لقاء يسوع في الكتاب المقدس
الأب الحارث إبراهيم
إنَّ العنوان بِحَدِّ ذاته يُفيد أنَّ هناك أكثر من مكان للقاء يسوع. ونحن نريد أن نتكلَّم عن لقائه في الكتاب المقدّس، وتحديداً أكثر في الإنجيل، أي في العهد الجديد. فسمعان الشيخ بقيَ عائشاً حتّى رآه ثم نادى: “الآن أطلق عبدَكَ أيّها السيّد، حسب قولِكَ، بسلام” (لوقا 2: 29) وذلك لأنه التقى يسوع في الكتاب المقدس وخاطبه وتمنّى أن يراه بالجسد فمَنَحَهُ اللهُ أن لا يرى الموتَ حتّى يُعاين مسيح الرب (لوقا 2: 26). هذه نقطة الانطلاق: قراءة الكتاب المقدّس تمنحنا فرصة اللقاء مع شخص الرب يسوع، والتحدّث إليه، ونمو وازدياد المحبّة نحوه والرغبة في البقاء إلى جواره الآن وعلى مدى الدّهور.
بعد تجسُّد الرب وولادَتِه في فلسطين، عاش مع الناس وفيما بينهم. كانوا يلتقونه ويتحدّثون إليه، لكن البعض منهم صاروا مرافقين له. كانت جموعٌ كثيرةٌ تقصده، لكنهم لم يكونوا كلهم يرافقونه. الذين في لقائهم به عرفو أَنّه المكتوب عنه بالأنبياء نادى بعضهم بعضاً، كما فعل فيلبس بنثنائيل قائلاً له: “قد وجدنا المسيّا” (يوحنا 1: 45) أي المسيح، ومعناها: الذي عليه المسحة المقدسة، أي حامل الخيرات والنِّعَم السماوية، لهذا تحلَّق الناس حوله. مَن يلتقي يسوع يدعو الآخَرين إلى لقائه لشدّة الفرح الذي يعتريه ورغبةً منه في نقل هذا الفرح لأن لقاء يسوع يجعل قلب المؤمن الشاكر طافحاً بالحب نحو الجميع فيدعونهم للإمتلاء من نبع المحبّة هذا. هذا ما فعله الرسل وجميع الناس في فلسطين، كانوا يتحدّثون عن يسوع وعن أعماله. المرأة السامرية التي التقاها ربّنا على بئر يعقوب ذهبت تنادي: هلمّ انظروا يسوع الناصري، إنّه المسيح الذي ننتظره، فقد قال لي كلّ ما فعلْتُ (يوحنا 4: 29، 39). فتقاطر أهل البلدة والتقوا يسوع ليسمعوا منه. وعندما سمعوه قالوا لها: الآن نحن نؤمن لا من أجل كلامك بل لأننا رأينا وسمعنا ونعلَم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مُخلِّص العالَم (يوحنا 4: 42). بقي الرسل والناس على هذه الحال طيلة الفترة التي كان يكرز بها الرب يسوع، لكنهم نُكصوا عندما صُلِبَ المعلِّمُ ومات، واستولى عليهم الخوف، رغم إنباء يسوع بالأمر، لكنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب (يوحنا 20: 9). ثم حَدَثَ أمرٌ لم يكن في حسابهم ولا في حساب أحد، وهو قيامة يسوع المسيح. لم يصدّق الرسل حاملات الطيب لمّا أتينَ بخبر القيامة، “وكان عندهم هذا الكلام كالهذيان ولم يصدّقوهنَّ” (لوقا 24: 11)، كما لم يصدقوا تلميذَي عمّاوس (لوقا 24: 13-35). لماذا لم يُصدّقوا؟ لم يصدّقوا لأن هذا الحَدَث لم يسبق له مثيل، حتّى أنّ بطرس ذهب إلى القبر ليتحقَّق من الكلام فرأى الأكفان موضوعةً وحدها (لوقا 24: 12)، أي بدون جسد يسوع، ورأى المنديل الذي كان على رأس السيّد ملفوفا على حِدَةٍ (يوحنا 20: 7)، ومع أنّه رأى كل ذلك “عاد متحـيِّراً في نفسه ممّا كان” (لوقا 24: 12). لم يكن يستطيع فهم الأمر لأن هذا الحَدَث ينقض ثوابت بشرية عنده وعند غيره من الناس. لكن لمّا ظهر لهم يسوع حيّاً (مرقس 16: 9، 15) وتحقّقوا من أمر القيامة لمّا دعاهم قائلاً: “جسّوني وانظروا (إلمسوا جسدي وأبصروا بأمّ العين) إنّ الروحَ لا لَحم ولا عظمَ له كما ترَون لي” (لوقا 24: 39)، عندئذٍ صار خبرُ نهاية سلطة الموت وانفتاح الأبدية، خبراً لا يُكتَم، فعادت الدعوة إلى لقاء يسوع حيّةً من جديد وقالوا لتوما: “قد رأينا الرب!” (يوحنا 20: 25). فعاد توما يجتمع معهم ونال أمنيته والتقى الرب بعد أسبوع من لقائهم به وتحقَّق هو، كما تحقّقوا هم، من أمر القيامة لمّا دعاه يسوع إلى أن يضع إصبعه في جنبه وفي أثر المسامير (يوحنا 20: 27). وممّا زاد في حرص الرسل على الدعوة إلى لقاء يسوع أن المسيح نفسه أوصاهم أن “اذهبوا إلى العالَم أجمع وأَعلِنوا البشارة لكلِّ الأُمَم” (مرقُس 16: 15)، ولم يوصِهم أن يُعلنوا البشارة فقط، بل أن يأتوا إليه بتلاميذ آخَرين، لمّا قال: “اذهبوا وتلمذوا كلَّ الأمم مُعَمِّدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس، ومُعلِّمين إياهم أن يَحفَظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلَّ الأيام حتّى منتهى الدّهر. آمين” (متّى 28: 19، 20). والتلمَذةُ تَحصُل إذ يَقبَلُ المرءُ المعموديةَ مُعلِناً معها قَبوله بيسوع معلِّماً فيجلِسَ مع مريم عند قدمَيه يسمع كلامه (لوقا 10: 39). وكلامُه الآن هو تعاليم الرسل الذين شهدوا لنا بكلِّ ما قال المُعلِّم وبكل ما فعل، وشهاداتهم مكتوبةٌ في العهد الجديد.
خرج الرسل، من بعد صعود الرب عنهم إلى السماء وجلوسه عن يمين الله، “وكرزوا في كل مكان، والربُّ يَعمل معهم (لأنه حيٌّ وحاضرٌ) ويُثبِّتُ الكلامَ بالآيات التي كانت تقارنه” (مَرقُس 16: 20). كانوا يُحدِّثون الناس عن يسوع، كلمة الحياة، التي سمعوها بآذانهم، ورأتها عيونهم، ولمسوها بأيديهم (1 يوحنا 1:1) لكي يؤمنوا بيسوع فيحضروا للقائه في الجماعة ويتعرّفون إليه ويتلَقّون تعليمه ليصوغوه منهجاً لحياتهم مُتّحدين معه فينالون به الحياة الأبدية (يوحنا 20: 31). والرسل إذ أدركوا أنَّ ساعة خروجهم من هذا العالم قد دنت تركوا لنا تعاليم الرب مدوّنة، ليس كلّها كما يقول القديس يوحنا الإنجيلي بل ما يكفي لنؤمن فندخل في علاقة مع الرب وهو يُكمِلُ معنا بعدها. وقد وقف القديس لوقا بدقة على كل ما فعل يسوع وما علَّمَ به (أعمال 1:1) لكي لا يعتري الشهادة الرسولية شكٌّ.
اليوم عندنا شهادات الرسل مكتوبةً، كما عندنا ترتيباتهم في الكنيسة، وهذه الشهادات المكتوبة هي أثمن ما نملك نحن من تعليم ربنا. فإذا كُنّا مؤمنين، فهذا يعني أننا نقبل بيسوع معلِّماً ونقبل شهادة الرسل على أنها حقّ (يوحنا 21: 24؛ أعمال 15: 7)، أي هي تعليم يسوع المسيح الصادق. لذلك علينا أنْ نقرأها بتمعُّنٍ وإصغاء لأنهم ينقلون لنا بأمانة تعليمَه وفكرَه اللذَين إذا عرفناهما نصير نحن كمن يواكب المسيح في تجواله في الزمان والمكان، أي أنهم ينقلوننا زمنياً إلى الفترة التي عاشها يسوع على الأرض وينقلوننا مكانياً إلى أرجاء شرقنا في فلسطين: اليهودية والسامرة والجليل الأعلى (لبنان حالياً). وبالتالي، عندما نقرأ الإنجيل، نحن نتتلمذ على يد يسوع تماماً كما تتلمذ الرسل. يسوع حيٌّ وهو حاضرٌ معنا. وهذه الميزة هي خير ما يميّز النعمة التي نحن عليها: ربّنا هو معلمنا وهو مؤدّبنا وصديقنا وناصحنا ومخلصنا وغافر ذنوبنا.
عند قراءتنا للكتاب المقدّس يجب أن نتتبع الجملة ونتمعَّن في كلماتها حتّى نقف على:
1- موضوع الحَدَث المذكور،
2- الشخصيات الرئيسية والثانوية في الحَدَث،
3- موقف هذه الشخصيات من يسوع أو من الموضوع المطروح: مؤيد، معارض، حيادي، لا مبالي،
4- مفاهيم بعض الكلمات عند الناس في الزمن الذي عاش فيه يسوع، مثل: ابن داود، ابن البشر، المسيح، ابن الله، الراعي،
5- موقع الحَدَث في سلسلة الأحداث السابقة واللاحقة له.
وبالتالي أولاً يجب أن نفهم عن ماذا يدور الحديث، ما هو موضوع الحَدَث؟ لكي نتهيّاً للفكرة التي يريد أن يطرحها السيد المسيح علينا. وبمراجعة الشخصيات المذكورة في الحَدَث نتعرّف قليلاً على خلفية كل واحد منهم لنفهم الغرض من حضوره أمام الرب أو من سؤاله. ولكي أفهم عمق الحوار الذي يجري يجب أن أكون مُلِمّاً بمفاهيم بعض الكلمات عند هؤلاء الناس، سواء كانت مفاهيمهم مغلوطة عَمَلَ المسيحُ على تصحيحها أو كانت مفاهيم صحيحة بَلَّغ المسيحُ بواسطتها خبراً ما أو حقيقة ما حيال دعوته وشخصه. ثم أتبيّن مواقف هذه الشخصيات من أقوال السيد المسيح، لأرى هل تغيّر موقف أحدهم أم تعنَّت على موقفه السابق. هذا التحليل البسيط ضروري جدّاً حتّى يعرف كلُّ واحدٍ مِنّا إلى أي حَدٍّ يشبه موقفه موقف إحدى هذه الشخصيات أو أكثر. وهذا يدفعنا بالتالي إلى التفكير في: لماذا أنا على هذا الموقف؟ هل هذا ما أريده أو أسعى إليه؟ هل أنفّذ ما يطلبه منّي ربّي يسوع عملاً بقول العذراء للعمال في عرس قانا الجليل: “مهما قال لكم فافعلوه” (يوحنا 2: 5)؟ هل أطيعه وأخضع لإرادته فأقول مع السيدة العذراء: “ها أنا أمَةٌ للرب فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1: 38)؟ وأخيراً لا بدّ لي من معرفة التسلسل الفكري الذي يقودني فيه المبشّر حتّى أتعرف برفقته من خلال لقاءاتي مع يسوع على فكر يسوع في جوانب مختلفة منه.
ينكفئ البعض عن قراءة الكتاب المقدّس، إمّا لأنهم:
1- غير مؤمنين، 2- غير مكترثين، ولا مبالين،
3- غير الراضين عن موقف المسيح من بعض القضايا، 4- مُدّعين المعرفة،
5- لا يفهمون كل ما يقرأون فيفضّلون عدم قراءة نصٍّ مبهم،
6- يعتبرون قراءة الإنجيل محفوظة لذوي الإختصاص لكي يدرسوها فيفيدوا الآخرين.
أريد أن أتناول هذه الفئات واحدةً فواحدة، وأضع على عاتقكم أنتم الذين تسمعوني وتواظبون على الصلاة وقراءة الكلمة، إخراج هؤلاء من أوضاعهم وقناعاتهم غير الصحيحة وزرع القناعات الصحيحة فيهم.
الفئة الأولى: فئة غير المؤمنين. عليكم أن تدعوهم إلى الإيمان الذي فيكم. إذا كنتم متأصّلين في الإيمان وعارفين الرب يسوع، فمن الطبيعي أن تأخذكم الحميّة والغيرة بدافع الحبّ لتدعوا الآخرين إلى الخلاص، لأن الرب يسوع يقول لنا “مَن لا يجمع معي يُفَرِّق” (متّى 12: 30؛ لوقا 11: 23) أي مَن لا يدعو الآخرين إلى خلاصهم فهو يتركهم يسيرون في طريقهم إلى هلاكهم (حزقيال 3: 17-22). فالمطلوب أن نشجّع غير المؤمن على لقاء يسوع في الإنجيل، ربما يجد في اللقاء كلمةً موَجّهةً له، تكون ضالّته منذ زمن، فيجدها وتُعيده إلى الحظيرة! مَن يدري؟
الفئة الثانية: فئة غير المكترثين واللامبالين. هؤلاء لم يتَّخذوا موقفاً حيال الأبدية، وربما لا يريدون ذلك لأن الموقف يتطلَّب التزاماً والإلتزام مسؤولية، وهم أناس لا يتحمّلون المسؤولية ويهربون منها. علينا أضاً أن نحُثَّ هؤلاء ليكونوا مسؤولين ويفتكروا بما بعد هذه الحياة، ويتهيأوا استعداداً لها. إن فعلنا ذلك نرفع عن أنفسنا مسؤولية هلاكهم.
الفئة الثالثة: فئة غير الراضين عن موقف المسيح من بعض القضايا. هؤلاء قد لا يعجبهم مثلاً موقف التسامح عند يسوع، أو الوداعة وكثيراً ما يصوّرون الوداعة ذُلاًّ وتواضُع القلب جُبناً. علينا دعوة هؤلاء إلى قراءة الإنجيل من جديد ليتعرَّفوا على يسوع كيف يتصرَّف مع المتعالي ومع المُدّعي ومع المتعجرف ومع البائس ومع المحتاج ومع المريض ومع المؤمِن، أي كيف يتفاوت تصرّف المسيح مع الأشخاص على حسب تفاوت حالتهم. لماذا ندعوهم إلى قراءة الإنجيل؟ لأنه على الأغلب علق في ذهنهم مفهوم خاطئ صادر من شخص غير عارف. كان لديَّ ابن روحي تتلمذ عند “الفرير” وتكوّنت عنده فكرة أن يسوع درويش وكل الناس بتاكل حقّه، ومع أنه قوي رضي بالصلب. لم يكن يفهم سرّ الصليب ويعتبره ضعف. ويرى دعايات في الغرب يصوّرون فيها المسيح ذا نظرة حالمة “تعالوا إليَّ” ثم حالياً يصورونه غاضباً لأنه الديّان. قلتُ له إقرأ الإنجيل ثم بعد ذلك نتحدّث عن يسوع الذي ستلتقيه. بعد أسابيع التقيته، فقال: “ده كان راجل ثوري ما يخافش أبداً، ده مسح بالفريسيين الأرض، كان بيتحداهم وما يجرأوش يقرّبوا منه. كانوا يخافوه”. قلت: “والمريض والفقير؟” قال: “ده حنيّن قوي!” إذاً هو ربّ الكل.
الفئة الرابعة: فئة مُدّعي المعرفة. هذه الفئة صعبة لأنها لا تُقِرُّ بعدم المعرفة وبالرغبة في التعلُّم بسبب كبرياء أصحابها ولا هي تمتلك المعرفة حتّى نتعلَّم منها. أصحاب هذه الفئة إمّا يعتبرون الكتاب المقدس كتاب معرفة أو رواية قد ألمّوا بمضمونها وما عاد هناك من حاجة لإعادة القراءة، أو أنهم يفهمون أكثر من الرسل، وهم أيضاً يعتبرون الكتاب المقدس رواية لا أكثر ولا أقل. كيف يمكن أن نبيّن لهؤلاء أن الكتاب المقدس هو كتاب حياة؟ هذه مسألة تعتمد كلّياً على قامتنا الروحية لنشهد بمضمون الإنجيل لجهة الحياة الأبدية في كل وقت. يعني: المدّعي لا يظن أنه بحاجة إلى مواعظ من الإنجيل، وغالباً ما ينعدم عنده الإيمان بطريقة مقنّعة فلا يكتشفها. هنا الدور الإيجابي الذي يستطيع المؤمن أن يلعبه بكشف نواقص المعرفة عنده كلّما سنحت الفرصة، بلطف، ولا يمنع أحياناً بصلافة بقصد إحداث صدمة. (قل للذي يدّعي من العلم معرفةً: حفظتَ شيئاً وغابَت عنكَ أشياءُ).
الفئة الخامسة: هم فئة الذين لا يفهمون كل ما يقرأون فيفضّلون عدم قراءة نصٍّ مبهم. هكذا يركنون إلى الكسل. كثيرون مِنّا يُصابون أحياناً بالكسل واللامبالاة. وليس من دواء سوى أن نتقوّى من بعضنا. أي نجتمع من أجل قراءة الكلمة (الكتاب المقدّس) ويساهم كل واحدٍ بما أعطاه الله أن يفهم. الذي عندي أعطيك إياه وآخذ منك ما عندك فنغتني كلينا. هذا مهم جدّاً لأننا جماعة؛ كلنا جسدٌ واحد وليس كل واحد منّا قائم بذاته لوحده. هذا يساعدنا أيضاً على التواضع. تعرفون أن النار إذا اقتربت من الماء يَخِفُّ لهيبُها وقد تنطفئ أما إذا اقتربَت من نارٍ أخرى يَزداد لهيبُهما كليهما أضعافاً. هكذا، بقيادة الروح القدس، عندما نجتمع باسم يسوع ويكون يسوع حاضراً بيننا يزداد فهم الجميع، وما لم نكن نعرفه قبلاً نصبح عارفينه الآن. قال فيلبّس للخصي: “ألعلّك تفهم ما أنت تقرأ؟ فقال: كيف يُمكنني إن لم يُرشدني أحد؟” (أعمال 8: 30، 31) المهم أنه كان يقرأ وعندما برزت الحاجة للإستفسار كان معه مَن يُفسِّرها له.
الفئة السادسة: فئة الذين يعتبرون قراءة الإنجيل محفوظة لذوي الإختصاص لكي يدرسوها فيفيدوا الآخرين. هؤلاء يعتمدون على فهم الآخَرين كليّاً. لابأس أن نعتمد على فهم الآخَرين لكن لا بدّ أن يكون عندنا مشاركة. لا بدّ أن نلتقي نحن أنفسنا بيسوع. نقرأ تفاسير الآباء القديسين المعلّمين لكن علينا أن نلتقي نحن بيسوع ونسمع كلامه. هذا اللقاء شخصيٌّ ويتجاوز الكلمات. (تواجه مرّةً أحد الأعضاء في فرقة حركية مع شخص من شهود يهوه وكان يجاوبه غيباً ولا يحمل الكتاب المقدّس. فقال له الذي من شهود يهوه: “مَن قال هذا الكلام؟” قال له: “الأخ المرشد”.) هنا المشكلة؛ هذا الأرثوذكسي لم يقرأ الإنجيل ولم يعرف ماذا علّم يسوع وبالتالي ليس له فِكرُ المسيح، كما يصف القديس بولُس المسيحيين بأن لهم فكر المسيح (فيليبي 2: 5)، فعجز عن الدفاع عن الإيمان وبالتالي عجز عن ردّ الضّال.
الندوة الإنجيلية، أو لقاء يسوع في الإنجيل، سيجعلنا 1- مشابهين ليسوع المسيح لأننا نمتثل بالمعلّم الصالح (متّى 19: 16؛ مرقس 10: 17). و2- هذا سيقينا من الزلاّت “سراجٌ لرِجلَيَّ كلامُكَ ونورٌ لسبيلي” (مزمور 119: 105). كما أن لقاءه يجعلنا 3- واثقين من إيماننا ومن كنيستنا لأننا عندها نتأكّد أن كلَّ ما نقوم به من عبادات في الكنيسة وما نُنشده إنّما هو من الكتاب المقدس ومن روح الإنجيل لا من خارجه، وبالتالي يُحَصّننا ضدّ البِدَع. و4- يعطينا القدرة على دعوة غير المؤمنين إلى المسيح ويساعدنا على ردّ الضالين إلى حظيرة الإيمان.
يسوع المسيح يدعونا إلى قراءة الكتاب كلّه. هو نفسه كان يقوم بالقراءة عندما كان بالجسد. نسمع القديس لوقا يقول أنه بعد أن صام وجُرِّب أتى الناصرة “ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ” (لوقا 4: 16)، وقد وبَّخ الصدّوقيين قائلاً: “تَضلّون إذ لا تعرفون الكُتُبَ ولا قدرة الله” (متّى 22:29)، ويسأل: أما قرأتم قط ؟ (ما فعله داود (متّى 12: 3؛ مرقس 2: 25؛ لوقا 6: 3)؛ أنّ الذي خَلَق (متّى 19: 4)؛ مِن أفواه الأطفال (متّى 21: 16)؛ هذا المكتوب (مرقس 12: 10)؛ في كتاب موسى (مرقس 12: 26).)