كلمات آبائية معاصرة: الملبَس و المسائل الأبوكليبتية
القديس نيقولا فيليميروفيتش
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
بساطة الملبَس
الإنسان يزيّن الملابس البسيطة والثياب المنمّقة تزيّن الإنسان. المَلبَس البسيط يشدّ الانتباه إلى الإنسان، بينما الثياب المزخرفة فتشد الانتباه إلى ذاتها.
ببساطة، إن محبّة الثياب المنمّقة تسبب جفاف نفس الإنسان وذبولها. هذا هو السبب الفعلي الذي جعل الكنيسة منذ القِدَم تقف ضد الترف في الزيّ وتوصي بالبسيط والعادي. لا يوجد في سير القديسين، الذين لا يُحصَون، أيّ إشارة على أنّ أيّاً منهم قد أعانته ثيابه المزخرفة على الوصول إلى القداسة. الكثيرون من الملوك العظماء، لكن الحكماء، ليس من المسيحيين فقط بل حتّى من الوثنيين، أحبّوا البساطة في الملبَس.
يُحكى أنّ الإمبراطور أوغسطوس أوكتافيوس، الذي وُلِد السيد المسيح في أيامه، كان يلبس ثياباً بسيطة مما تخيطه له زوجته أو أخته أو ابنته. الملك شارل الخامس كان يلبس ثياباً بسيطة حتّى أن المواطنين العاديين، الخاضعين له، كانوا يلبسون أفضل منه.
في إحدى المرّات، دعا رجلٌ القائدَ العسكري اليوناني الجنرال فيلوبومانس إلى عشاء في بيته، وكانت هذه زيارة الجنرال الأوّلى لهذا البيت. وصل فيلوبومانس إلى بيت مضيفه باكراً بعض الشيء ولم يكن المضيف قد وصل بعد. ولما لم تكن زوجته تعرف فيلوبومانس ورأت بساطة ثيابه ظنّت أنّه أحد خدّامه وهو مرسَل مسبَقاً ليعلِم زوجها بمجيء القائد العسكري. لذا أمرته بأنّ يقطّع الحطب. سمِع فيلوبومانس أمرها وبدأ بتقطيع الحطب. عند وصول المضيف رأى ما يفعله ضيفه الشريف فارتاع وسأله” مَن تجرّأ على إعطاء هذا النوع من العمل لفيلوبومانس” فأجاب القائد العسكري بهدوء: “ثيابي”.
كيف أجاب القدّيسون على الأسئلة الأبوكليبتية؟
بعض المَضَلَّلين يتفكّرون بنهاية العالم أكثر مما يفكرون بنهاية حياتهم مع أنه من البديهي أن نهاية حياتهم تأتي قبل نهاية العالم.
وقف أحد الإخوة أمام القديس سيرافيم ساروفسكي مشغول البال في كيف يسأله عن نهاية العالم. ميّز القديس فكرَه وقال له: “يا فرحي! أنت تفكّر عالياً بسيرافيم البائس. كيف لي أن أعرف متى تكون نهاية العالم واليوم الرهيب حين يحاكم الربّ الأحياء والأموات ويردّ لكلٍ حسب أعماله؟ لا، هذا مستحيل عليّ.”
فإذا كان القديسون لا يعلمون كيف للخطأة أن يعلموا؟ لمَ يجب أن نعرف ما لم يرَ المخلّص أنّ كشفه نافع لنا؟ أن نفتكر بأن يوم موتنا آتٍ أسرع من مجيء نهاية العالم لأفضل لنا بكثير من أن نفكّر بأن نهاية العالم قبل موتنا.