غياب اللّه يسبب الخوف من الموت
القديس يوحنا الذهبي الفم
نقلتها إلى العربية الأخت ماريا قبّارة
علينا أن لا نخاف من الموت العنيف ولا من الموت الجائر، بل علينا أن نخاف من الموت في الخطيئة، فالعديد من الذين أرضوا اللّه تعرضوا لنهاية جائرة ظالمة، وأولهم هابيلَ الذي لم يخطئ تجاه أخيه ولم يؤذِه بشيء. لقد كان يُبجِّل اللّه، ولكنه مع ذلك، قد ذُبح واللّه هو الذي سمح بذلك.
هل تعتقد أن ذلك حدثَ لأن اللّه يحبّه، أو لأن اللّه يكرهه؟ إنّه من الواضح جليّا أن اللّه قد أحبَّ هابيل وأراد أن يجعلَ إكليله أكثر إشراقا بتلك الجريمة غير العادلة بشرياً، بينما عاشَ أخوه قايين خائفاً ومرعوباً، فمن كان من الاثنين مبَارَكاً؟ هل الذي انتقلَ ليرتاح في مجدِ السماء، أم الذي عاش في بُؤر الخطيئة؟ هل الذي مات موتاً ظالماً، أم الذي عُوقب من اللّه؟ إنّ محبة الملكوت ومجده لم تنفذ إلينا بعد، ولا الرغبة بالأمور الأزلية قد تأجّجت فينا، لذلك علينا أن نحتقر الأمور الدنيوية كما فعل القدّيس بولس الرسول.
أضف إلى ذلك، من جهة أخرى، أننا لا نرهب الجحيم. فالموت مرعبٌ بالنسبة إلينا، فيما نحن لا نعي معنى العقاب الذي لا يمكن تحمله، ولهذا نخاف من الموت بدلاً من أن نخاف من الخطيئة.
وهناك سبب آخر للخوف من الموت. نحن لا نعيش حياة صارمة، ولا حتى لدينا ضمير حيّ. فإنْ كانت هذه حالنا فلا شيء يمكن أن يُنبهّنا في حياتنا، لا الموت ولا المجاعة ولا فقدان الثروة والأولاد ولا حتى أيّ شيء آخر مماثل.
بينما الشخص الذي يسلك في حياة الفضيلة فلا يتأذى بأيّ شيء من هذا القبيل، ولا يُحرَم من السعادة الداخلية، بل هو يكون مدعوماً بآمال واعدة فلا يُرمى في حالة الاكتئاب، حتى ولو جُرّد من ثروته، فهو يُخزّن ثروة له في السموات.
إن أُبعد عن وطنه فسيرحل إلى المملكة السماوية، وإن أُميت جسده فسيقوم مع ذلك مجدداً، والذي يدخل في حربٍ مع مثل هذا الإنسان سيكون كمَن يُصارع خيالاً، وسيضيّع وقته كمَن يُحارب الهواء فلا يضرّه ولا يُؤثر به. فلا داعي للنوح خوفاً من الموت، بل ابكِ على خطاياك لتتحرّر منها.
للحزن وجوده، لكن لا ينبغي أن نحزن لفقدان ثروة ولا أن نحزن لأجل الموت، بل أن نُسَّخر هذا الحزن للتخلّص من الخطايا التي ارتكبناها، فالأدويةُ الشافية صُنعت للأمراض التي يُمكن التخلص منها. الدواء الخاص بعلاج مرض العيون لا يُستعمل لعلاج المعدة أو أي عضوٍ آخر في الجسم. والحزن لا ينفع للأمور الحاصلة معنا في كلّ يوم، بل هو فقط لنصحّح أخطاءنا.
دعنا لا نخاف من الموت بل من الخطيئة، وأيضاً أن نحزن بسببها. وننتبه إلى تكميل ناموس المسيح بكلّ عمل فهو الذي قال “من لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقني” (متى 38:10)، وهو لا يعني بهذا القول أنْ تحملَ الخشبَ على ظهركَ فقط، ولكن أن تضعْ الموتَ دوماً نُصب عينيك. فقد كان القدّيس بولس الرسول يحتقر الموت، مائتاً كلّ يوم ومزدرياً بالأمور الحاضرة.
إن كنت جندياً تقف في صفوف الجيش فمن صفاتك أنّك لا تخاف الموت، وإن كنت تخاف الموت فلن تستطيع أن تعمل عملاً نبيلاً، كذلك الحال مع الجندي المسيحي فإن خاف من التجارب والأخطار فلن يستطيع أن يُنجز عملاً عظيماً. إنّ الفتية الثلاثة الذين كانوا في أتون النار لم يخافوا من النار لأنّهم نجوا منها، ولكنّهم خافوا من الخطيئة.
فإذا غيّرنا أنفسنا واعتنينا بأرواحنا وتخلّصنا من الشرور فلا شيء سيؤلمنا، أنا أعرف ذلك من محبة اللّه للإنسان، كمثل ما صنع لأجل الأمم والمدن والشعوب، أو كما فعل مع مدينة نينوى عندما هدّدها قائلاً “بقي هناك ثلاث أيامٍ وستدمر نينوى”، فهل دُمرت نينوى؟
لا بل على العكس نهضت وأصبحت أكثر ازدهاراً ومن تلك الأيام التي انقضت لم تفقد مجدَها، ونحن نُعجب بها إلى اليوم، فبكلّ ما فعَلَت حصلت على عطف اللّه وشجّعت الناس لأن لا ييأسوا، ووضعَتْ نُصب أعينهم رجاءً كبيراً للحصول على حياة أفضل وذلك بفضل محبة اللّه، وصارت هذه المدينة سماءً بالتوبة.