وجوب مطالعة كلام الله
القديس تيخن زادونسكي
“فألمكم أيها الإخوة أن الإنجيل الذي بُشر به على يدي ليس هو بمقتضى إنسان لأني ما قبلته من إنسان ولا تعلمته منه وإنما هو بمكاشفة يسوع المسيح” (غلاطية1: 11). إن الكتاب المقدس هو رسالة الملك السماوي إلى رعيته، أي إلى الأرضيين. إن قوة الوحي الالهي عجيبة جداًً لانتشاره في أنحاء المسكونة كلها خلال مدة قصيرة من الزمن، بواسطة عدد قليل من الناس البسطاء، وإتيانه بثمر عظيم، بارتداد الوثنيين الاصليين إلى المسيح المصلوب. لذلك، يجب علينا نحن المسيحيين أن نحترم كلمة الله كهبة سماوية، وأن نسدي إليه تعالى شكرنا على هذه الهبة الجليلة، عاملين بمقتضى وصاياه، ليل نهار.
إنه لعقوق جاهل، لذلك الذي لا يقرأ الكتاب المقدس الالهي، ولا يسمعه، محتجّاً بأن ليس له وقت لمطالعته. مع أن وقته موفور لمطالعة الكتب الفكاهية وتتبع الأخبار عمّا يجري في أنحاء العالم. فماذا يحلّ بأمثال هذا، وإلى أين يكون مصيرهم؟ إلى الأبدية أم إلى العذاب الدائم ؟
يجب علينا أن نؤمن بكلمة الله لأنها تكشف لنا الغامض فيبدو كأننا نراه بأم العين بل قد تخدعنا الحواس، وأمّا كلام الله فثابت أكيد. فما قاله السيد ثابت لا ريب فيه، وما قاله الضابط الكل لا بدّ أن يصير. ستتمّ قيامة الموتى في وقتها المحدود، وسيكون مجيء المسيح الثاني في الزمن المعين. وحينئذ تعطى الجوائز للأبرار والعقاب للأشرار. لقد حصل الأجداد والبطاركة القدامى على الخلاص من دون الكتاب المقدس، لأن صوت الله الحي علمّهم وأرشدّهم وعزَّاهم كما نقرأ في سفر التكوين. فلا يجوز لنا أن ننتظر هذا الصوت الآن بل ينبعي أن نفتش عن الإرشاد في الكلمة المقدسة المكتوبة. فتّشوا الكتب تجدوا كلام الله مصباحاً لأرجلنا، ونوراً لأعيننا، كما يقول النبي داود. وعليه يجدر بالمسيحيين المتحلّين بالإيمان الحي، أن يقرؤوا ويسمعوا الكلام المقدس بانتباه. فكما أن النور الظاهر ضروري للسائرين في الطريق، وللذين يقومون بعمل ما، كذلك كلام الله المنير ضروري للسالكين في طريق الحياة الأبدية. وكما نشدد الجسد بالغذاء حتى لا يضعف ويهلك، هكذا نحن بحاجة إلى الغذاء الروحي يومياً – أي كلام الله – لنتقوّى ونتشدّد. الإنسان أعمى بحد ذاته، يحتاج إلى التنوير، إنه ضعيف يفتقر إلى المساعدة، ومتوانٍ يلزمه التنشيط. وهذا كله يستمد من كلام الله.
وعليه “ليست الطوبى لمن يسمع كلام الله فحسب بل الطوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها حسب كلام المعلم السماوي نفسه” ( لوقا11: 28) ولذلك وجب علينا أن نجتهد حتى نحفظ ما نسمعه بمعونة الله الذي أعطانا كلمته، لا لتبقى على الورق كخطوط بلا فائدة بل لتعطي ثمراً في قلوبنا. إننا لا نستفيد من الحبّة المزروعة إذا لم تعطِ ثمراً، ولا ننتفع من كلمة الله إذا لم تثمر في قلوبنا. إن المرسوم الملكي يعمَّم على الرعية لتعرف ما يجب عليها وتتمّم إرادة ملكها، هكذا تُنشر كلمة الله حتى تتفق حياة المسيحي مع وصايا الله المقدسة. فعلى كلِّ من أراد أن يقرأ ويسمع كلام الله أن يلاحظ ما يأتي: بما إن الكتاب المقدس كنز الهي ثمين فمن الواجب ان يُقرأ ويُسمع بتقوى ونشاط، وإذا كنّا نسمع بانتباه كلام الملك الارضي أو رجل عظيم، ألا يجدر بنا أن نضاعف الانتباه لاستماع كلام ملك الملوك وسيد الأسياد؟ إن الاستماع إلى كلام الله وقراءته واجبة علينا ليس لنصير حكماء بل لنعرف المسيح الإله، ومشيئته المقدسة التي بواسطتها نحصل على الخلاص الأبدي. إن المصباح لا يُضاء بلا زيت، كذلك الإيمان إذا خلا من كلام الله؛ لكن إذا صُبّ الزيت في المصباح لا ينطفئ. وهكذا يجب أن يشتعل الإيمان بواسطة كلام الله حتى لا نُحرَم من النور الحقيقي. إن العقل يعمى إذا لم بنوّر بالنور الإلهي، والإرادة شريرة بدون نعمة السيد، والرغبة ضعيفة من دون مساعدة السماء. فيجب علينا أن نبتدىء بقراءة الكلام المقدس أو استماعه بصلاة حارة، ولنصلِّ إلى حكمة المعلم، وإلى العقل المعطي حتى ينير عقولنا ويصلح إرادتنا ويساعد رغائبنا. وعندما ننتهي من قراءة أو سماع الكلام المقدس يجب علينا ان نشكر الآب السماوي الرحيم لأنه تنازل وأعطانا نحن الكائنين في الظلمة مصباحاً لينير أفكارنا.
لنواظب، أيها الأحباء، على قراءة وسماع كلام الله حتى نستحقّ الخيرات الأبدية بنعمة سيدنا يسوع المسيح ومحبته للبشر الذي له مع الآب الأزلي والروح القدس الشرف والمجد والشكر والسجود من الآن وإلى دهر الداهرين آمين.