الشفاء في المسيحية عبر المسيح
جان القرعان
أهم مبدأ في العلاقة مع الله هو أن هذه العلاقة لا حدود لها وهدف العلاقة هو الشفاء بالمسيح. العلاقة مع المسيح تبدأ في هذه الحياة لكن لا تنتهي في هذه الحياة فكما يقول القديس مكسيموس المعترف: “إن العلاقة مع المسيح هي حركة دائمة نحو المرغوب به”.
كل ما في الحياة هو إطار أو أداة لنبني علاقة مع المسيح، نحن نرى المسيح من خلال هذه العلاقة بالذات، ليس الهدف هو الاطار بل الهدف هو المسيح لأن المسيح ليس هو خارج حياة المسيحيين. المسيح لا بد أن يكون حاضراً في حياتنا وإلا ما معنى وجودنا في العالم كمسيحيين؟
لكن الخطأ هو عندما نعيش ونعمل ونبني عائلات ونؤسس مشاريع لكن لا نرى الهدف هو المسيح وراءها كلها، فإذا لم نعرف إن الغاية من كل حياتنا في هذه الحياة هو المسيح نكون قد قتلنا هدف وجودنا بالذات، نكون قد أضعنا معنى مسيحيتنا في العالم.
المسيحي في العالم لا يكون وحده بلا مسيح، المسيحي لا يبني علاقات مع آخرين بدون المسيح هذا ما حدث مع شاب متزوج سأل أحد الآباء الرهبان كيف وأنا كمسيحي متزوج أعيش في العالم؟ فأجابه: “إفعل كل شيء كما يرضي المسيح”. فإذاً ليس المهم ماذا نفعل بل المهم لمن نفعل فإن كان عملنا وحياتنا لا يرضيان المسيح فهما بلا معنى هذا ما نقصده بالطلبة السلامية في الصلوات الكنسية بعبارة و”كل حياتنا للمسيح الإله”.
الخطيئة هي عندما نجزىء حياتنا بين المسيح والعالم، بين أن نكون للمسيح أو للعالم، نحن نفصِّل ونقسِّم المسيح في حياتنا فنحيا وكأننا بدون مسيح وهذه هي الوثنية. الوثنية هي دائماً أن يحيا الإنسان من نفسه لنفسه فيحيا على أساس ذاته وليس على أساس المسيح في حياته وهكذا تُصبح حياته وثنية لأن المسيح ليس فيها.
المسيحية هي عندما نقول “لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيَّ” الوثنية هي العكس بالذات أي عندما أحيا أنا ولا يحيا المسيح فيَّ أو عندما أحيا بدون مسيح. شفاء الإنسان بالعالم المريض يحتاج الى أن يحيا المسيح فيه فبدون حياتنا على أساس المسيح سنبقى مرضى في هذا العالم المريض.
المسيح أتى فعلاً طبيباً ليشفي الإنسان، لا شيء يقلق الإنسان كالمرض، لا شيء يزعج حياة الإنسان مثل المرض. المسيح أراد أن يشفي ويخلص الإنسان من هذا المرض، ففعل المسيح شفى الإنسان ككل، شفاه ليس من الخارج فقط بل من الداخل، المسيح لم يشف الجزء وأهمل الكل. ولكن اي مرض أخطر من مرض الخطيئة؟
الخطيئة مرض يقلق الإنسان في حياته. المرض في المسيحية هو أن الإنسان يحيا بعيداً عن المسيح هذا ما عبّر عنه داود النبي بأن الخطيئة هي ثقل عندما قال: “لقد ثقلت آثامي فوق رأسي كحمل ثقيل”. المسيح أتى وقال إن الدواء هو فيه: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم”.
المسيح أراح الإنسان لأنه شفاه. هذا ما قصده القديس يوحنا الذهبي الفم عندما قال: “إن نهاية الطب هو العافية” لا راحة بدون الله. الله هو راحتنا. كل القلق في حياة الإنسان يعود الى أن الله غير موجود في حياته.
المسيحية أتت الى الوجود لكي تكون فعلاً استمرار لرسالة المسيح في العالم. الرسالة المسيحية هي رسالة شفاء ومن هنا الكنيسة هي المستشفى لأنها تغير الإنسان من إنسان مزيف الى الإنسان الحقيقي، هذا ما قصده المطران كاليستوس وير: “بأن الله صار إنسانا ليس فقط ليصير الإنسان إلهاً بل ليصير الإنسان إنساناً حقيقياً”. لا إنسانية بدون المسيح. ليس سوى الموت والجحيم أي إنسانية مريضة ممزقة تحتاج الى من يشفيها في العمق.
لكن شفاء الإنسان لا يتم بدون حرية الإنسان. الشفاء لا معنى له في المسيحية بدون الحرية. والسعي الحر للإنسان ليشفى هو الذي يجعل الشفاء يتحقق. الله يريد أن يشفينا لكن هل نحن نريد ذلك؟ من لا يريد لا يشفى بنعمة المسيح. ولهذا يقول القديس يوحنا الذهبي: “أن غاية الطب هو العافية” ولهذا قال القديس أفرام السرياني: “إن الإرادة هي الطريق الى الكمال المسيحي”، ولهذا ليس كما قال فرويد: “الكنيسة هي مكان لهلوسة نفسية أو حركة نفسية مريضة”.
الصحيح هو ان اعضاء الكنيسة مرضى ولكن الأعجوبة هو أننا لا نبقى مرضى في الكنيسة بل الكنيسة تشفينا بأسرارها وحياتها.
لهذا لا يجوز أن نشفى في الكنيسة ونمرض في العالم. نحن يجب أن نتحول من مرضى في الكنيسة الى أطباء في العالم. المسيح هو حياة العالم والعالم يحتاج للمسيح.
العالم بدون المسيح يموت. أكبر مرض في العالم اليوم هو أننا لا نحب أن نتوب أي أن نشفى. التوبة هي الدواء في المسيحية. ولهذا يقول القديس سلوان الآثوسي: “ليس الشر هو إرتكابنا الخطيئة بل إصرارنا على إرتكاب الخطيئة”. نحن لا نريد أن نتوب، نحن نريد أن نبقى مرضى. ولهذا يقول المطران جورج خضر: “الأعجوبة هي التوبة لكن لا توجد أعجوبة اليوم لأن لا أحد يتوب (بشكل عام)”. فالأعجوبة في المسيحية هي كيف نتغير أو كيف نتوب. فليست الأعجوبة أن نصنع أعجوبة، بل أن نصبح نحن أعجوبة، لأن الأعجوبة هي فينا.
والأعجوبة هي أن نشفى من مرض الخطيئة. العالم كله يحب الأعجوبة ويريد أن يرى أعاجيباً لكن المسيحية تقول ان لا أعجوبة إلا أعجوبة واحدة وهي الشفاء في المسيح. هذه هي الأعجوبة لأنها غير منظورة، لهذا لا تجذب العالم لكنها واقع. فهل من أعجوبة أكثر من أعجوبة مريم المصرية؟ كيف كانت مريضة بحب الزنى؟ وكيف أصبحت طبيبة بحب المسيح؟ كيف نفسر هذا الانقلاب الجذري في حياتها لولا نعمة المسيح التي غيرتها أو كما يقول المطران جورج خضر: “إن رحمة الله إبتلعت كل خطاياها”. وهذه هي الأعجوبة.