هذا على مستوى أشخاص محددين هم الشيوخ. لكنّهم تواجدوا. وقد حفظوا التقليد الروحي والحياة الرهبانية الأصيلة. يبدو لي أنّ في كلّ ما يختصّ بالحياة الرهبانية، لم تكن روسيا بحاجة لتبدأ من الصفر. لهذا أنا آسف لسماع الروس يقولون أحياناً: “لقد كان كلّ شيء خرباً. الكنيسة كانت معطّلة”. أرغب دائماً بأن أجيب “برأيي، كل شيء لديكم، شهداء ومعترفون جدد، شيوخ رهبان”، وكلّهم قريبون، فقط مدّوا ذراعيكم. كلّ ما تحتاجون إليه هو أن تبسطوا أذرعتكم وتأخذوا هذه الثروة وتمارسوها تطبيقياً، أي في حياتكم. الانطباع الغالب عندي هو أنّ أغلبية الشعب الروسي لا يعرف قيمة ما لديهم أو أنّهم لا يفقهون أن ما لديهم ذو قيمة كبيرة.
ماستان: لماذا برأيك يجري الأمر على هذا المنوال؟
الأب: في الكلام عن المشاكل، يركّز الناس على المادة، وأحياناً على المصاعب الخارجية التي تواجه الأديار في هذه الأيام. نعم، هناك الكثير مما ينبغي إعادة بنائه. لكن هذا هو الجزء التقني وحسب، أي فقط الجدران والسقف. غني عن الذكر، أن الناس يتأففون: الأسقف والجدران تكلّف مالاً، وأين يجد المرء المال… ولكن إذا ارتفعنا فكرياً فوق السقف، سوف نرى أنّ الجدران ليست الأمر الأساسي. ما هو أكثر أهمية هو: بأيّ نوع من القلب يدخل الإنسان إلى داخل الجدران. هنا يرد القول الروسي: “ليست الكنيسة في الأوراق بل في العروق”. وهذا هو الأمر الأكثر أهمية، هذا التقليد الروحي، الذي ما زال محفوظاً لنا في شيوخ الرهبنة الروس والشهداء الجدد. ويجادل البعض: “هناك القليل من الشيوخ الآن، أغلبهم رقدوا، وما من واحد يعلّمنا”. أنا أجيب دائماً: “إن لم يكن لديكم أب روحي حيّ يعلّمكم، توجّهوا نحو الراقد. فلديكم سيرته وكتاباته وتعاليمه. اقرؤوها واربطوها بحياتكم”. أنا لا أقصد أن أقول بأني لم ألتقِ في روسيا أناساً يعرفون ويقدّرون ويعتزّون بهذه المعرفة. هناك الكثير الكثير من الناس الذين يعرفون، وزيارتي إلى بلعام أثبتت ذلك.
ماستان: ما الذي ينبغي أن يتغيّر في حياتك اليومية بعد هذا التحوّل؟
الأب: بالطبع هناك أمور لا يمكن إلا أن تتغيّر. كوني أصبحت عضواً في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فيما أعيش في سويسرا، فأنا أخضع لرئيس أساقفة كورسون أينوكنديوس. بشكل طبيعي، لا يمكن لعلاقاتي مع الكثلكة أن تبقى كما كانت.
ماستان: ما هي ردة الفعل التي تتوقعها من أبنائك الروحيين؟ هم بالأغلب كاثوليكيون…
الأب: أولاً، والحمد لله أنا أتعامل مع أناس متفهّمين. وأنا أكيد أنّهم يحترمون قراري. وثانياً، لم تكن آرائي ومعتقداتي سرية. كلّ أبنائي الروحيين يعرفون أنّ مثالي المسيحي في الشرق. لا أظن أنّهم سوف يتفاجئون. أنا لم أقل لهم شيئاً مسبقاً تلافياً للمناقشات غير الضرورية. لكني لا أظن أن أيّ أمر غير اعتيادي سوف يحدث. أؤمن بأنّ تقليد الأحاديث الروحية الذي اعتاد أبنائي أن يأتوا إليه سوف يستمر. ليس لدي أي سبب لإيقافه. أخيراً، الأشخاص الذين أتواصل معهم بشكل منتظم يشاركونني المثال الروحي بنسبة أقل أو أكثر، وإلا فلن يأتوا.
ماستان: ماذا عن الخدم الإلهية؟
الأب: بالطبع، من الآن وصاعداً لن أناول كاثوليكيين. وأصلاً أنا نادراً ما كنت أفعل ذلك: الإسقيط بعيد عن العالم الكبير، والأرض التابعة له هي غالباً مقفلة، والخدم خصوصية لأن الكنيسة صغيرة، بالكاد تتسع لعشرة أشخاص. فقط في الميلاد والفصح نفتح الأبواب لكلّ مَن يريد أن ينضمّ إلينا.
ماستان: إذا رغبت واستطعت أن تعطي المعاصرين نصيحة قصيرة حول تنظيم حياتهم الصلاتية، فماذا تقول؟
الأب: إذا أردتم أن تتعلّموا السباحة اقفزوا في الماء. فقط بتلك الطريقة تتعلّمون. وحده مَن يصلّي يحسّ بمعنى الصلاة وطعمها وفرحها. لا يمكنكم أن تتعلّموا الصلاة فيما تجلسون في كنبة كبيرة ودافئة. إذا كنتم على استعداد للسجود والتوبة بصدق ورفع أعينكم ويديكم إلى السماوات، فالكثير من الأمور سوف تُكشَف لكم. بالطبع، بإمكانكم أن تقرؤوا الكثير من الكتب وتستمعوا إلى الكثير من المحاضرات وتتحدثوا إلى الناس، هذه كلّها مهمة وتساعد على مزيد من الفهم. ولكن ما هي قيمة كلّ هذه الأمور إن لم تقوموا بأي خطوة حقيقية من بعدها؟ إن لم تبدؤوا بالصلاة؟ أظن أنّ عليكم أن تفهموا هذا أيضاً. بالطبع أنتم تسألون هذا السؤال من وجهة نظر الذين لا يؤمنون.
ماستان: بالضبط. مجلتنا هي للمشكّكين.
الأب: ما من خطأ في الشكوك، حتّى أنّها قد تكون نافعة، لكن على المرء أن لا يسعى إليها. وإذا ظهرت، على المرء أن يتذكّر ببساطة أن لدينا كلّنا فرصة الاستماع “هاتِ إصبِعَكَ إلى هنا وأبصِرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي، ولا تكُنْ غَيرَ مؤمِنٍ بل مؤمِنًا” (يوحنا 27:20).