الزواج المسيحي
الأرشمندريت أفرام كرياكوس
“فيصيران كلاهما جسداً واحداً” (أف ٥:٣۱) (تك ٢:٢٤)
عجب كيف يتكلّم راهب عن الزواج وهو لم يختبره؟ لكنه ليس بالعجب الكبير إذ إن أفضل كتاب عن البتولية ألّفه إنسان متزوّج هو القديس غريغوريوس النيصصي. عنوان الكتاب “فنّ البتولية”. ليس بالعجب الكبير أن يتكلّم راهب عن الزواج المسيحي لأن البتولية الحقّة ليست بعيدة عن الزواج الحق.
المواضيع كثيرة في هذا المجال والاسئلة كثيرة ايضاً مع الجدل. لنقتصر في حديثنا اليوم على النقاط الرئيسيّة التي تهمّنا.
فلنبدأ من البداية أي من قصة الخلق:
“فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فاستلّ إحدى أضلاعه وسدّ مكانها بلحم. وبنى الربّ الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأةً فأتى بها آدم. فقال آدم ها هذه المرّة عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي هذه تسمّى امراة لأنّها من امرئٍ أُخذت. ولذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً.” (تك ٢:٢۱-٢٤)
وبعدها يُضيف “فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم” (تك ۱:٢٧)
ممّا يشير أنه منذ البدء منذ الخلق هناك تدبير إلهي يتضمّن وجود إثنين الذكر والأنثى، الرجل والمرأة. ويشير في الوقت نفسه الى واحد فيصيران جسداً واحداً
“وليكن لكلّ واحد امرأته وليكن لكلّ واحدة رجلها” (۱كور٧:٢).
يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم في هذا الموضوع: “سمح الله للرجل في البدء أن يتزوّج أخته، لا أخته بل ابنته، لا ابنته بل لحماً من لحمه الخاص. تفرّع الجنس البشري من إنسان واحد هو آدم وبعدها لم يسمح بالزواج من أخواتنا وبناتنا حتى لا تنحصر المحبّة”.
الرباط الوثيق بين الرجل والمرأة
إذاً هناك رباط وثيق ين الرجل والمرأة منذ البداية. الإلفة بين الرجل والمرأة تفوق كلّ إلفة والمحبّة قويّة لذلك جُبِلَت المرأة من الرجل. “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تُسمّى امرأة لأنها من امرىءٍ أُخِذَت ولذلك….” (تك ٢:٢٣)
إذا انتقلنا الى العهد الجديد نسمع بولس الرسول يقول “ليس عبد ولا حرّ ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع” (غلا ٣:٢٨)
يشير هذا الكلام لا إلى اثنين بل إلى “واحد في المسيح” كما يوحي بالمساواة بين الرجل والمرأة وعدم التفريق بينهما. هل هناك من تناقض مع سفر التكوين ۱:٢٧؟ أم هنالك كشف للعلاقة المتكاملة والمميّزة في المسيح؟
يرفع بولس الرسول العلاقة بين الرجل والمرأة الى المستوى الروحي الثنائي: يُصبحا واحداً في المسيح. الجسد الواحد هو جسد المسيح. اتحاد المرأة بالرجل علامة لاتحادهما الروحي في المسيح. لأن المسيحيين وإن كانوا في الجسد إلاّ أنّهم لا يتصرّفون بحسب الجسد.
ماذا نستنتج من كل هذا؟
أوّلاً: ان العلاقة الحقة بين الرجل والمرأة ليست مجرّد علاقة حسديّة. هي في النهاية علاقة روحيّة لانها اتحاد سرّي بالمسيح: يجمعهما المسيح في جسد واحد هو جسده ضمن تدبير الله منذ البدء وترتيبه، هذا التدبير الذي كشف واضحاً في المسيح. كيف يصبح الإثنان واحداً؟ ماذا يجعل الإثنين ان يصيرا واحداً أو ثلاثة او أكثر؟ هي المحبّة المتبادلة، المحبّة المبذولة المضحيّة، المسيح الذي هو المحبّة المصلوبة.
ثانياً: الشهوة الجنسيّة عابرة. طبعاً هي واردة. خاصة في البدء جُعل الميل الجنسي حتى لا يبقى الانسان وحيداً، متفرّداً أنانيّاً وأيضاً من أجل الإنجاب لا من أجل التمتّع فقط.
من هنا تفهمون كيف أن الراهب الذي اقترن بالمسيح (سريّاً) يبقى بتولاً حافظاً على أمانته للمسيح تماماً كما أن الزوج ( الرجل والمرأة) يتحد بالمسيح ويبقى اميناً له. طبعاً ما يعزّز صلة الزوج بالمسيح هو الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والمناولة وعمل الرّحمة.
في الطاعة والمحبّة
نأتي الآن إلى نقطة مثارة دائماً في العلاقات بين الرجل والمرأة. يقول الرسول بولس “أيها النساء اخضعن لرجالكنَّ كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضاً راس الكنيسة” (أف ٥:٢٢-٢٣). ثم يضيف “أيها الرجال أحبّوا نسائكم كما أحبّ المسيح أيضاّ الكنيسة وبذل نفسه من أجلها” (أف ٥:٢٥).
قبل شرح العلاقات المتبادلة بين الرجل والمرأة من خلال كلام بولس لا بدّ أوّلاً ان نشير أنه في عصره لم تكن المرأة مساوية للرجل في الحقوق، لا في العالم اليوناني ولا في العالم الروماني ولا في العالم اليهودي.
هذا الوضع التاريخي يمكن ان يبرّر التعبير القاسي” الذي جاء على لسان الرسول. لكن هذا الأخير كان يبغي لا العلاقة البشرية فحسب بل العلاقة الروحية لأنه يضيف “كما للربّ” ولأنه يقارن دائماً العلاقات المتبادلة بين الرجل والمرأة بعلاقة الكنيسة والمسيح. في هذه العلاقة الاخيرة، الطاعة تقابل المحبة والمحبّة تقابل الطاعة. هذا القانون يسري على المرأة كما على الرجل. أي إن أطاعت المرأة الرجل تنال محبّته وإن أحبّ الرجل امرأته يستدعي طاعتها والعكس بالعكس أيضاً.
هذا القانون يسري على العلاقات البشرية عامةً يعبّر عنه بولس هنا بطاعة المرأة للرجل وبمحبّة الرجل للمرأة. هذا التعبير جاء هكذا ربّما بداعي العوامل التاريخيّة او بداعي التدبير الإلهي منذ البدء. على كلٍّ، تظهر في المسيحيّة المساواة بين الرجل والمرأة أمام الله والوحدة بينهما في المسيح وذلك على الرغم من وظائفها المختلفة والترتيب القائم في الأسرة حيث يصعب وجود رأسين.
الخلاصة
الزواج المسيحي مدرسة للمحبّة. هو أيضاً تمرين على الطاعة المتبادلة بين الرجل والمرأة ولكن في البدء وفي النهاية الطاعة والمحبة هما للمسيح.
الإكليل إكليل العروسين هو إكليل المجد. هو في الوقت نفسه إكليل الشهادة للمسيح. لذلك نرتل في خدمة الإكليل “أيها الرب إلهنا بالمجد والكرامة كلّلهما” ثلاثاً.
كما نرتّل ترتيلة الشهداء :أيها الشهداء القديسين الذين جاهدوا حسناً فتكللوا….”
هذا عند دورة العروسين الذين يمسك بيدهما الكاهن الممثل المسيح ماسكاً بيده الأخرى الإنجيل الذي به يرشدهما الى الخلاص.