الشباب والعاطفة
ماريا قبّارة
إنّ مرحلة الشباب مفعمة بالمشاعر العاطفيّة النديّة الهائجة، مشاعر الحبّ والصداقة، في زمن الطموح والأحلام المرغوب تحقيقها في المستقبل. وإن لم نوجّه عواطفنا ورغباتنا في المسار الصحيح سنقع في فراغ العاطفة والعقل.
الإنسان بطبيعته اجتماعي، في حالة تعامل مستمّر مع الآخر، ينقد، يُعجب كلّ يوم بما يراه أشخاصًا كانوا أم أشياء، يتذوق الجمال الذي خلقه اللّه في الطبيعة والبشر. قد أُعجبُ بأحدٍ ما، إما لأن لديه صفات ليست عندي محاولاً اكتساب ما يناسبني منها، أو صفات تشبهني، وبهذا أجد حرّية بالتعامل معه، فينمو الحبّ والارتياح والتجاذب. ولكن فلننتبه إلى من يسيء فهم الإعجاب، فيأخذ بالتعامل مع الطرف الآخر معاملته للأشياء، كمحاولة اقتنائه بالعاطفة والحبّ المزيف لقضاء شهوة الامتلاك الأناني. هذا يسيء جدًا إلى أحاسيس الآخرين وعواطفهم وكرامتهم وتكشف زيف العلاقة. على الإنسان أن يكون إيجابيًا في إعجابه، فهذا أمرٌ طبيعي في الإنسان، والفرد شخصٌ حرّ ليس من حقّ أي أحدٍ امتلاكه لقضاء شهوةٍ في نفسه
الإعجاب ليس خطأ. فالزواج ينبغي أن يرافقه إعجاب وانجذاب وارتياح كامل ومحبة متبادلة، ومن دون هذه الميزات على الأقل لانضمن نجاحًا بين الشريكين. وأريد أن أؤكد على أنّ الإعجاب السلبي هو إعجاب لمجرد إتمام الشهوة وكثيراً ما ينشأ عنه تبادلاتٍ حسيّة وخاصّة في فترة الشباب التي تخلو من تاج النضج والاستعداد لسرّ الزواج. فالتعلق العاطفي المتسرّع يدمّر مفهوم الحبّ ويشوش العقل معرقلاً طرق الشباب، والعاطفة الرومانسية خيالية وتلتمسُ في كلّ حين العذر لكلّ عيبٍ حتى الجوهري منها، وتؤجّل تقويمها وتُضعف الاستعداد للتغير إلى الأحسن.
علينا في هكذا وقت أن نتوجّه إلى الرّب متكلّين عليه وأن لا نفكر بالارتباط إلاّ في الوقت المناسب متوجهين وسائلين مرشد روحي، فكم بالحري مشورة “الأب الروحي” المطلّع على مسيرة الشاب الروحيّة والكيانيّة، هذه الأبوة التي تنسكب كأنهار مياه حيّة من أحضان الثالوث القدوس، فهو كاهن أبّ يسلّم أولاده روح المسيح ويقودهم نحو المسيح في مسيرة روحيّة متدرجة، ويقبلهم بالرغم من ضعفاتهم مهتمًا بهم ساهرًا على راحتهم. فلنستفد من هذا الوضع كشبابٍ مهتمة بمسيرة حياتها، في النمو الثقافي والعقلي والاجتماعي والروحي، والنمّو العاطفي الإيجابي، من خلال هذا الكاهن الأبّ الذي يوجّه مواقفنا وقراراتنا وعواطفنا بإرشاد الروح القدس.