ميمر في عيد العنصرة
لأبينا الجليل في القديسين غريغوريوس اللاهوتي
سبيلنا أن نتفلسف في العيد قليلاً. ليكون تعييدنا روحانيّاً. وذلك لأنَّ لكل أحدٍ غيرنا عيداً يخصه. وأما خادم الكلمة. فعيدهُ النطق. ومن النطق ما كان ملائماً للوقت. وليس شيءٌ حسنٌ يسرُّ هكذا لأحدٍ من مؤثري الحسنات مثل حضور من يودّ الأعياد والمواسم الروحانية. ويجب علينا أن ننظر هكذا. وذلك أن اليهودي يعيّد ولكن بما يخصُّ الكتاب لأنه قصد الناموس الجسداني فلم يصل الى الروحاني. والصابئَ يعيّد أيضاً ولكن بما يلائم الجسم وعلى حسب مذهب آلهتِه وشيطانية الذين منهم مَن أبدع عوارض الفساد على رأيهم أنفسهم ومنهم من كان تكريمهُ من هذه الأعراض فلذلك صار تعييدهم مضاهياً للفساد حتى يكون تكريم الإله عندهم الإثم بعينِه فيفرّ إليهِ عوضاً من الفساد كأنه محمدة. ونحن نعيّد أيضاً ولكن بحسب رأينا في الروح. والرأي عندنا: إما أن نقول شيئاً مما ينبغي. وإما أن نعملهُ. وهذا هو تعييدنا أن نخزن للنفس شيئاً مما يثبت وينضبط لا مما ينحلُّ وينصرف. ويطرب الحسَّ قليلاً ويفسدهُ كثيراً ويضرُّ به. على حسب الرأي عندي يكفي الجسم شرَّ ذاتِه فلِمَ يزادِ اللهيب مادَّةً ولِمَ للوحش أن يغمر طعاماً حتى يزيد التمكُّن منهُ بعداً ويصعب على الفكر انقياده. فمن ههنا يجب أن نعيّد تعييداً روحانياً.
فأول الكلام فيما يجب أن نقوله وإن طال الشرح قليلاً فيجب على وامقي الكلام أن يؤثروا التعب في ذلك لنخلط ذلك في هذا الموسم مثل ملذَّة ما وذلك أن أولاد العبرانيين يكرمون السابع على سنَّة موسى. كما أكرم أصحاب بيثاغوروس بعدهم الرابع فجعلوه لهم قسماً. وكما أكرم أصحاب آل سيمون ومركيون عدد الثمانية وعدد الثلاثين فقد سمُّوا دهوراً تسامي ذلك في العدد ولست أعلم على أي رأي وقياس ذلك؟ وأية قوَّة لهذا العدد فيكرمونه بها. ولكن على كل حال هم لذلك مكرومون. إلا أن الظاهر في ذلك أن الله عزَّ وجلَّ أبدع الهيولى في ستة أيام وصوَّرها وزيَّن هذا العالم المنظور بأنواع وصور شتَّى لما خلقه. فلما كان اليوم السابع استراح على ما يدلُّ عليهِ اسم السبت فإنهُ باللغة العبرانية يدلُّ على الراحة. فإن كان ههنا رأي آخر أشرف فيتفلسف فيه غيرنا.
والكرامة عندهم (عند العبرانيين) ليست في الأيام وحدها بل هي واصلة الى السنين. فكرامة الأيام ولَّدت لهم هذا السبت الذي يكرّمونه دائماً وعلَّته من عدد أيام رفع الخمير عندهم. وأما كرامة السنين فمنها صار السابع من السنين عام الفصح والتسريح. وليست الكرامة عندهم في السبعة وحدها بل في سبعة السابعين وذلك متشابهٌ عندهم في الايام والسنين. فأمّأ سبعة الأيام فولدت يوم الخمسين يوماً مدعواً عندهم “مقدساً” وأما سبعة السنين فولدت العام الذي يسمونه يوبيلاً وفيه يكون عندهم تسبيل الأرض وعتق العبيد وإطلاق ما اقتني بثمنٍ. فبذا القبيل ليس يزكي الله بواكر الغلات والأبكار وحدها بل نواجم الأيام والسنين أيضاً. فعدد السبعة المكرَّم عندهم بعث لنا كرامة البنديقستي وذلك أن السبعة إذا كرِّرت بمثلها سبعة كانت خمسين إلا واحداً وهو اليوم الذي أخذناهُ من الدهر المستأنف فهو بعينه يزم ثامن وأول بل هو واحد لا ينحلُّ ولا يزول وهناك ينبغي أن تنتهي سبوت النفوس كما يجب أن بعطى جزءٌ للسبعة بل للثمانية أيضاً بحسبما رأى قوم ممن كانوا قبلنا في قول سليمان.
إلا أن إكرام السبعة لع شهادات جملة فيكفينا قليل من كثير. كما أن ههنا أرواح سميت كريمة لأن أشعياء عندي (أي حسب رأيي) أنه كان يؤثر أن يدعو أفعال الروح أرواحاً. وكلام الرب مطهَّر سبعة أضعافٍ عند داود. والصدّيق مخلَّص من الشدائد ست دفعات والسابعة فهو فيها غير مجروح. والخاطئ فمصفوح عنه ليس سبع مرات فقط بل سبعةً في سبعين وبضدّ ذلك عقاب الشرّ ممدوح فقايين أُخِذَ منه الثأر سبع مرات. أي طولب بالثار عن قتلهِ أخاه. وأما لامخ فمؤَدٍّ ذلك سبعةً في سبعين لأنه كان قاتولاً بعد الناموس وفرائض الدين. وأما الذين كانوا ذوي شرور فصاروا آخذين في حضونهم سبعة أضعاف ما بُذِر منهم. وبيت الحكمة كان مدعوماً من العمد بسبعة وحجر زربابل فبعدد ذلك عيوناً كان مزيناً. والله ممجدٌ بالتسبيح سبع مرات بالنهار. والعقر ولدت سبعة وأتت بالعدد الكامل وهي ضدٌّ لمن كانت غير تامَّة الأولاد.
وإن تدرجت في النظر في العهد العتيق وجدت أخنزخ السابع في السالفين بالنقلة من المكرمين. ووجدت ابراهيم الحادي والعشرين برئاسة الأبوًّة من الممجدين بزيادة في السرّ مضاعفة لأن السبعة إذا ثُلِّثت كانت بهذا العدد آتية. وقد يجسر أحد من المتجاسرين في كل شيءٍ على الأقدام على آدم الجديد الذي هو إلهنا وربنا يسوع المسيح فيجدهُ من آدم العتيق الذي كان تحت الخطيئة سابعاً وسبعين في العدد بحسب نسبة لوقا المعكوسة. وأرى أيضاً سبعة ابواق يشوع ابن نون ودورات الكهنة. كذلك بهذا المقدار من الأيام فد هُدِمت أسوار أريحا. وأرى عودة إيليا النبي الثالثة لما عاد على ابن الأرملة الصرفندية قد نفخَت فيه الروح المحيي وأرى نضحهُ على شقق اللحم بهذا العدد قد استدعى ناراً منزلة من عند الله أحرقت الضحية وحكمت على أنبياءِ الخزي لما لم يقدروا على مثل ذلك بما قدموهُ من دعائهم. وأرى كذلك مراقبة الغمام وقد أمر بهذا الغلامَ سبع مراتٍ. وأرى من أليشع سبع عطفات على ابن الصومانية قد عطفت بالحياة عليه. ومن هذا المعنى أيضاً أذكر الآن منارة الهيكل ذات السبعة القوائم والسرج السبعة. وفي سبعة أيام أرى الكاهن متمّماً وفي مثلها الأبرص مطهَّراً والهيكل في عدد مثلها مجدّداً. والشعب في السنة السبعين من السبي عائداً ليكون ما تقدم في الآحاد في العشرات مكرراً وسرُّ السابع في عددٍ أتمَّ من غيره مكرماً. وما لي أطيل في القول ويسوع نفسه الذي هو التمام النقي قد رأى أن بغذي في القفر بخمس خبزات خمسة آلاف وبسبع أيضاً أربعة آلاف. وفضل عنهم بعد ما شبعوا أما هناك فاثنتا عشرة قفة وأما هنا فسبعة سلال وليس شيء من ذلك في ظني بغير قياس ولا بعيد من استحقاق الروح.
وأنت إذا تفقدت في نفسك وجدت أعداداً كثيرة فيها ما هو أعمق من ظاهرها إلا أم ما تحتاج إليه في هذا الوقت أن العبرانيين إمَّا على هذه الأحوال. و‘ما على ما يقرب منها. وإما على ما هو أجلُّ منها يكرمون البنديقستي (العنصرة) ونكرم ذلك نحن أيضاً كما أن ههنا أيضاً من رسوم العبرانيين أشياءَ أُخر كثيرة معمولة على جهة الرسوم وعائدة عندنا على معنى السرّ.
فإذا كنا قد قدَّمنا في هذا اليوم هذا المقدار من الكلام فسبيلنا الآن أن نصير الى ما يتلو ذلك فيما بعد من القول. فنقول إننا معيدون عيد الخمسين وورود الروح وصلوا الميعاد وتمام الأجل. والسرُّ عظيم القدر وكريم من كل جهة. فجسدنيات المسيح قد انتهت بل الذي انتهى هو أحوال قدومهِ الجسداني لأنني متوقف عن أن أسباب الجسد قد انتهت ما دام لا يقنعني قول بأن الأجود انتزاحهُ عن الجسد. وقد ابتدأت الآن أسباب المسيح؟ فهي بتولٌ وميلادٌ ودذود وتقميط وملائكة يمجدون ورعاة يتسارعون ومسير كوكب وسجود مجوس وحملهم هدايا وقتل هيرودس اطفالاً وهرب يسوع الى مصر وعودتهُ من مصر وختانتهُ ومعموديتهُ والشهادة لهُ من العلو وامتحانهُ ورجمهُ بالحجارة لأجلنا نحن الذين كان ينبغي أن يعطينا مثالاً للتألم من أجل الكلمة وتسليمهُ وتسميرهُ ودفنهُ ونشورهُ (قيامته) وصعودهُ وأتيانهُ وما نالهُ كثيراً والآن إمّا من قِبل ماقنيهِ من المسبة واحتمالهِ لها لأنهُ طويل الأناة. وأمّا من قبَل وامقيهِ (محبيه) فمن الاقتضاءِ والتسخُّط وهو ينظر فكما يؤخر الرجز عن أولئك كذلك يؤخر الصلاح عن هؤلاء. أما أولئك فيمهل لهم عطية وقت يكون لتوبتهم وأما هؤلاء فيمتحن ودَّهم ألاّ يكونوا في الأحزان ناكصين وفي الجهاد عن حسن الديانة مقصرين وذلك أصل في التدبير الإلهي وشأن لأحكامهِ التي لا تدرك وبها يقوّم أحوالنا بحكمته. فهذه أحوال المسيح وهذا شأنها وستبصرها فيما بعد زائدة شرفاً. ويا ليتنا كذلك عندها.
وأما أحوال الروح فايحضرني الروح لذكرها ويجود عليَّ بنطق بمقدار ما أؤثر. ولإن لم يكن بهذا المقدار فبالمقدار الذي يكون مضاهياً للوقت. وعلى كلٍّ فسيحضر هو كما يحضر سيد لا كما يحضر عبدٌ ولا ينتظر من غيرهِ أمراً كما ظنَّ قومٌ بل يهبُّ أينما يشاءُ وعلى من يشاءُ ومتى أراد بالقدر الذي يختارهُ. وكذلك ألهمنا نحن أن نعتقد ونقول في الروح فأما الذين يحطون الروح القدس الى أن يكون خلقة فهم شاتمون وعبيد اشرار وشرٌّ من كل شرير. لأن العبيد الأشرار من شأنهم إنكار الولاءِ والمروقُ والمعاندة لصاحبهم وتصيير الحرّ مساوياً لهم بالعبودية.
وأما الذين يعتقدون أن الروح إلهٌ فأولئك إلهيّون وفي أذهانهم بهيون. وأما الذين سمونهُ بذلك فإن سموَّهُ كذوي طاعةٍ ومحافظةٍ فهم رفيعون. وأن سموَّهُ كمنخفضين فليسوا مدبّرين إذ ايتمنوا طيناً على جوهرة وسمعاً فاسداً على صوت رعد وألحاظاً ضعيفة على النظر الى الشمس. ومَن كان بعدُ يرضع لبناً على الطعام الصلب. وقد كان من الواجب أن يستجروهم الى قدام رويداً رويداً ويهبوا لهم الضوءَ بالضوءِ ويفيدوهم الحقَّ بحقٍّ.
إلا أننا نترك الكلام الكامل الآن في ذلك إذ كان ليس هذا وقتهُ ونخاطبهم هكذا يا قوم أن كان عندكم أن الروح القدس ليس إلاّ مخلوقاً. وليس إلا تحت زمان فهذا بلا محالة فعل الروح النجس. فسلموا للغيرة أن تجري أن تجري قليلاً وإن كنتم قد وصلتم الى هذا المقدار من الصحة والسلامة حتى تحيدوا عن الكفر المبين فتجعلوا من يجعلكم أحراراً من العبودية برياً فانظروا فيما يتلو ذلك مع الروح ومعنا. لأنني أثق بأن معكم شيئاً منهُ فأخالطكم حينئذٍ في النظر كما يخالط الأخصون. أو سلموا إليَّ شيئاً يتوسط فيما بين الملك والعبودية حتى أضع هناك رتبة الروح. وإن هربتم من العبودية فلا يخفى أين ترتبون المطلوب أفأنتم لمن يصعب عليه الحروف ويتعثر باللفظ وذلك لكم حجر عثرة وصخرة شكٍّ لأن المسيح قد صار كذلك لقومٍ. إن ذلك لألمٍ بشري. فسبيلنا أن نوافق بعضنا بعضاً بالروح ونكون ذوي محبة للأخوة أكثر من الودّ لذواتنا. وسلموا قوة اللاهوت حتى يسلم إليكم الصفح عن الاسم. واعترفوا بطبيعتهِ بألفاظٍ أخرى وإن وجب أن تكونوا منها خجلين ونحن أذ ذاك نطببكم كما نؤاسي أي نكبب المرضى. متحياين في شيءٍ نسرفهُ لكم مما تكونون به متلذذين. فقبيح قبيح وبعيد من القياس جداً أن تكونوا في النفوس معافَيْن وفي الكلام وتضايقين كأننا نستر كنزاً لغيرنا حاسدين. أو تجزعوا من أن تقدسوا اللسان فرقين. وأقبح من ذلك ان يدخل علينا ما نشكوهُ ونكون على البخل بالكلام لا يمين فنتضايق نحن ايضاً في الحروف. فاعترفوا يا قوم أن الثالوث من لاهوت واحدٍ وإن شئتم من طبيعة واحدة فنطلب نحن لكم الاسم الذي هو الإله من الروح إذ كنت أعلم حسناً أن الذي أعطي الأول سوف يعطي الثاني لا سيما إن كانت المعاندة جناية روحية ولم تكن دفعاً شيطانياً.
وأنا أقول ما هو أبيَن من هذا وأوجز لا تلومونا نحن في اللفظة العالية فليس حسداً من أجل استعلاءٍ الى ما هذه صورتهُ فلا نشكو نحن منكم أيضاً اللفظة التي لم تصلوا الى سواها ما دمتم صائرين الى هذا المعنى بطريق أخرى إذ كنا لا نطلب أن نغلب بل أن نحتضن أخوة نحن منزعجون لفراقهم.
فهذا قولنا لمن نجد عندهُ شيئاً من آلة الحياة وهم معشرة الاصحاء في امر الإبن الذين نحن من سيرتهم متعجبون إلا أننا لسنا لرأيهم حامدين. فيا من عندهم أسباب الروح اتخذوا الروح لكيلا تجاهدوا فقط بل يكون ذلك على موجب الناموس الذي منهُ الإكليل يا ليت هذا يكون لكم ثواباً عن سيرتكم أن تقرُّوا بالروح اقراراً كاملاً وتنشروا ذكرهُ معنا وقبلنا بمقدار ما هو أهلهُ فإني أجسر من أجلكم على ما هو أكثر من هذا وذاك أن أقول كما قال السليح هذا مقدار محاماني عنكم ومقدار استحيائي من لباسكم الحسن زيُّهُ ومن لونكم المنبيء بنسككم ومن مجامعكم الطاهرة والبتولية اللطيفة النقية التي فيكم والصلاة الليل أجمع. ومحبة الفقراءِ وودِّ الأخوة ومقة. الضيافة حتى أني أرضي أن أكون عن المسيح في ناحيةٍ وأن يلحقني شيءٌ مما يلحق الذي قد وجب عليهِ الحكم إذا أنتم وقفتم معنا ومجدنا الثالوث معاً.
وأما غيركم فماذا ينبغي أن أقول فيهم وقد ماتوا بالكلية وليس لاحدٍ غير المسيح أن يقيمهم إذ كان هو المحيي الأموات بقدرتهِ وهم المنفصلون بالموضع انفصالاً ردياً وإن كانوا بالقول معافين فهم بهذا المقدار في مخالفة بعضهم لبعضٍ بمقدار مقلتين منقلبتين شاخصتين الى شيء واحد فهما من حيث وضعهما لا من حيث الناظر بل مختلفتان هذا متى وجب أن نشكو منهم الإعوجاج ولم يكن العمى هو الشكوى منهما. والآن فإذا كنا قد أتينا بمقدار القصد فيما بيننا وبينكم فهات نعود الى الروح وأظن أنكم تتبعونني.
إن الروح القدس كان وهو كذلك الآن ولا يزال لا بداءة له ولا نهاية ولكنه منتظم ومتصل ومعدودٌ مع الآب والابن أبداً لأنه ما حسن قط أن يخلو الآب من الابن ولا الابن من الروح وإلا لو كان ذلك لكان اللاهوت عادماً للمجد في أكثر الأشياء. كأنه صار الى تمام كمال على تدرّج من رأي الى رأي. إلا أن الروح لم يزل ينال منه ولا يحتاج الى النوال. يتمّم ولا يتمَّم يكمّل ولا يكمَّل. يقدّس ولا يقدَّس. يؤلّه ولا يؤلَّه. وهو شيءٌ واحدٌ في ذاته موافق لها دائماً ولمن هو مرتَّب نعها. لا يبصَر ولا يحويه زمان ولا يسعهُ مكان لا يستحيل. ولا يشوبهُ كيفية ولا كمية ولا صورة ولا لمسٌ هو متحرك بذاته. ودائم بذاته. وقدرتهُ كلية. وإن كان الى العلة الأولى منتسباً فكما أن أسباب الابن الوحيد الى الآب راجعة كذلك أسباب الروح أيضاً. فهو حياةٍ ومحيٍ وهو نور ومانح نوراً. هو في ذاته خير ومعدن للخيرات. هو روح مستقيم. رئيس. سيدٌ. مرسَل. مميّز. صانع محلاتٍ لذاته. هادٍ. فاعل كما يشاءُ. موزع المواهب. هو روح النبوة والحقّ والحكمة والفهم والمعرفة والكرامة والرأي والقوة والخوف هذه الاشياء التي هي معدودة. بهِ يعرَف الآب ويمجَّد الابن. ومنهما وحدهما يعلم بهِ فالانتظام واحد. والعبادة واحدة. والسجود واحد والقوة والتمام والتقديس – وما لي أطول – كلما للآب فهو للابن ما خلا أن ذاك غير مولود. وكلما هو للابن فهو للروح ما خلا أن ذاك مولودٌ. وهذه الأشياء فليست بحسب رأيي تميّز جوهراً بل هي تمييز حول الجوهر. فإن كنت تتمخض على المعاندة فإني أنا أتلهف على ارسال الكلام.
فأكرم يوم الروح واضبط لسانك قليلاً إن كان ذلك ممكناً فإن الكلام في ألسنٍ اخرى فاستحي منها أو فخفها فإنها شوهدت كالنار. فسبيلنا اليوم أن نذكر الرأي مطلقاً ثم نصفهُ في غدٍ من حيث الصناعة وأن نعيد اليوم ونشتهر بالقبح في غدٍ. ويكون هذا من معنى السرّ الروحاني وذاك من معنى مشاهد الهزل. ويكون هذا في البيع وذاك في الاسواق. وهذا لمن كان صاحياً وذاك لمن كان سكران. هذا لذي الجدّ وذاك لمن هم في الهزل من قصدهم الروح والآن إذا كنا دفعنا الغريب فهات نصلح القريب.
فهذا الروح لم يزل فعلهُ قديماً في القوات السماوية الملائكية وكل ما كان منها حول الله لأنه لم يكن لها التمام والنور وبعد الخفوف الى الشرّ وعدم الحركة إليهِ بالكلية من جهة أخرى لا من جهة الروح القدس. ثم كانت آثارهُ بعد ذلك في الآباءِ والأنبياءِ. فنهم من تخيل الله أو عرفه. ومنهم من سبق فعرف ما يكون بما نقشه الروح في صفوة عقله فصاروا مشاهدين المستقبل كمشاهدة ما هو حاضر إذ كانت كذلك قوة الروح. ثمَّ ظهر فعله في تلاميذ المسيح وأنا أترك أن أقول في المسيح الذي كان معهُ حاضراً ولم يكن فيهِ كفاعل بل كان كما يكون المشارك في الكرامة موافقاً. وكان اتصالهُ بالتلاميذ من ثلالثة اوجه بمقدار ما كان في طاقتهم أن يسعوهُ في أوقاتٍ ثلاثة منها قبل تمجُّد المسيح بالأمم وبعد تمجيده بالقيامة وبعد ارتقائه وعودته الى السموات. أو غير ذلك مما ينبغي أن يقال. ويدلًُّ على ذلك تطهيرهم في الأول من الأمراض والأرواح. وأن ذلك لم يكن خلواً من الروح. ثم النفخة بعد تمام التدبير ومن البيّن أنها كانت منحة تزيد على غيرها في الإلهية. وبعد ذلك هذا التقسيم وتوزيع الألسن النارية الذي نحن معيّدوهُ اليوم إلا أن الأول كان خفياً والثاني كان أوفر بياناً وهذا أتمُّ. لأنه لم يكن حضوره في العقل والأثر كما كان في القديم بل كان ملابساً ومطابقاً كما قد يكاد الانسان يقول بالجوهرية وقد كان لائقاً لما نجانا الابن بالجسم أن يظهر هذا من معنى جسم ولما عاد المسيح الى ذاته أن ينحدر إلينا ذاك قادماً كربّ مرسلاً كموافق غير مخالف. وهذه الألفاظ تدلُّ على الموافقة أكثر من دلالتها على فصل الطبائع ومن أجل هذا كان ذلك بعد المسيح حتى لا نخلو من معزٍّ. ومن قبيل آخر لتذكر أنت المساواة في الكرامة. لأن الآخر إنما هو آخر هواناً وهذا إنماهو اسم للمشاركة في الملك وليس هو اسماً للهوان لأنه لا يقال آخر على من كانت طبائعه غريبة بل على من كان متفقاً بالجوهر.
أما ظهوره في أَلسنٍ فلوضع اختصاصه بالنطق. وأما كونها نارية فأنا أطلب في ذلك إحدى الخصلتين. إما أن يكون ذلك من أجل الطهارة. لأن القول عندنا قد عُرف ناراً مطهرة بحسب ما يعرف ذلك من يريدهُ من مواضع كثيرة. وإما من أجل الجوهر لأن إلهنا نار ونار مهلكة للفساد وإن كنت أنت تتسخط من حيث يضيق عليك أن يكون في الجوهر مساوياً. وأما أن الألسن كانت منقسمة فذلك كان لاختلاف المواهب. وأما أنها كانت جالسة فلأجل الملوكية والاستقرار في القديسين لأن لله كرسيّاً هو الشاروبيم. وأما نزوله في علية فإن لم يُظَنَّ بي التجاوز عن الواجب فذلك لاستعلاءِ القابلين إياه وارتفاعهم عن الأرضيين لأن هنا علالي مكنوفة بمياه إلهية يسبح الله. ومع ذلك فيسوع نفسه في علية شارك في السرّ الذين كملوا في الرفيعات ليبيّن هذا أنه في بعض المعاني ينبغي أن يتطأطأ الله إلينا بحسب ما عرفت أنه كان في القديم بموسى مصنوعاً وفي معنى آخر سبيلنا نحن أن نرتفع إليهِ ثم يصير هكذا الاتصال فيما بين الله وبين البشريين بامتزاج الرتبتين. ولكن إذ أثبت كل واحد منهما فيما يخصهُ أحدهما في شرفه والآخر في ذلتهِ فالجود حينئذٍ ممسك عن المخالطة في النوال والتفضل على البشر فلا وصول للمشاركة فيهِ. وقد حصل فيما بينهما هوة عظيمة لا سبيل الى عبورها ولا تكون مانعة للغني وحدهُ عن ألعازر وأحضان ابراهيم المأثورة بل تمنع الطبيعة الكائنة الزائلة عن غير الكائنة الثابتة. وهذا الروح قد أنذر بهِ الأنبياءُ حسب ما قيل “روح الربّ عليَّ الذي بهِ مسحني”. وسوف يستقرُّ عليهِ سبعة ارواح. وانحدر روح الربّ فهداهم وأرشدهم. وروح علم أفعم بصلئيل رئيس صنَّاع قبَّة الزمان. وروح جديد رفع إيلياس على عجلة. وطلبهُ أليشع مضاعفاً. وداود اعتضد واهتدى بروحٍ صالح رئاسي وهذا الروح وعد بهِ في الأول على لسان يوئيل النبي في قولهِ: سيكون في الايام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل جسدٍ أي جسدٍِ مؤمن وعلى بنيكم وبناتكم. وما الخ. ووعد به أيضاً يسوع المسيح بعد ذلك لما مجَّد ومُجّد اي مجَّد الآب وجَّدهُ الآب وأما الميعاد فعمرٌ جزيل وهوأن يدوم الى الدهر ويثبت. أي مع المستحقين له الآن على ممرّ الأوقات. وفي الآخرة مع مَن يستأهله هناك. إذا نحن حفظناهُ في سيرتنا كاملاً وام نطرحهُ بمقدار خطايانا. هذا الروح خلق الخليقة والقيامة مع الابن ويحقق ذلك عندك قوله بكلمة الرب تشددت السموات وبروح فيهِ كل قواتها. وقوله روح الإله صنعني ونسمة ضابط الكل هي التي تعملني وقولهُ في موضع آخر ترسل روحك فيخلقون وتجدّد وجه الأرض. وهو الذي يصنع الميلاد الثاني الذي هو روحاني. ويحقق ذلك عندك قولهُ: إنهُ لا يمكن أحد أن يرى ملكوت السموات أو يصل إليها إذا لم يولد من فوق بالروح. وإن لم يتطهر من المولود الأول الذي هو سرٌّ من أسرار الليل بخلقة نهارية مضيئة يخلقها كل أحدٍ في ذاته. هذا الروح حكيم جدّاً يحبُّ البشر حبّاً شديداً فإن أخذ شاباً من الرعاة جعله مظفراً بالغرباء ولك شهادة على هذا ظفر داود بجليات وجعلهُ طارداً الأرواح النجسة بالحانهِ وترنمهِ وأشهرهُ على اسرائيل ملكاً وإن أخذ راعي غنم مقلَّماً ثوبهُ جعلهُ نبيّاً فاذكر في ذلك داود وعاموص وموسى كليم الله. وإن أخذ غلاماً ذكياًّ جعلهُ مع صغر سنهِ قاضياً على الشيوخ ويشهد بذلك دانيال الذي غلب الاسد في الجبّ. وإن مجد صيّادين صادهم المسيح ليتصيدوا العالم بشصّ كلامهم وخذ لي في هذا بطرس وأندريا وبني الرعد الذين أرعدوا الروحانيات. وإن كانوا عشَّارين فهو يربح منهم التلمذة ويصنعهم تجاراً ليسافرون بالأرواح والقائل ذلك متى الذي أمس عشّاراًَ وصار اليوم بشيراً وإن كانوا مضطهدين ملتهبين أَحال غيرتهم وجعلهم كبولس بدلاً من شاول وبلغوا في حسن العبادة ما بلغوهُ في الشرّ وهذا الروح هو روح دعةٍ إلا أنه يحتدُّ على الخطأة فسبيلنا أن نباشرهُ وديعاً لا غضوباً باعترافنا بما هو أهلهُ ونفورنا من مسبَّتهِ ولا نؤثر أن نراهُ ساخطاً سخطاً لا غفران لهُ. وهذا الروح هو الذي جعلني لكم اليوم نذيراً جرياً فإن لم ينلني شيءٌ من المكروه فللَّه المنَّة ولإن نالني فالمنَّة أيضاً كذلك. ففي الأول من هذين الإشفاق على مبغضينا. وفي الثاني يقدسنا. ويكون هذا الثواب خدمتنا في بشارتهِ أن نتوفى بدمائنا.
وأما أن كلامهم كان بألسن غريبة ليست ألسن آبائهم فإن ذلك لعجب عظيم كلامٌ نطق ممن لم يكن قد تعلَّمهُ والآية في هذا للكفار وليست للمؤمنين لتكون خصماً لمن لا إيمان له. وقد كُتِب في ذلك “أني سأخاطب هذا الشعب بشفاهٍ أخرى وألسنٍ غير هذه ولا هكذا يسمعون قال الرب”.
وأما في القول عنهم أنهم سمعوا فأمسك ههنا قليلاً واشكك وانظر كيف نميز القول. فإن في اللفظة شكّاً بيانهُ في الوقوف على هذه النقطة. هل سمع كل واحدٍ كلاماً بلغتهِ كأن الصوت كان في انطلاقهِ واحداً ثم سُمع أصواتاً كثيرة من جهة انفصالهِ في طنين الهواء. وإن زدت كلامي بياناً قلتُ كأن الصوت صار أصواتاً. أو سبيلنا أن نقول سمعوا ونقف ثم أنهم كانوا يتكلمون بلغاتهم ونضمُّ اللغات الى ما يتلو حتى يكون كلامهم بلغات السامعين التي هي غريبة عند الناطقين فهذا هو رأيي لأن العجيبة إذا كان الأول تكون من السامعين أكثر منها من الناطقين. وأما كونها هكذا على المعنى الثاني قتكون من الناطقين الذين نُسِبوا الى السكر عندما صنعوا هذه العجيبة بالروح في اللغات. إلا أن تشتُّت اللغات في القديم كان ممدوحاً عندما بنى البرج الذين كان اتفاق لغاتهم من الرداءّة صادراً والى الكفر مؤدياً كما يتجاسر البعض في هذا الوقت. إلا أن اتفاق رأي أولئك القدماءَ لما انحلَّ باختلاف لغاتهم انحلَّ مع ذلك مرامهم. وأما العجيبة التي كانت الآن في انقسام هذه الألسن فهي أشدُّ عجباً وبحسب ذلك وصفها ونعتها: فأولاً لأنها نعمة انصبَّت من روحٍ واحدٍ الى جماعة ثمَّ اجتمعت الى نظامٍ واحدٍ وصار الفرق في المواهب محتاجاً الى موهبة أُخرى في تمييز الأفضل وإلاّ فكلّها لا تحلو من شيء ممدوح. وهذا الانقسام أيضاّ جيّدٌ وهو الذي ذكرهُ داود في قولهِ: “غرّق يا ربّ وفرّق ألسنتهم” لماذا؟ لأنهم أحبوا كلام التغريق كلهُ وألسناً مغتالة كانت دغلة إنما كان الألسن التي ههنا ظاهراً وهي التي تبترُ اللاهوت. هذا من الكلام فلينتهِ الى ههنا مقدارهُ.
إلا أن الألسن لما كان خطابها لسكان أورشليم من أتقياءِ اليهود من الفرس وأهل خراسان والعجم والديلم وأهل الأهواز والأقباط والإفريقيين والإقريطشيين والعرب وأهل الجزيرة وأهلي أنا الكبادوكيين ومن كان من كلّ أمّة تحت السماءِ قد اجتمع هناك من اليهود بحسب ما يفهمهُ الإنسان. فمن الواجب أن ننظر مَنْ كان هؤلاءِ؟ ومن أيّ سبيٍ اجتمعوا لأن النقلة الى مصر والى بابل قد كانتا محدودتين ثمَّ انحلَّتا بالعودة. وأما نقلتهم وتشتيتهم من قبل الروم فلم يكن تمَّ بعدُ بل كان عتيداً أن يقد عقوبةً على ما جسروا عليهِ ضدَّ المخلّص. بقي الآن أن نتوهم أن ذلك من سبي أنتيوخس الذي لم يكن بعيد القدمة من هذه الأوقات. فإن كان أحد لا يقبل هذا الشرح وكان فيهِ فضلٌ في البحث من حيث الاحتجاج بأن السبي لا يكن عتيقاً ولم ينبسط في جميع المسكونة وطلب هذا الانسان ما هو أقنع مما ذكرناهُ فيجوز أن نرى ما هو أكثر بياناً من هذا. إن هذه الأمة قد جُلِبت دفعاتٍ وسباها جماعة بحسب ما ذكرهُ عزرا الكاتب فعاد عدة أسباط وتأخَّر منها جماعة تفرقوا في أممٍ شتى فجاز أن يكون قد حضر جماعة منهم في ذلك الوقت فوصلوا الى هذه العجيبة. وقد فحص عن هذا محبُّو العلم فحصاً لعلَّهُ لا يُنسَب الى زيادة على ما يحتاج إليهِ. ومهما أحضرهُ غيرنا لهذا اليوم فهو مشارك لنا فيما أحضرناهُ.
والآن قد حان لنا أن نطلق هذا الجمع إذ كان فيما قلناهُ كفاية. وأما الموسم فلا نسرحهُ ابداً بل سبيلنا أن نعيّد دائماً أمّا الآن فأعياداً بعضها جسمانية وأما بعد قليل فكلها روحانية بحيث نعرف أحوال هذه الأشياء معرفة جلية بيّنة بالكلمة نفسهِ الذي هو الهنا وربنا يسوع المسيح الذي هو العيد الصادق والفرح الأهل الخلاص المجدُ والعزُّ والكرامة للآب الأزلي. معهُ. ومع الروح القدس المحيي دائماً الآن والى الدهر. آمين.