مدخل إلى كتاب المزامير

مدخل إلى كتاب المزامير

المقدمة

لأبينا الجليل في القديسين أثناسيوس الكبير

باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد

+ فردوس المزامير

نعم إنَّ كلَّ مُلهج به من الله نافعٌ للتعليم كما قالَ بولسُ الرسولِ، ولكن على الخصوص كتاب المزاميرِ الشريفِ، لأنَّ كلَّ مصحفٍ تفرَّدَ بأمر ٍ يختصُّ به في عهده. أعني بقولي أنَّ التوراة قد تَفَرَّدَتْ بتكوينِ ِ العالم ِ وأعمال رؤساء الآباء وخروج بني اسرائيل من مصر وفرض الشريعة وترتيبِ المظلَّةِ والكهنوت.ثلاثة كُتُب منها تحتوي على قسم الميراثِ وأعمالِ القضاة ونسبةِ داوود، والكُتُب الباقية تحتوي على أعمالِِ الملوك وكتاب عزرا الذي يخبّر عن عتاقةِ السبي وإياب الشعب وبناء الهيكل والمدينة. وأمّا الأنبياء فتخبّر عن حضور المخلصِ وتذكّر بالوصايا وتذمّ مخالفيها وتتنبَّأ للأممِ. وأما كتاب المزامير فهو بمنزلةِ كتاب فردوس يحتوي على جميعِ ما في الكُتُبِ مُرَتلاً ويُنشد ظاهراً ما يختص بها.

+ التوراة في المزامير

أما مسائِلُ التكوينِ فيترنّم بها في المزمور الثامن عَشَر بقولِهِ: ” السمَوات تُذيعُ مجدَ الله، والجَلَدُ يُخبّرُ بأعمالِ يديه “. وفي المزمور الثالثِ والعشرين يقولُ: ” للربِّ الأرضُ بكمالها، الدنيا وكُلُّ الساكنينَ فيها. هو على البحار أسَّسها وعلى الأنهار هيأها ” . وأما أخبارُ كتاب الخروج ِ والعددِ وتثنية الإشتراع فقد أحسن ارتجازَهُ في المزمور السابع والسبعين بقولِهِ : ” في خروجِ إسرائيل من مصر، وبيت يعقوب من شعب البربرِ، كانَ يهوذا مقدسة وإسرائيل سلطانة ” . وفي المزمور الماية وألأربعة يقول: ” أرسَلَ موسى عبدّهُ وهارونَ الذي انتخبَهُ لنفسِهِ، جعلَ فيهم كلامَ علاماتِهِ وآياتِهِ في أرض حام ” . ونقول بعامة إنَّ هذا المزمور مع الذي يليه بجملتها يخبّران بهذه القصص. وأما أمور الكهنوت والمِظلّة فيخبِّر بها في المزمور الثامن والعشرين بقولِهِ: ” قَدِموا للرب يا أبناءَ الله، قدِّموا للرب مجداً وكرامةً ” . وأمّا قصَّة يشوع بن نون فيشرحُها في المزمور الماية والستة حيث يقول: ” أقاموا مُدناً للسًكنى، وزرعوا حُقولاً، وغَرسوا كروماً ” . لأنَّ في عهدِ بن نون أُعطِيَت لهُم أرضُ الميعادِ. وفي المزمور عَينِهِ قيل: ” صَرَخوا إلى الربِّ في حُزنهم ومن شدائدهم خلَّصهُم ” . وهذا أورده أيضاً كتابُ القضاةِ أنَّ وقتَ صراخهم كانَ يقيمُ لهم قضاة بحسب الزمانِ ويخلّصهم من محزنيهم.

+ أخبار الملوك

أما أخبار الملوكِ فينشدها في المزمور التاسع عَشَر قائلاً: هؤلاء بالمراكب وهؤلاء بالخيل ” . وقصّة عزرا يرتّلها المزمور الماية والخمسة والعشرون من مزامير الدرجات قائلاً : ” اذا ما ردَّ الربُّ سبيَ صهيون مثل المتعزّين “. وأيضاً في المزمور الماية والواحد والعشرين يقول: ” فَرِحْتُ بالقائِلين لي إلى بيتِ الربِّ نذهب…- وصولاً إلى – شهادة لإسرائيل “.

+ الأنبياء في المزامير

أمَّا أخبار الأنبياء كُلّها التي تشيرُ إلى حضورِ المخلّص إلهاً فيخبّر عنها المزمور التاسع وألأربعون بقوله: ” هكذا الله يأتي جهراً. الهنا لا يصمت”. وفي المزمور الماية والسابع عَشَر يقول: ” مبارك الآتي باسمِ الربّ، باركناكم من بيت الرب. الله الرب ظهر لنا “. وكلمة الآب، من جهة أخرى، يرتلها المزمور الماية والستّة قائلاً : ” أرسَلَ كلمتهُ فشفاهم ونجّاهم من فسادِهِم”، لأن الإله الاتي هو نفسُهُ الكلمة المرسَل. فلعلمه بالكلمة انَّهُ ابن الله رتَّل، كمن صوتِ الله الآب، في المزمور الرابع وألأربعين قائلاً: ” فاضَ قلبي كلمةً صالحةً “، وأيضاً في المزمور الماية والتسعة: “من البطنِ قبل كوكبِ الصبحِ ولدتك”. لأنه أي شيء آخر يقال عن مولود الله سوى كونه كلمتَه وحكمتَه. واذا كان صاحب المزامير يعلم أن الآب هو القائل: “ليكن نور فكان” ليكن نور فكان “أشهره في الكتاب بقوله: ” بكلمةِ الربِّ تشدّدتِ السموات وبروح فمه جميع قواتها”. كذلك لم يغب عنه أنَّ الكلمة سيأتي مسيحاً، لأجل ذلك قال في المزمور الرابع وألأربعين: “كرسيك يا الله إلى أبد الأبد … أفضل من شركائك”. ولئلا يظنّ أحد ٌ أنَّهُ يأتي تخيّلاً يُعلنُ أنَّهُ يصير إنساناً الذي به كل شيء قد كُوّن، فيقول في المزمور السادس والثمانين: ” الأمّ صهيون تقول انسان وانسان ولد فيها وهو العليّ الذي اسَّسها”. فهذا القول يساوي قولنا: “والله هو الكلمة كلّ به كان”. وأما عن ولادته من البتول فقد علَّمَ به وما سَكَتَ عنه بل أوضَحهُ في المزمور الرابع والأربعين قائلاً: “اسمعي يا ابنة وانظري…لأَنَّهُ هو ربُّكِ وله تسجدين” وهذا يماثل ما قيل من قِبَل جبرائيل: ” إفرحي يا ممتلئة نعمة. الربُّ معكِ”. لأنه لما قالَهُ مسيحاُ للوقت أوضَحَ اتلادّهُ البشري من البتول منادياً: إسمعي يا ابنة”. فأما جبرائيل فيدعوها مريم باسمها لأنه غريب عنها بحسب النسب، واما داود فيدعوها بايجابٍ إبنة لأنها من نسلِهِ. وبعدما قالَ عن الكلمة إنه يكون إنساناً أوضَحَ أنَّه يقبل الالآم بجسده أيضاً. واذ لاحَظَ التسليم المزمع أن يكون من اليهود رتَّلَ في المزمور الثاني قائلاً: ” لماذا ارتّجت الأمَمُ والشعوبُ هذَّت بالباطلِ…على مسيحِهِ”. وأمّا عن موتِهِ  فيخبر في المزمور الحادي والعشرين كمن فم المخلص بالذات: “والى تُرابِ الموتِ أحدرتني…وعلى لباسي اقترعوا”. أما قوله: ” ثقبوا يديَّ ورجليَّ” فأي شيء يعني سوى صلبِِهِ؟ وفيما يعلّم بهذه كُلّها يضيف إلى تعليمِهِ أنَّ ربَّنا قد كابَدََ هذه الآلام لا من أجل ذاتِهِ بل من أجلنا نحن البشر. ويقول على لسانه في المزمور السابع والثمانين: ” عليَّ اشتدَّ غضبكَ وجميع أهوالك جازَت عَليَّ “، وفي المزمور الثامن والستين: ” كنتُ أرد حينئذٍ ما لم آخذ “. فلقد قَبِلَ الموتَ لا مستوجباً لهُ بل من أجلنا، وقد أخذ على عاتِقِهِ السخط الواجب عَلَينا بسبب المعصية. وفي المزمور الماية والسابع والثلاثين يقول بالنيابة عنّا: ” الربُّ يكافئ عنّي “، وفي المزمور الحادي والسبعين: ” يقضي لمساكين ِ الشعبِ ويخلّص بني البائسين ويُذِلُّ الباغي لأنه نجّى المسكين من يدِ القوي والفقير الذي لم يوجد له معين”.

وأيضاً سَبَقَ وخَبَّرَ عن صعودِهِ إلى السموات بالجسَدِ في المزمور الثالثِوالعشرين بقولِهِ: ” ارفعوا أيُّها الرؤساءُ أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهريّة ليدخل ملك المجد” وفي السادس وألأربعين يقول: ” صَعِدَ الله بتهليلٍ الربُّ بصوتِ البوق”. وأما في المزمور الماية والتاسع فيخبر بجلوسِهِ عن يمينِ الآبِ بقولِهِ: ” قال الربُ لربّي اجلس عن يميني حتّى أضعَ أعداءك موطئاً لقدميك”، فيما يشير في المزمور التاسع إلى هلاك الشيطان هاتفاً: ” جَلَستَ على المنبرِ يا ديّان العدلِ. انتهرتَ الأمم وهلك المنافق “. حتى عن أخذ الكلمة الحكُمَ كُلَّهُ من الآبِ لم يخفه داود بل أخبر به قائلاً إنهُ يأتي ليدين الكل. وكذلك في المزمور الحادي والسبعين: ” اللهُمَّ أعطِ حكمك للملك وعدلك لابنِ الملك لشعبك بالعدلِ ولفقرائك بالانصاف “. وفي المزمور التاسع وألأربعين يقول: ” يدعو السماء من فوق وألأرض لمحاكمة شعيهِ وتخبّر السموات بعدلِهِ لأن الله هو الديّان ” . أمّا في المزمور الحادي والثمانين فيقول: ” الله قام في مجمع الآلهة وفي وسط الآلهة يحكم “. أيضاً دعوته الأمم يعبّر عنها في هذا الكتاب في مواضع كثيرة لا سيّما المزمور السادس وألأربعين حيث يقول: ” يا جميع الأمم صفقوا بألأيادي، هللوا لله بصوتِ الإبتهاج”، وفي المزمور الحادي والسبعين حيث أورد أنَّ: ” أمَامَهُ تجثو الحبشة…”

+ كثافة الروح في المزامير:

كل هذه ترتّل في المزامير، وفي الكتب الأخرى سبق إلإخبار بها، وليس غائباً عني(1)  أنّهُ في كُل من الكتب يشعر المرء أن ما قيل يختص بالمخلص، وما هو مشترك فيها مَرَدُّهُ اتفاق الروح الواحد. فموسى وإشعياء قد حرَّرا ترنّما، وصلاة حبقوق كانت بالترنّم أيضاً، وفي كُلّ كتابٍ نرى نبؤاتٍ وشرائعَ وقصصاً لكون الروح نفسه حالاًّ على الجميع موزَّعاً على كُلِّ واحدٍ خدمة للمواهبة المعطاة له وإكملاً لها، نبوءة كانت أو اشتراعاً او قصةً أو ذكْراً أو موهبة ترنّم. ولكن حيث إنَّ الروح الموزّع هو واحدٌ، فلا انقسام فيه لأنّه كائن بجملتِهِ في ذاته، وأمّا بحسب الذهن فتصير الأقسام لكلِّ واحدٍ على قدر الحاجة الحاضرة. على هذا نرى موسى، واضعَ الشريعة وقتاً ما، متنبئاً ومرتلاً، وألأنبياءَ المفروضة عليهم النبوءة نراهم أحياناً يوصون وصايا كمثل موسى: “اغتسلوا وصيروا أنقياء طاهرين”، أو يسردون قصصاً كما دانيال في خبر “سوسانة” واشعياء في خبر  “ربصاكي” وحكاية “سنحاريب”. الأمر نفسه نلقاه في كتاب المزامير فانه يبدأ بالترنيم ثم يشرع بالقول أنْ: “كفَّ عن الرجزِ وارفُضِِِ ِ الغضب. حِدْ عن الشّرِ واصنع الخير.أُطلب السلامة واسعَ في ابتغائها”. وأحياناً أخرى يقصُّ أخباراً مثل قولِهِ: “في خروج إسرائيلَ من مصر…” وأيضاً سبق فخبَّرَ بحضورِ المخلّص ِ. فمثل هذه الموهبة الروحية المحكي عنها من الكًلّ هي واحدة بحسب الضرورة وارادة الروح، ولا يُجَد خلافٌ في كونها تكثرُ أو تقلُّ بحسب هذه الحاجة. اذ كل أحدٍ يتمّم ما يختصُّ به من الخدمة بلا تهاون ٍ وعلى التمام.

+ فرادة كتاب المزامير:

أما كتاب المزامير فله موهبة ٌ خاصة وملاحظة فريدة، لأنه مع تعلّقِهِِ واشتراكِهِ في ما هو موجود في الكتب الأخرى فقد احتوى أيضاً أمراً مختصاً وبديعاً، وهو امتلاكُه حركات كُلِّ نفس وتغييراتها وتفاعلاتها موسومةً ومطبوعة ً فيه، حَتىّ إن كُلّ مَن يريد أن يقتبس منه يكون لهُ مثل صورةٍ وروايةٍ مقارناً ذاتَه على ما وجد فيه.

في الكتب الأخرى نجد الناموس آمراً ما يجب فعله وناهياً عما لا يجب فعلُهُ، أو نجد نبوءةً تخبّر فقط بمجيء المخلّصِ، أو قصصاً تخبر عنها أعمال الملوك والقديسيين. واما كتاب المزامير، فانَّ سامعه يُخبِّر بما سبق زكُتب ويكتشف حركات نفسِهِ ليتعلّمها. وعندما يكون أحد الناس في ضيق ما فبامكانه ان يختار من هذه الاقوال ما يطلق حاله ويداويه بما يليق به من القول والفعل ويتعلّم منها. ولا نغفلَنَّ أنه يوجد في الكتب الأخرى شرائع تمنع الناس عن القبائح وتردعهم، لكن هذا الكتاب يدوّن كيف بألإمكان إجتنابها. إن الكتب الأخرى تتضمّن وصيّة التوبة والكفّ عن الخطايا، أما هذا الكتاب فيشرح كيف يجب أن تكون التوبة وكيف يُعبرعنها، فإنَّ سامعه يُخبِّر بما سبق وكُتِبَ ويرتشف حركات نفسه ليتعلمها. يقول بولس الرسول: “إنَّ الحزن يصنع صبراً والصبر اختباراً والاختبار رجاء والرجاء لا يُخزي :. أما كتاب المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وكيف يُجَّرب كُلُّ مخلوق ٍ. كما يورد أقوال المتكلين على الربّ، ويؤكد أنَّ الوصية فرضت علينا الشكر على حالٍ، وتعلمنا المزامير ماذا يقول الشاكر كما يورد عند آخرين: ” انَّ الذين يريدون أن يعيشوا بحسب الايمان ِ بالمسيح ِ سيطردون”. لكن نقرأ في المزامير ما رأي المطرودين وماذا يقولون لله بعد طَردهم. كما ورد في الوصية أيضاً أنه علينا أن نبارك الرب ونعترف له، لكن المزامير تصوّر لنا كيف نسَبحُ الله، وبأيَّةِ أقوالِ نعترفُ له. لذلك يمكن لكل انسان أن يجد، أن التسابيح قد وُضِعتْ لنا لنحَياها. أيضاً ، في المزامير أمر مستغرب أنَّ الأقوال التي يتفوه بها القديسون في الكتب الأخرى، إذا عرفها السامعون يُسّون أنَّ المكتوبَ عنهم هم أناسٌ آخرون وليس هم ذاتهم. لكن الذي يتلو كتاب المزامير فيتعاطاه بمثابة قول شريف يتخشع له وكأنه معنيٌّ به شخصيّاً، ويَقيس نفسه على أقوال التسابيح وكأنها خاصة به. فلا نكسلن، ابتغاء للايضاح، أن نعود فنقول نظير المغبوط بولس الرسول إن ثمة كلمات كثيرة هي خاصة برؤساء الآباء، وهم تلفظوا بها. فموسى هو الذي كان يتكلّم والله يُجيبُ. والنبي ايليا وأليشع بجلوسهما على جبل الكرمل، كانا يستدعيان الربّ ويقولان: ” حيٌّ هو الربُّ الذي أقمنا اليومَ لديه”. كذلك سائر أقوال الأنبياء القديسين الآخرين التي كان البعض منها مقولا ً عن المخلص. وبعدها وردت كلمات كثيرة عن الأمم واسرائيل. لكن لا احد قط ادعى أنها خاصة به، حتّى ولا أقوال رؤساء الآباء. ولا يتجاسر أحد ان يقول متباهيا ً بأن أقوال موسى هي عنه هو، ولا الذي تكلمّ به ابراهيم عن ضرورية فلا يتجاسر أن يتكلّم بها كخاصةٍ لهُ، ولو ساوى أحدٌ النبيين في الولوع والشوق إلى الأفضل، لا يمكنه ان يقول كما قال موسى: ” أظهر لي ذاتك” ولا ينتحل أقوال الأنبياء ويجعلها كأقوال خاصةٍ به في مدح أو ذمِّ أحدٍ من الناس قائلا ً مثلها لمن مَدَحوا أو ذمّوا. ولا يتجاسر أحدٌ أن يقول مناضلا ً كمن ذاتِهِ: “حيٌّ هو الربُّ الذي مثلتُ بحضرتِهِ أنا اليوم”، لأن الامر واضحٌ أنَّ مقتبل الكتب لا يتخذ الأقوال كأنها لذاتِهِ بل كأقوال القديسين وأقوال الذين يعبّر عنهم. واما الذي يتلو المزامير فيحدث له غير ذلك، لأن كل ما قيل في المخلص وفي الامم يتكلم به المرء كأقوالِ نفسِهِ ويرتِلها وكأنها محَّرَرةً من أجلِهِ ولا يتعاطاها وكأنها معبرة عن شخص آخر ولا محرّرة من قِبَلِ غيره، ولكنه ينظر إلى الكتكلم بها كعن ذاته وكأنه هو العامل ما قد قيل فيها، ويقربها إلى اله ناطقاً بها من نفسه هو غير عازل نفسه عنها من حيث هي أقوال رؤساء القبائل وموسى وألأنبياء. والسبب هو أن الذي يحفظ الوصية أو يخالفها، كلاهما مشمول بالمزامير.وهذا شيء لازم وضروري أن ينحو كل انسان بهذين الأمرين فيتلو الأقوال المكتوبة بشأن كليهما معاً إما كحافظ الوصية أو كمخالفها. وفي ظني أنها تكون لمرتّلها بمنزلة مرآة يرى فيها حركات نفسه ويحسُّ بها، فان إقتبلها فهو يتوبّخ من ضميره ويتخشّع بتوبة، أو يبتهج لسماعه بالرجاء إلى الله ويشكر على المساعدة التي تصير منه للمؤمنين. هكذا عندما ينشد المزمور الثالث ويرى أحزان ذاتِهِ، يستخص ما فيه من الأقوال. وكذلك في المزمور العاشر مع السادس عَشَر فكأنه يخبّر عن اتكاله على الله وصلاته إليه. وإن رنّم المزمور الخمسين فكانه هو القائل أقوال التوبة. ومتى رتَّل المزمور الثالث والخمسين، والسادس والخمسين، والماية والحادي وألأربعين، يظن نفسه أنّه هو المطرود والمتأذّي وليس غيره، كما يرتّل هذه الأقوال إلى الله وكأنها له هو. وبألإجمال إن كلّ مزمور منبثق من الروح كما ذكرنا، فيه نرى حركات نفوسنا وكأنها أقوالنا تذكراً لما فينا من الحركاتِ وتثقيفاً لسيرتنا. هذه كلها تفوَّه بها المرتلون ولعلها لنا رسمٌ ومثال. هذه هي نعمة المخلّص الذي صار إنساناً من أجلنا قرَّبَ جسدّهُ للموت فداءً لنا. أمّا تصرّفه السماوي وألأرضي فقد رَسَمهُ في ذاتِهِ ليكون للمؤمنيننموذجاً للغلبة على المحال، فلا ينخدع أحدٌ من شر العدوِّ. من أجل ذلك بما أنَّ السيدَ علّم لا بالقولِ بل بالعمل ِأيضا ً، فليسمع منه كلُّ واحد وينظر اليه كإلى صورة ويتخذه قدوة في العمل لأنه قال: “تعلّموا مني فاني وديعٌ ومتواضعُ القلب”. هذا ولا يمكن لأحد من الناس أن يجد تعليما ً للفضيلة أكملَ من الذي رسَمَهُ ربُّنا في ذاته، سواء بالنسبة لعدم الشرِّ أو محبّة البشر ِ أو الرجوليّة أو الرحمة أو العدالة. كُلُّ هذه يجدها صائرة فيه. ولا ينقص أحداَ شيءٌ من الفضيلة إن اعتبر عيشة ربّنا البشرية التي كان يعلّم بها بولس الرسول فيقول: “صيروا مقتدين بي، كما أنا بالمسيح”. وهذا لم يحدث لحكماء اليونانيينالذين كانت بهجتهم على قدر سلامهم. أما الرب فبما أنَّهُ إلهُ الجميع بالحقيقة والمعتني بما صنع لا يشترع فقط بل يدفع ذاتهُ مثالا ً للذين يريدون أن يعرفوا قدرة العمل، لذا وقبل حضوره بالجسد، جعل هذا الأمر للمرتّلين أنَّهُ كما أظهر في ذاتِهِ رسمَ الانسان السماوي الكامل كذلك يقدر كل من اراد أن يتأمل ويختبر من المزامير حركات وأطباع النفوس، كما يلقى فيه دواءَ كُلّ حركة وتقويمها. وان كانت ثمة حاجة إلى برهان أقوى نقول إن كلّ كتاب الهيّ يعلّم الفضيلة والايمان الحقيقي، فيما يحتوي مصحف المزامير على صورة الاستسارة(1) والنفوس. وكما أنَّ الذي يدخل إلى ملك يتزيّا بصفةٍ وأقوالٍ لئلا يُعَّيرُ بأنه عديمُ الأدبِ اذا تكلم بخلافِ ذلك، كذلك المصحف أيضا. فكلّ من كان ساعياً إلى الفضيلة ومريدا أن يعتبر سيرة المخلّص وتصرّفهُ بالجسدِ يتذكره أولاً بتلاوته شريعة النفس ثم يعمل ويعلّم بمثل هذه الأقوال.

+ كتاب المزامير مصنّفا ً

ليتأمل كلًّ واحدٍ من البشر أولا ً ما هو لهذا المصحف أن بعضا ً من المزامير مقولة على سبيل الحكاية، وبعضها على سبيل النصيحة، وبعضها على سبيل الاعتراف. فالتي على سبيل الحكاية هي العاشر ، والثالث، والاربعون، والثامن والاربعون، والتاسع والاربعون، والخمسون، والسادس والثمانون، والثامن والثمانون، والماية والتسعة، والماية والثالث عَشَرَ، والماية والسادس والعشرون، والماية والسادس والثلاثون. وأمّا التي على سبيل الضراعة فهي المزمور السادس عَشَرَ، والسابع والستون، والتاسع والثمانون، والماية والواحد، والماية والواحد والثلاثون، والماية والواحد وألأربعون. وأمّا التي في سعادةٍ وضراعةٍ وتوسّلٍ فهي الخامس، والسادس، والسابع، والحادي عَشَرَ، والثاني عَشَرَ، والخامس عَشَرَ، والرابع والعشرون، والسابع والعشرون، والثلاثون، والرابع والثلاثون، والسابع والثلاثون، والثاني وألأربعون، والثالث والخمسون، والرابع والخمسون، والخامس والخمسون، والسادس والخمسون، والثامن والخمسون، والستون، والثالث والستون، والثاني والثمانون، والخامس والثمانون، والسابع والثمانون، والماية والسابع والثلاثون، والماية وألأربعون. وأما ذو الاعتراف فهو الخمسون، والستون، وذو التهليل والقيامة فهو الخامس والستون. وهناك مزمور واحد للتهليل وهو التاسع والتسعون. وأما ذو الاعتراف فهو الخمسون، والستون، وذو التهليل والقيامة فهو الخامس والستون. وهناك مزمور واحد للتهليل وهو التاسع والتسعون.

+ المزامير مرآة النفس

إذا كان ترتيب المزامير على هذا النحو، فمن المستطاع للمطّلعين عليها أن يجد كلّ منهم فيها صورة لحركاتِ نفسِهِ وحالِهِ زكُلَّ شيء في مكانه لتعليمهِ. كما ويلقى فيها ما يمكنه أن يقوله ليرضي الله وبأية أقوالٍ يقدر أن يصلح نفسه ويشكر الربّ، خاصة وأنه يتوجب علينا أن نعطي جواباً للديّان لا عن الافعال فقط بل عن كلّ كلمةٍ بّطالةٍ أيضاً. فإن شئْتَ أن تطوّب أحداً يدلُّكَ كتاب المزامير على كيفية التطويب وأي مزمور يكون مناسباً لذلك، هنا عندك المزمور: الأول، والواحد والثلاثون، وألأربعون، والواحد وألأربعون، والماية والثامن عشر، والماية والسابع والعشرون. وإن شئت ثَلْبَ اليهود لاغتيالهم المسيح فلك أن تقول التسْبِِحَة الثانية. وان كنت مطرودا ًمنهم وكَثًرَ محاربوك فإقرأ المزمور الثالث. وان استغثت بالربّ واستجاب لك وأردت أن تشكُرهُ فرتّل المزمور الرابع، والماية والرابع عَشَرَ. وان نظرت أشراراً راموا أن يكمنوا لك فصلِّ صباحاً المزمور الخامس.  وإن أحسست بتهديد الربَّ ورأيت ذاتك مضطرباً فاقرأ المزمور السادس، والسابع والثلاثين. وإن تآمر عليك أُناسٌ كما تآمرَ أشيطوفال على داود وأخبرك أحدٌ بذلك فرتّل المزمور السابع وثق بالله في شأن خلاصك. ومتى رأيت نعمةَ المخلّص شاملة كلَّ صقع ورمت تحية ربك فدونك المزمور الخمسين، والثمانين. وإن شئت أن ترتل تسبحة العصر لتشكر الرب فعليك بالمزمور الخمسين نفسه. ولا تحسبنَّ ذاتك قادراً على تعطيل العدوّ وتخليص الخليقة، فإن علمت بأن هذه من مناقب ابن الله فقل المزمور التاسع. وان سعى أحدٌ إلى إقلاقِكَ فاتكل على الرب ورتِّلْ المزمور العاشر. ومتى عانيت استكبار كثيرين من الناس وإفراط شرّهم وعدم البِرِّ فيهم فالتجئ إلى الربّ وقُل المزمور الحادي عَشَرَ. وان تمادى أعداؤك في مكرهم فلا تيأس ولا تظن أنك منسيٌّ عند الربّ بل تضرّع اليه ورتّل المزمور السادس والعشرين. وعندما تسمع أُناساً يجدّفون على الله بشأن رعايته وعنايته فلا تشاركهم في كفرهم بل اتجّه إلى ربّك وأقرأ المزمور الثالث عَشَرَ، والثاني والخمسين. ولو رغبت أن تعرف من هو المستعد لملكوت السماوات، فاقرأ المزمور الرابع عَشَرَ. وان احتجْتَ إلى الصلاة دفعاً لمقاومتك ومحاصري نفسك فسبّح بالمزمور السادس عَشَرَ، والثامن والثمانين، والماية وألأربعين. وإن شئت أن تعلم كيف صلّى موسى فعليك بالمزمور التاسع والثمانين. وان خلصت من أعدائك ونجوت من مضطهديك فرتّل المزمور السابع عَشَرَ. ومتى أذهلك نظام الخليقة ونعمة عناية الله فرتّل المزمور الثامن عَشَرَ، والثالث والعشرين. أما إذا رأيت أُناساً منحصرين متضايقين فادعُ لهم مردداً أقوال المزمور التاسع عشر. ومتى رأيت ذاتك والرب يرعاك وأنت تسلك حسناً فرتّل المزمور الثاني والعشرين. وان نَهَضَ الأعداء عليك فارفع نفسك إلى الله وأقرأ المزمور الرابع والعشرين، فتراهم يأثمون عبثاًِ. وإن ألحَّ أعداؤك وكانت أيديهم مفعمة دماً وراموا إهلاكك فلا تسلّم الحكم للناس، لأن أمور البشر مريبة، بل التمس قَضاءَ الله الذي هو وحده الديان، واتْلُ المزمور الخامس والعشرين، والرابع والثلاثين، والثاني وألأربعين. وان أشتدت صَوْلَتُهم عليك وازدروا بك فلا تفزع بل رتّل المزمور السادس والعشرين. وبما أنَّ الطبيعةَ البشريّة ضعيفة، فإن كان أعداؤك وقحين فلا تلتهِ بهم، بل اضرع إلى الله قائلاً ما في المزمور السابع والعشرين. وإن شئت أن تشكر بالذهن فرتّل المزمور الثامن والعشرين. ولو رغبت في تجديد بيت ذاتك ونفسك القابلة للربّ وكذلك بيتك الحسّي الذي تسكن فيه بالجَسَدِ فاقرأ المزمور التاسع والعشرين، والماية والسادس والعشرين الذي هو من مزامير الدرجات. ومتى رأيت ذاتك مضطَهَداً من جميع الأقارب والأصحابِ لتمسك بالحقِّ فلا تَخُرْ ولا تفزع من بغض معارفك بل كن للمستقبلات متأملاً ورتّل المزمور الخمسين. وحين تبصر المصطبغين القادمين من السيرة الفاسدة، وتعجب من وداد الله ومحبّته للبشر فرنم لهم المزمور الحادي والثلاثين. وإن أردت أن تصلّي وجماعة الرجال العادلين المستقيمين فرتّل المزمور الثاني والثلاثين. ولو رغبت في الشكران إثر وقوعِك بين أعدائك وخلاصك منهم بالحكمة ونجاتك، فادعُ الودعاء ورتّل في حضرتهم المزمور الثالث والثلاثين. وان رأيت مماحكة المنافقين ومناضلتهم في الشرّ، فاقرأ المزمور الخامس والثلاثين فتبصر أنهم كانوا هم أنفسهم سبباً لخطاياهم. وان نظرت مخالفي الشريعة يتشامخون على الوضعاء وأردت أن تنصح بعضاً من الناس أن لا يصغي إليهم ولا يغايرهم لكونهم يخمدون سريعاً فاقرأ لذاتك ولأصحابك المزمور السادس والثلاثين. وأيضاً إن شئت أن تحترس من العدو المتسلّط وأردت تحريك نفسك عليه فرتّل المزمور الثامن والثلاثين. وإن صبرت على الضيق لدى تكاثر الأعداء واردت أن تعرف النفع الصائر من الصبر، فرتّل المزمور التاسع والثلاتين. وإن رأيت جماعة من الفقرآء والمساكين وأردت أن تصنع لهم رحمةً فاقرأ المزمور الأربعين. وان ازددت شوقاً إلى الله وسمعت الأعداء يثلبونك فلا تضطرب بل تيقن من الثمر الباقي الحاصل من شوقك هذا وعَزِّ نفسَكَ برجائك بالله مخففاً عنك بقراءة المزمور الحادي والاربعين. وفيما تريد أن تتذكّر على التوالي إحسان الله الصائر إلى آبائنا، وأمر خروجهم من مِصر وترددهم في البرّية، وصلاح الله وأن الإنسان عديم الشكر فاقرأ المزمور الثالث وألأربعين، والسابع والسبعين، والثامن والثمانين، والماية والأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والثالث عَشَرَ. وإن التجأت إلى الله ونجوت من الأحزان الصائرة عليك وشئت أن تشكر الله فلك أن تقرأ المزمور الخامس وألأربعين. وإن أخطأت وندمت بتوبة وقبلت التوبيخ، فلك أن تقرأ أقوال الإعتراف والتوبة الموجودة في المزمور الخمسين. وان وشي بك وتفاخر عليك النمّام فامضِ في سبيلك وقل المزمور الحادي والخمسين. وإن طردك الغرباء وأرادوا تسليمك فلا تتهاون بل ثق بربّك مسبّحاً واقرأ ما في المزمورين الثالث، والخامس والخمسين. ولو تواريت في مغارةٍ هرباً من اضطهادٍ فلا شكّ ولا تخشى، لأن لك الأقوال المناسبة، التي تُسليك في الضيق، من المزمور السادس والخمسين، والحادي وألأربعين. وإن رامَ عدوّك ضرب حصارٍ عليك وهربْتَ منهُ فاستودع الله النعمة واكتب أحرفها في نفسك وارفعها نُصباً لتكون تذكاراً لعدم واقرأ ما في المزمور الثامن والخمسين. وإن كان الاعداءُ يحزنونك ويتظاهرون بمحبتك فيما يتآمرون عليك فبإمكانك أن تعزّي نفسك من الغم إنْ سبحت ربّك بقراءة المزمور الرابع والخمسين.وإن شئت تخجيل المرائين المغيّرين وجوهم فاقرأ المزمور السابع والخمسين. أما الذين يهجمون عليك طالبين نفسك فقابلهم بالخضوع لربّك واثقاً به واقرأ ما في المزمور الحادي والستين. وإن كنت مطروداً وفررت إلى مغارة فلا تفزع من الوحدة بل كمصاحب الله هناك إبتكر اليه، ورتِّل المزمور الثاني والستين. واذ يهدّدك الأعداء ويترصدونك ويبالغون في الاستقصاء عليك فلا تجبُن منهم ولو كانوا جمهوراً لأنَّ رشقهم كنبل الأطفال يكون عند ترتيلك المزمور الثالث والستين، والسابع والستين، والتاسع والستين، والسبعين. وإذ رغبت في أن تسبّح الله، فرتّل المزمور الرابع والستين. وإن شئت أن تعظ أُناساً في أمرِ القيامة فرتِّل ما في المزمور التاسع والستين. ولو وعظتهم من قبل الرب مذيعاً رآفاته عليهم فسبحّهُ مرتلاً المزمور السادس والستين. وحين ترى الكُفّار متنعمين ولهم سلامة، لا تشك ولا تتزعزع  بل إقرأ ما في المزمور الثاني والسبعين. وإن سخط الله على الشعب، فلك ما يعزّيك في المزمور الثالث والسبعين. وإن احتجت إلى الاعتراف، فرتّل المزمور الرابع والسبعين، والحادي والتسعين، والماية وألأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والسبعة، والماية والخامس والثلاثين، والماية والسابع والثلاثين. وإن عيّرك اليونانيين والهراطقة بشأن معتقداتك التي يجهلونها وهي الكنيسة وحسب، فإنك قادر أن تفهم ذلك لو قرأت ورنّمت ما في المزمور الخامس والسبعين. وإن حصرك أعداؤك فلا تيأس ولو اضطربت بل أقم مصلّياً، فإن استجاب الله دُعاك فاشكره وفق المزمور السادس والسبعين. وإن نَجَّس الأعداء بيت الرب وقتلوا القديسين وطرحوا أجسادهم لطيور السماء، فئلا تتراخى وتفزع منهم، وَجِّه طرْفك صوب ربّك وقل المزمور الثامن السبعين. وإن شئت في عيد أن تسبّح فاجمع عبيد الله ورتِّل المزمور السادس والثمانون، والرابع والتسعين. وإن تقاطر الأعداء من كل جهةٍ على بيت الله وراموا الإضرار بالإيمان القويم فلا تخشهم ولتكن لك رجاء كلمات المزمور الثاني والثمانين. وإن رأيت ربك ومساكنه الابديّة وكان لك اشتياق اليها كما كان للرسول فاقرأ المزمور الثالث والثمانين. ومتى كفَّ عنك السخط وأردت أن تشكر فلك أن تقرأ المزمور الرابع الثمانين، والماية والخامس والعشرين. وإن شئت أن تبرز الفرق بيت الكنيسة الجامعة والمنشقّين فقل لهم ما هو محرَّرٌ في المزمور السادس والثمانين. ولو أردت أن تدعو إلى عبادة الله وتُثبِتَ أنَّ المتَّكل عليه لا يحزن ولا يخاف فلك أن تسبِّح على نحو ما جاء في المزمور السادس. وإن شئت أن تصلّي في السبت فلك المزمور الحادي والتسعين. وإن شئت أن تشكر يوم الأحد فلك المزمور الثالث والعشرين. ولو أردت أن تصلّي في الثاني من السبوت فاقراء ما في المزمور الرابع وألأربعين. وإن شئت أن تسبِّح في يوم الجمعة فلك المزمور الثاني والتسعين لأنه قد وضع لما ابتُني البيت، مع أن الأعداء حاولوا محاصرته، لذلك سبّح المؤمنون الله تسبحة الظفر. وإن وقع سَبْيٌ وانذكَّ الهيكل وابتُني ثانيةً فرتّل المزمور الخامس والسبعين. وإن سَكَنتِ الأرض من المحاربين وشئت أن تسبّح الله فلك المزمور السادس والتسعون. وإن شئت أن ترتل في الرابع من الاسبوع فلك المزمور الثالث والتسعون لأن الرب في ذلك الوقت لما رُفع ابتدأ ينتقم من غلبة الموت ويشهرها جهاراً. وإن قرأت الانجيل ورأيت أنَّ اليهود ضربوا مشورةً على الربّ في اليوم الرابع من الاسبوع الذي هو بدءُ مجاهرةِ العدو، فعند ذلك رتّل المزمور الثالث والتسعين. ومتى رأيت عناية الرب بالكلَ وربوبيّته وأردت أن تَحُثَّ أُناساً على الايمان والطاعة لتقنعهم فرتّل المزمور التاسع والتسعين. وإن عرفت قدرة حكومة العلي وعلمت أنَّّّ الله سبحانهُ يمزج الحكم بالرحمة وشئت أت تتقدم إليه فلك الأقوال الواردة في المزمور الماية. وبما أن طبيعتنا ضعيفة فإن إفتقرتَ بسبب ضيقات العمر وأردت أن تتعزّى فلك المزمور الماية والواحد. وحيث أنّهُ واجبٌ علينا أن نشكر الله على كل شيء وفي كل شيء فكلما أردت أن تبارك، فردِّد المزمور الماية والاثنين، والماية والثلاثة. وإن شئت أن تسبح الله وتعرف بأيِّ حالٍ وعلى أيِّ شيءٍ ينبغي التسبيح وماذا يجب أن يقول المسبِّح فلك المزمور الماية والاثنان، والماية والستة، والماية والرابع والثلاثون، والماية والخامس وألأربعون، والماية والسادس وألأربعون، والماية والسابع وألأربعون، والماية والثامن وألأربعون، والماية والخمسون. وإن كان لك إيمانٌ، كما قالَ الربُّ وتركن إليه فيما تقول مصلّياً فاتْلُ المزمور الماية والخامس عَشَرَ. وإن شعرت بذاتك أنَّك تتقدم بألأعمال الصالحة، فعلى قدر ما تقول “أنسى ما وراء وأمتدُ إلى أمام “، فلك على كُلّ نجاحٍ أن تقرأ تسابيح الدرجات الخمس عَشَرَة. وإن سَبَتْكَ الأفكار الغريبة وشَغَلَتْكَ بذاتك وقيّدتك فكُفَّ عن الأشياء التي أدركت ذاتك مخطئاَ بها، وابكِ عن الخطيئة التي وقعْتَ فيها نظير الشعب في ذلك الزمان، وقُل ما في المزمور الماية والسادس والثلاثين. وإن احتسبت المحن تجربةً لك وشئت بعد ذلك أن تشكر فلك المزمور الماية والثامن والثلاثون. وإن كنت محاصَراً من الأعداء وأردت الخلاص فقل ما في المزمور الماية والتاسع والثلاثين. وإن أردت أن تصلّي وتتضرّع فرتّل المزمور الماية وألأربعين، والماية والثاني وألأربعين، والماية والخامس وألأربعين. وإن تسلّط عليك وعلى الشعب عدوّ جببّار مثلما تسلط جليات على داود فلا تخشَ بل ثِق أيضاً، نظير داود، واتلُ المزمور الماية والثالث وألأربعين. وإن عجِبت لإحسان الله وذكرت جودَهُ فقل الكلمات التي قالها داود في المزمور الماية وألأربعة. وإن شئت أن تسبّح الربّ فلك المزمور الخامس والتسعون، والسابع والتسعون. وإن كنتَ صغيراً وانتدُبتَ لقضاء حاجةٍ إخوتك فلا تتشامخ عليهم، بل أعطِ مجداً للربّ الذي انتخبك ورتّل المزمور الذي بعد الماية والخمسين الخاص بداود. وإن أردت ترتيل مزامير هلِّل فلك المزمور الماية وألأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والعشرة، والماية والحادي عَشَرَ، والماية والسابع عَشَرَ، والماية والثامن عَشَرَ، والماية والرابع والثلاثون، والماية والخامس وألأربعون، والماية والسادس وألأربعون، والماية والسابع وألأربعون، والماية والثامن وألأربعون، والماية والتاسع وألأربعون، والماية والخمسون. وان أردت أن ترتّل ما هو في أمر المخلّص وحده فإنك تجد ذلك في كل مزمور وعلى الخصوص في المزمورين الرابع وألأربعين، والماية والتسعة اللذين يخبران باتّلادِهِ الخاص من الآب وحضوره بالجسد. وأما المزموران الحادي والعشرون، والثامن والستون فينبآن بصلبه الإلهي والتسليم الذي احتمله من أجلنا والآلام التي كابدها. أمّا المزموران الثاني، والثامن فيشيران إلى خيانة اليهود وشرّهم ووشاية يهوذا الاسخريوطي. وأما المزامير العشرون، والتاسع وألأربعون، والحادي والسبعون، فيخبرون بملكِهِ وبقوةِ قضائِهِ وبإِعادة حضوره الينا بالجَسَدِ. والمزمور الخامس عَشَرَ يرينا قيامة جسدِهِ. والمزموران الثالث والعشرون، والسادس وألأربعون يخبّران بصعوده إلى السماوات. وأما المزامير الثاني والتسعون، والخامس والتسعون، والسابع والتسعون، والثامن والتسعون متى تلوناها علمنا بجود المخلّص الصائر إلينا من آلامه.

+ لماذا ترتَّل المزامير بألحانِ وترنَّم؟

هذا أيضاً  أمر يحتاج إلى توضيحٍ، لأنه يوجد قوم يرتجلون القول ولو كانوا متيقنين من ان المزامير مُلهَجٌ بها من الله، لكنّهم يتوَّهمون أنَّها تؤدّي ملحنَّة لغاية حسن النغمة والطرب. لكن الأمر ليس كذلك لأن الكتاب لا يروم التلذّذ وزخرفة الكلام، بل هذا قد ارتسم لأجل نفع النفس ولأنه واجبٌ أن تكون تلاوة الكتاب الإلهي لا دَرجاً وحسب بل سبحاً لله أيضاً على نحوٍ مُنَّسق وتمادٍ في الصوت. وبهذا النوع تصان محبّة البشر وشوقهم إلى الله من كُلِّ قلبهم وقوّتهم، لأنه كما أن النظمَ يؤلف ما بين الألفاظ كذلك توجد في النفس شرعة مختلفة وهي التفكّر وقوّة الشهوة وقوّة الغضب، ومن هذه الحركة ينتشي فعلُ الجسَدِ. المراد بهذا المعنى، أن الإنسان عديمُ الإتفاق لأنه كثيراً ما يقول الشيء ويعمل عكسه، كما جرى لبيلاطس الذي قال عن المسيح أنّه لم يجد فيه علّةً تستوجب الموت ومع ذلك أسلمه لليهود. كذلك يشتهي الانسان فعل المساوئ لكنّه لا يقدر على إتمامها، كما جرى للشيوخ الذين حكموا على سوسانة. وليس الانسان أيضاً بريئاً من الفسقِ، ولا سارقاً وبريئاً من السرقة في آن، ولا قاتلاً وبريئاً من القتل معاً، او متكلماً بالتجديف. فلئلا يوجد فينا اختلال مثلُ هذا يحسن أن تكون النفس مالكه عقلاً جيداً، كما قال الرسول، وأن تسلّم لصاحبها قيادها وتضبط به أدوات انفعالها وتترأس على أعضاء الجَسَدِ لتخضع للنطق. وكمثل الضرب في نظم المعازِفِ كذلك يجب أن يكون الانسان معزفة وينقاد بجملته للروح ويخضع بكلّ أعضائِهِ وحركاتِهِ كخادمٍ لما يطلبه منه. فاذاً تلاوة المزامير ترنيماً تكون مثالاً ورسماً لهدؤ النفس وسكونها. لأنّه كما نعرف هواجس النفس ومعقولاتها ونوضحها بألأقوال التي نتلفظ بها، كذلك أراد الربُّ أن يكون انتظام النفس الروحي عمارة له بترتيل الكلام والتلحين، فأمر أن تُقرأ المزامير بترنّمٍ. وهذه شهوة كان قد وضعها حسناً لأنه في وقت الترتيل كُلّ من كان فيه قلق واضطراب صار ممهّداً. وكلّ من كان محزوناً يتداوى عند ترتيله: ” لماذا أنتِ حزينةٌ يا نفسي، ولماذا تقلقيني؟”. والنفس تعرف خطأها وتقول: “أمَا أنا فعمّا قليل كادت خطواتي أن تزلّ”. وبالرجاء تُقوّي خوفها عندما تقول: “الربّ عوني فلا أخشى ماذا يصنع بي الانسان”. وأما الذين لا يتلون التسابيح الإلهية بهذا المعنى فصلواتهم لا تكون بفهمٍ بل يُطربون أنفسهم، وعليهم مذمّة لأن السُّبْح لا يجمل في فم الخاطئ. أما الذين ينشدون المزامير بالمعنى المشار اليه أعلاه، الذين يبرزون نَغَمية الكلام من نَظْمَ النفسِ ومن الاتفاقِ بالروح، فهؤلاء يرتلون باللسان والعقل معاً ويسدون نفعاً عظيماً لا لأنفسهم فقط بل أيضاً للذين يرغبون في سماعه. فهكذا داود المغبوط عندما كان يرتّل لشاول كان يرضي الله ويطرد من شاول طرف جنونِهِ مسكِّناً نفسَهُ ومهدِّئاً لها. ومثل ذلك الكهنة عندما كانوا يرتّلون، كانوا يُهذِّئون نفوس الشعب ويستدعونها إلى موافقة المصاف السماوية. اذلً قراءة المزامير بالتلحين ليست للطرب بل هي علامة انتظام الأفكار في النفس. والتلاوة المنَغَّمة المرتَّبَة تشير إلى وضع الذهن وانتظامه. قديماً كانوا يسبّحون الله بصنوجٍ حسنة التلحين وقيثارةٍ ومعزفةٍ ذات عشرة أوتارٍ. هذا كان دليلاٍ على ائتلاف أعضاء الجسد بانتظام شرعي كأوثارٍ، وعلى أفكار النفس كصنوجٍ، وأنها تتحرك وتحيا بصوت ونَفَس الفم وتميت أعمال الجسد. فالذي يكون ترتيلُه حسناً على هذا النحو نفسه ويقدمها لتكون مستقرة فيما يخصّ طبيعتها ولا تجزع من أحدٍ بل تكون حسنة المجاهرة وتشتاق بالأكثر إلى الخيرات العتيدة لأنها تتهيأ لترتيل الكلمات وتنسى الأذيّة وتحدِث تجديقاً ذهنياً في المسيح. ومتى فكّر قارئ هذا المصحف كان عليه أن يصغي بتأملٍ خاصٍ إلى الأقوال الملهم بها من الله ليستطيع أن يفتكر بطريقة فضلى ويجني الأثمار الإلهية من فردوس الاله المعطاة لمنفعتنا. وإني أرى أن أقوال هذا المصحف تحتوي على كل سيرةٍ للبشرِ وأوضاع نفوسِهِم، وحركات أفكارهم وليس شيء غير هذا إن كان الانسان بحلجة إلى توبةٍ أو إلى اعترافٍ أو أصابهُ ضيقٌ أو محنةٌ أو طُرِدَ أو بُغِيَ عليه ونَجا أو حزن أو انزعج أو ابتُلي بشيء مما سبق ذكره أو ابصر نفسه ناجحا وعدوّه مقهوراً أو أن يحمد ويشكر ويبارك الرب كل ذلك يمكن أن يتعلمه الانسان من المزامير فيقرّب الأقوال المحرَرَة فيهِ إلى الله كأنها قيلت من أجلِهِِ.لكن حذارِ أن يغلِّفَ أحدٌ الأقوال الإلهية بالحكمة البشرية أو يغّير الألفاظ أو يبدِّلها بنوع ما، بل ليرتّلْها كما هي بلا تصنُّعٍ ناقلاً إياها، كما سبق فقيلت، إلتماساً لعضد الروح الذي نطق بالقديسين الذين تزيد أقوالهم فضلاً عما نألفه بمقدار كون سيرتهم أفضل من سيره غيرهم. وأنَّه لحق واجب أن نحسب أقوالهم أكثر قوة من أقوالِ سواهم لأنهم بها أرضوا الله وصنعوا مناقب على أحدِّ قول الرسول: “قهزوا الممالك وعملوا البر ونالوا المواعد وسَدّوا أفواهَ الأُسُدِ وأخمدوا قوّة النار ونَجوا من حدِّ السيف وتأيّدوا من بعدِ ضُعفِ وصاروا أقوياء في الحروب وهزموا جيوشَ الغرباء، وأخذت النساء أمواتهنَّ بالقيامة”. فهذه الأقوال إذاً، عندما يقولها أحدٌ فليكن واثقاً أنَّ الله يستجيب للذين يتضرعون بها إليهِ. لأنَّهُ إن كان قائلها في ضنكٍ يلقى فيها تعزيةً عظيمةً وإن كان في محنة ورتّل على هذا المنوال يكتشف بالهبرة أن الرب الاله يستره كما ستر الذي تفوه بها في قبله، وعلى هذا النحو يَخْسأ الشيطان وتُطرد الأبالسة. وإن رددها المرء وكان خاطئاً يرى نفسه أنه قد انْسرَّ مبتهجاً بامتداده إلى قدّام. وإن كان مجاهداً يتقوى ويتأيد ويثبت في الحقّ إلى الابد ويوبِّخ المقبلين اليه الطالبين ضلال نفسه. وليس في كل ذلك من ضامن الاّ الكتاب الالهي نفسه. لأن الله أوصى موسى أن يكتب التسبحة الكبرى ويلقنها للشعب. كما أمر بتحرير سفر تثنية الاشتراع لكل من تقلّد رئاسة، آمراً أن يكون حامله على يديه ويدرس فيه الأقوال كأنها كافية لايقاد الفضيلة فيه، ومساعدة الذين يقبلون النُّصح. وعندما دخل يشوع بن نون أرض الميعاد وأبصرَ مصافَ الأمم وملوك الأموريين، فعوض الأسلحةِ والسيوفِ كان يقرأ على مسمعِ الجميعِ مصحفَ تثنية الاشتراعِ مفطِّناً إياهم بما في الشريعة، وعلى هذا النحو سَلَّحَ الشعب وقهر المحاربين. كذلك لما وجَدَ يوشيّا الملك المصحف وقرأ على مسامع الجميع لم يعد خائفاُمن أعدائه. وعندما كان الشعب يتعرض للحرب كان يتقدمهم التابوت الذي فيه مصاحف الناموس وهذا كان يغنيهم عن كل موكب ينصرهم. ويتضمَّن ذلك أن يكون حاملوه أو الشعب أبرياء من الخطيئة، لأنَّالشريعة لا تفعل فيهم الا على اساس الايمان والنية الصالحة. وأنا قد سمعت من أناس فهماء أنَّه لما كانت تُتلى الكتب في إسرائيل في الزمان القديم كانت تُطرد الشياطين ويُفتضَحُ مكرهم الصائر بين الناس. فالذين يستهينون بالنقاوة ويؤلفون من خارج كلمات مزخرفة يستوجبون تحقيراً كلياً، وهم يكفرون بما أن فعلهم هذا لعب وتسلية وشأنهم السُخرية بالناس، كما جرى لبني “سكاوا ” الوارد خبرهم في أخبار الرسل( 19: 13-16 )، لأنهم راموا أن يطلبوا الكفر بمثل هذا التصرف. وهؤلاء متى سمع بهم الشياطين يهزأون بهم، وأما أقوال القديسين فيرهبونها ولا يستطيعون احتمالها لأن الرب موجود في أقوال القديسين. ولعدم قدرة الشيطان على احتمال أقوال الرب كان يصرخ: ” أسألك ألاّ تعذبني قبل الزمان ” لأنّه كان يحترق لرؤية ربنا حاضراً فقط. كذلك كان ينتهر الأرواح النجسة، والأبالسة كانت تخضع للتلاميذ أيضاً. وأليشع النبيّ عندما كان يرتّل حلّت عليه يدُ الرب وتنبأ لاجل المياه لثلاثة ملوكٍ. كذلك الآن كُلُّ من اعتراه روح خبيث فليقل هذه الأقوال لينتفع وليثبت إيمانه الحقيقيّ أيضاً، والرب الاله يمنح الشفاء كاملاً للسائلين. وداود لعلمه بذلك كان يقول في المزمور الماية والثامن عَشَرَ: ” أهذُّ بأحكامك ولا أنسى كلامك “، “مرتَّلَةً كانت عندي حقوقك في موضع غربتي “. وبهذه أيضاً يخلُص القائلون: ” لو لم تكن شريعتك تلاوتي لكنت قد هلكت في مذلتي “. كذلك كان بولس يستوثق تلميذه قائلاً: “إياها ادرس. وفيها كن. ليكن نجاحك ظاهراً “. فإن لازمتها دارساً واطّلعت على المزامير على هذا النحو، قدرت أن تفهم المعنى الذي تتضمنه ويرشدك الروح وتساير الرجال القديسين الملهمين من الله الذي له المجد، إلى الأبد، آمين.

_____________________________________________________________

(1) القديس اثناسيوس يحدث عن نفسه

(2) طريقة السير مع الله

Leave a comment