بعد الميلاد
الأرشمندريت توما بيطار
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
يا إخوة، اليوم هو الأحد الّذي بعد عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح بالجسد. الكنيسة المقدّسة تعيّد، بصورة خاصّة، لأربعة أشخاص يعكسون وجوهًا من القداسة، وهم شهود لله، بطريقة أو بأخرى. نعيّد، اليوم، ليوسف خطيب مريم، وداود الملك، ويعقوب أخي الرّبّ الّذي يُعتَبَر أوّل أسقف على أورشليم، ونعيّد أيضًا في السّابع والعشرين من الشّهر، أي اليوم، للقدّيس استفانوس أوّل الشّهداء ورئيس الشّمامسة.
أوّلاً، فلنتكلّم قليلاً على يوسف خطيب مريم. يوسف، وفقًا للنّصوص اللّيتورجيّة الّتي سمعناها في صلاة السّحر، وصلاة الغروب، كان إنسانًا أصيلاً، عنده نقاوة قلب. لهذا السّبب، كان إنسانًا بارًّا، بمعنى أنّه أرضى الله. ومع ذلك، الكنيسة المقدّسة، في أيقونة الميلاد، تصوّره على حدة، وكأنّه ليس على علاقة كيانيّة بميلاد الرّبّ يسوع المسيح وبوالدة الإله. يُصوَّر إلى جانب المغارة. وعادة، يقف قدّامه شخص ملتحيًا، يُظَنّ أنّه الشّيطان. ويحاول الشّيطان أن يوحي إليه بأفكار غير نقيّة. بطبيعة الحال، الكنيسة، إذا وضعت يوسف خطيب مريم جانبًا، فلأنّ عندها حكمة، وهي أنّ الكنيسة لم تُرد أبدًا أن تُدخِل أيّ تشويش على أبوّة الآب السّماويّ للرّبّ يسوع المسيح. الكنيسة أرادت أن تُبعد من الصّورة ما هو بشريّ، لجهة علاقة يوسف بمريم وبالطّفل يسوع، لأنّها تعرف أنّ التّجربة الّتي قد يكون المؤمنون عرضة لها هي أن يعتبروا أنّ يوسف ومريم والرّبّ يسوع المسيح هم عائلة بشريّة مثاليّة. وبالفعل، هناك مَن يتحدّث عمّا يُسمّى بالعائلة المقدّسة الّتي تضمّ يوسف ومريم والرّبّ يسوع المسيح. طبعًا، هذا خطِر جدًّا، ومشوّش على كلّ الواقع الّذي أراد الله أن يثبّته. منذ فترة، سمعنا أنّ في نيوزلّندا صار يوسف ومريم يُصوَّران باعتبارهما زوجًا وزوجة. وقد أثار هذا الأمر عاصفة من الاعتراض في الغرب. إذًا، لكي لا تُفسح الكنيسة في المجال لأيّ تشويش، جعلت يوسف جانبًا، حتّى لا نتحدّث عن عائلة مقدّسة على الأرض. لا شكّ في أنّ يوسف كان إنسانًا صدّيقًا وبارًّا، بدليل أنّه سمع لكلام الملاك، وأطاع الله! لكنّ الطّفل – الرّبّ يسوع المسيح أتى نتيجة حلول روح الرّبّ القدّوس على مريم، من دون مشاركة رجل. لهذا السّبب، كان لا بدّ ليوسف من أن يُجعَل جانبًا. ولكن، هذا لا يمنعنا أبدًا من أن نعيّد ليوسف، ونعتبره قدّيسًا، في كنيسة المسيح، ولا شكّ في أنّه كان إنسانًا مبارَكًا، وساهم مساهمة جميلة في عمل الله، لجهة احتضان مريم والصّبيّ، بشريًّا، إلى جانب، طبعًا، ملاك الرّبّ الّذي كان يوجّهه، بشكل خاصّ، في الحلم، كيف عليه أن يتصرّف. هذا بالنّسبة إلى يوسف. وإذا كانت الكنيسة تجعل عيده في الأحد الّذي يلي عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح بالجسد، فهذا لأنّها تقيم له وزنًا مهمًّا، من دون، طبعًا، أن تُفسح في المجال لأيّ تشويش، بالنّسبة إلى علاقته بمريم وبالصّبيّ.
الشّخص الثّاني الّذي نعيّد له، اليوم، هو داود الملك والنّبيّ. داود عنده مزايا جميلة جدًّا تشير إلى الرّبّ يسوع، بطريقة أو بأخرى. هو مثال التّوبة، في العهد القديم. لا شكّ في أنّه كان إنسانًا خاطئًا، لكنّه كان تائبًا عظيمًا. لذلك، أوحي إليه بذاك المزمور العظيم، المزمور الخمسين (ارحمني، يا ألله، كعظيم رحمتك). إذًا، داود هو صورة التّوبة الكبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، هو صورة التّواضع الكبير. على الرّغم من أنّه كان ملكًا، فإنّه كان متّضعًا جدًّا، وكان مستعدًّا دائمًا لأن ينحني أمام العزّة الإلهيّة. وإذا كان قد أخطأ، فإنّه يعترف بكلّ تواضع القلب بأنّه أخطأ. كما كان، أيضًا، رجلاً محِبًّا لله محبّة كالأطفال. لذلك، عندما نُقِل تابوت العهد، في زمانه، نسي أنّه ملك، وانتصب أمام التّابوت، وأخذ يرقص بفرح عظيم، كالأطفال! قلبه كان جميلاً. لذلك، على الرّغم من أنّه ارتكب قتلاً كثيرًا، فإنّ الرّبّ الإله، لسلامة قلبه، سامحه. ولذلك، أصبح أحد أبرز القدّيسين، وصورة لمسيح الرّبّ. ومنه أتى، في الحقيقة، الرّبّ يسوع المسيح من حيث السّلالة. هذا هو داود الملك والنّبيّ التّوّاب.
بالإضافة إلى ذلك، نعيّد، اليوم، للقدّيس يعقوب أخي الرّبّ الّذي يُعتبَر أوّل أسقف على أورشليم. طبعًا، يعقوب مذكور في الكتاب العزيز. الرّبّ يسوع المسيح كان عنده إخوة، ولكن، لا في الجسد، بل بحسب العُرْف، في ذلك الزّمان. لم يكن عنده إخوة بالجسد، بمعنى أنّه لم يولد هو وإخوته من بطن واحد. ولكن، في ذلك الزّمان، تسمية الإخوة كانت مَرِنة، وكانت تُستعمَل في مناسبات عديدة. أبناء العمّ، مثلاً، كانوا يُسمَّون إخوة. النّظام الاجتماعيّ، في ذلك الزّمان، كان نظامًا قبليًّا. وأبناء القبيلة الواحدة كانوا يعتبرون بعضهم بعضًا إخوة. إذًا، التّسمية كانت فضفاضة. لهذا استُعملَت. يعقوب، وفق التّراث، كان إنسانًا نذيرًا لله، ووديعًا جدًّا. هذا ما قيل عنه في التّراث. وقد قتله اليهود، إذ ألقَوه من جناح الهيكل، وعاجله أحد الرّعاع بضربة على رأسه قضت عليه. إذًا، هذه صورة من صور الرّبّ يسوع ارتسمت في يعقوب، وهي صورة الوداعة والنّذارة للرّبّ الإله.
ثمّ بعد ذلك، نعيّد للقدّيس استفانوس أوّل الشّهداء ورئيس الشّمامسة. استفانوس، في أكثر من وجه، كان شبيهًا بالرّبّ يسوع، سلك على مثال الرّبّ يسوع. أوّلاً، كان إنسانًا حقّانيًّا، يتكلّم بالحقّ، ولا يبالي ماذا تكون النّتائج. لهذا، كلّم اليهود، كما سمعتم في الرّسالة الّتي تُليَت على مسامعكم، بالكلام الإلهيّ. لكنّه وبّخهم لأنّهم كانوا دائمًا عصاة من جهة كلمة الله، ومن جهة ما جاء به الأنبياء. وبّخهم وقرّعهم وكان قاسيًا معهم. رجل الله، عمليًّا، شهيد. وعندنا، الشّهيد والشّاهد واحد. الّذي يشهد للحقّ والّذي يموت لأجل الحقّ هما واحد، في اللّغة. لذلك، استفانوس شهد للحقّ، وقدّم دمه شهادة لحقّ الإنجيل؛ فصار مثالاً لسيرة الشّهادة الّتي انبثقت من الرّبّ يسوع المسيح. الرّبّ يسوع المسيح أسّس سلالة الشّهداء. عمليًّا، كلّ إنسان مؤمن بالرّبّ يسوع هو إنسان عليه أن يسلك، بشكل أو بآخر، في الشّهادة للرّبّ يسوع. إذا لم يكن مستعدًّا لأن يبذل دمه، أن يبذل نفسه، أن يبذل مشيئته، أن يبذل كلّ ما له؛ فإنّه لا يكون، في الحقيقة، مؤمنًا إيمانًا كاملاً بالرّبّ يسوع. لذا، على كلّ واحد، بمعنى، أن يسلك في الشّهادة، سواء أقُتل أم لم يُقتل. ولكن، كلّ واحد منّا عليه أن يقتل هواه، وأن يقتل خطيئته، وأن يسلك بأمانة كاملة من جهة وصيّة الله. واستفانوس رُجِم. اللاّفت أنّه فيما كان يُرجَم بالحجارة حتّى الموت، وكان على وشك أن يلفظ أنفاسه، صرخ وقال: “يا ربّ، لا تُقِم لهم هذه الخطيئة”. وهو بذلك اقتدى بالرّبّ يسوع المسيح الّذي كان مُعلَّقًا على الصّليب وقال، قبل أن يلفظ نفسه الأخير: “اغفر لهم، يا أبتاه، لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون”. إذًا، استفانوس إنسان سلك في إثر الرّبّ يسوع المسيح. لذلك، تعتبره الكنيسة المقدّسة أوّل الشّهداء، ونموذج الشّهداء الّذين سيأتون فيما بعد.
هؤلاء الأربعة يرسمون وجوهًا من الأمانة للرّبّ يسوع. وكلّ واحد منّا تُشعّ من خلاله القداسة بطريقة أو بأخرى، حتّى نعرف أنّ سيرتنا هي سيرة قداسة. إرادة الله قداستكم. كلّنا من دون استثناء مدعوّون إلى القداسة. لا يمكن لأحد أن يعتبر أنّ غيره مدعوّ إلى القداسة؛ أمّا هو، فليس له طاقة على ذلك. الكلّ، في الحقيقة، مشروع قداسة. لذلك، نحتفل، كلّ يوم، بذكرى هؤلاء القدّيسين، واليوم بخاصّة، لأنّنا، في الحقيقة، إن لم نسلك في القداسة، فإنّنا لا نولد من بطن الله لملكوت السّموات.
فمَن له أذنان للسّمع، فليسمع.
عظة في الأحد 27 كانون الأوّل 2009 حول متّى2: 13- 23.