مخاطر الكهنوت
الأب باتريك ريردون
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
قبل حوالي النصف قرن قرأت ما كتب القديس يوحنا الذهبي الفم عن الكهنوت، ومذّاك الحين أتساءل كيف يجرؤ إنسان على التقدم من السيامة بعد أن يقرأ هذا المقال. رسالة كتاب القديس تبدو كالتالي: “أيها الأحمق تقدّم إلى السيامة والشيطان بانتظارك”. الكتاب المقدس من جهته يروي بعض المخاطر الكامنة في الكهنوت: حتّى قبل وجود قوانين النظام الكهنوتي، ناداب وأبيهود، وقد كانا كاهنين جديدَين، “ماتا أمام الربّ” عندما قرّرا أن يستعملا ناراً غريبة في مجمرتهما. هذه القصة إنذار خطير لموضوع السُكر، إذ أظنّ أنهما كانا سكرانين، وهذا بالطبع أمر سيء. زوج آخر من الكهنة، إبنا عالي، حفني وفنحاس، اللذين خدما تابوت العهد في شيلوه، قضيا فجأة بعد أن أهملا تحذير والدهما بأن ينتبها لسلوكهما.
مخالفات حفني وفنحاس لم تكن سقطات أخلاقية عامّة، كالسُكر مثلاً، بل كانت مرتبطة مباشرة بالخدمة نفسها. فهذان المحتالان استعملا سلطتهما الكهنوتية ومركزَهما ليستنفعا من الشعب الذي كانوا مسامَين من أجله. لذا، خطاياهما كانت شائنة بشكل خاص. يشير الكتاب المقدس إلى تجاوزَين لحفني وفنحاس: فهما من جهة، تجاوزا ثقة “النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ فِي بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ” (1صموئيل 22:2). هذه كانت خطيئة صريحة وقاسية إذ، بهدف الإشباع الجنسي، قد خانا الثقة واستغلاّ ضعفات تلك النسوة المتديّنات اللواتي كانا مسؤولَين عن خدمتهنّ. هذا يعني أن خدمتهما في بيت الرب وفّرت لهما الوسيلة والإطار للكفر. التجاوز الثاني يتعلّق بعملية التقدمة نفسها، وهو يكمن في الازدراء بالجزء الموكَل إلى الكاهن من التقدمة، حيث أنّ هذين الوغدين كان يصرّان على أن يأخذا بالمنشل من اللحم قبل تقديم التقدمة (12:2-16). وهكذا، بدل أن يخدما بيت الرب، كان بيت الرب يخدمهما. وهذه علامة الكاهن غير المستحق في كل زمان.
يرى المغبوط باد في تعليقه على هذه القصة أنّ هذين الكاهنين الحقيرَين هما إشارة مسبَقة للكهنة اللاحقين، بالدرجة الأولى قيافا الذي أدان يسوع في السنهدرين واتّهمه أمام كرسي حكم بيلاطس البنطي. بالواقع، في بيت قيافا جرى التخطيط لكامل خطة الخيانة (متى 3:26-4). هذا المُمَثِّل البارز للشعب اليهودي استعمل مركزه في الخدمة، أي العبادة، لقتل ابن الله. حتّى بيلاطس رأى في كل هذا العمل حسداً. لهذا يكون قيافا دائماً المثال الواضح عن الكاهن الفاسد.
في الوقت عينه، كان كاتبو الإنجيل على علم بالسخرية المتَضمَّنَة في تلك الخيانة الفردية للخدمة الكهنوتية: بالحكم على يسوع بالموت، هذا الكاهن غير المستحق قدّم عن غير قصد الوسيلة لتمجيد الله، أي قدّم الضحية الفريدة والأكثر سمواً التي بها تُرفَع خطايا العالم.
إذا عدنا إلى الحد الأدنى من المعايير للخدمة الكهنوتية أي أن يكون “بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ”، لا نُفاجأ بأن أكثر الخدّام عَرَضيون لا يستوفون هذه الشروط. هنا أخشى أن الأمثلة الأكثر سؤاً، ليست في أولئك الأشخاص الذين يحيون حياة مزدوجة، أي الكهنة المبتَلون بالقمار أو السُكر مثلاً، أو حتّى الذين يسيؤون لزواجهم. فبالرغم من أن قوانين الكنيسة تمنع بشكل مناسب هؤلاء الرجال عن الخدمة الكهنوتية، إلا إنّ مخالفاتهم هي بالدرجة الأولى مظاهر ضعف لا خبث. لكن بالتأكيد، ما هو أكثر سوءاً من كل هذا هو تلك المخالفات المرتبطة بممارسة الكهنوت نفسه، أي الخطايا المتعلّقة بوضعية الخدمة وإطارها، كمثل السعي إلى السلطة والتحكّم المطلََق. أقول هذا وفي فكري التجاوزات في شؤون الضمير، رعاية الخبث بدل الرحمة، نزعة الردّ على الانتقاد بالانتقام، واستغلال السلطة للاستبداد بقلوب شعب الله وعقله. إن هذه التجاوزات قريبة جداً من خطايا أبناء عالي، وبشكل أكثر تشاؤماً، من جريمة قيافا التي لا توصَف، وهي بالتالي التجاوزات الأكثر سؤاً.