الرعاية
الأب أنطوان ملكي
عن نشرة الكرمة
الرعاية في الكنيسة الأرثوذكسية مرتبطة بالأبوة وعلى شكلها. من هنا أنها علاقة في الاتجاهين، خاصةً في حدود الرعية. فالراعي، أي الكاهن، يُرعى (بضم الياء) ويَرعى (بفتح الياء). ورعاية الكاهن ليست مسؤولية الأسقف وحده، بل للرعية أيضاً دور مهم فيها. أن يتقدم المؤمنون من الكاهن ليعطوا ملاحظة أو يتساءلوا أو يسائلوا بمحبة واحترام بنويين، وأن يقبل الكاهن كل ملاحظة ويجيب على كل سؤال ويوضح أي تساؤل بتفهم ومحبة أبويين، يعني أن العلاقة في نصابها الصحيح. بالتأكيد حدود الأمر ليست حدود علاقة فقط، فقد تكون العلاقة على أفضل ما يرام بينما الطرفان على خطأ. ليس هذا المقصود ولا المطلوب. فالرعية هي جماعة والمسيح في وسطها. من هنا لا ينبغي بالكاهن أن يضحي بما هو أساسي حفظاً للعلاقة مع الرعية. أمور الرعية يجب أن تكون دائماً بلياقة وترتيب. القوانين التي وضعتها الكنيسة ليست للملكوت بل للأرض. كل ما في الملكوت لائق ومرتب ولا حاجة له إلى قوانين. هناك حالات كثيرة يُحرج فيها الكاهن ويكون مخرجه مخالفة القانون بحجة التدبير. لا يليق أن يصبح التدبير القاعدة والقانون الشواذ. لا يليق أن يضحي الآباء بقانون المعمودية ويقبلوا بعراب غير أرثوذكسي كي يرضى هذا أو ذاك. كما لا يليق أن يختصر الأباء في أي خدمة أو يغيروا تسلسل أي خدمة إرضاءً لهذا أو ذاك. الكاهن حامل لوديعة ينبغي أن يكون أميناً عليها لأنها سوف تُطلب منه يوم الدينونة. إن خشي الكاهن من أن “يَحرد” أبناؤه عن غير حق، يكون سالكاً في ضعف معطلاً النعمة التي تلقاها يوم السيامة والتي تكمل كل ضعف. على الكاهن والرعية معاً أن يفهموا أن الكاهن ليس موظفاً ليتورجياً، وإلا لهانت السيمونية عليه وصارت الخدم مهمات لكل منها تسعيرتها. عندها ينتقل الكاهن، عن غير قصد، من خطأ إلى خطأ وتنتقل الرعية معه.
حفظ استقامة الإيمان هو مسؤولية الرعية كلها. إن أراد الكاهن أن يختصر في خدمة فيحذف إفشيناً من هنا أو طلبة من هناك، فينبغي على كل واحد من المؤمنين أن يعطي ملاحظة أو يسائل أو حتى أن يقصد الأسقف، حفظاً للإيمان ومحبة بالكنيسة. هذا الأمر ينطبق على كل الخدم، القداس الإلهي، المعمودية، الإكليل والجنازة غيرها.
اهتمام الرعية بالكاهن ليست حدوده راتباً تقدمه أو بيتاً يأويه مع أولاده وزوجته. إن انتهت مهمة الرعية عند هذا، يتحول مجلس الرعية إلى سيف على رقبة الراعي يشده إلى الأرض بدل أن يكون جانحاً يرفعه إلى السماء، حتى يرفع الرعية معه. إلى جانب كل هذا، على الرعية أن لا تنسى، كاهناً ومؤمنين، أن الأسقف هو القاطع كلمة الحق بصواب وأنه هو صورة المسيح. علاقة الرعية به لا تُحصر بزيارة في عيدها إضافة إلى بعض الجنازات، بل تتعداها إلى حياة تُتبادل وتُعاش.
الرعاية فن وعلم في وقت واحد. فهي فن لأنها ترتكز إلى موهبة يزرعها الروح القدس في كل من المعنيين. وهي علم لأنها طب إذا صح أداؤه يؤدي إلى الشفاء الروحي والخلاص. الرعاية عمل جماعة تحيا معاً في المسيح، إلى أن تقف كفرد أمامه.