قديس بلا مسامحة
عن اليرونديكون الصغير
تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس
خارج الدير في ساحة المقاعد الحجرية حيث يجلس الرهبان بعد الخدمة الليتورجية ، كان
الراهب المسنّ حبقوق ذو اللحية البيضاء قد اتكأ هناك تعبا” . عندما رآه الرهبان الشباب تجمّعوا
حوله بسرعة ليحصدوا أقوال المحبة من فمه . نادرا” ما كان يخرج الشيخ حبقوق الى ساحة
الدير لذلك استغلّ الرهبان الشباب الفرصة .
فسأله الأب نيلوس : ” ما هي أكبر خطيئة أيها الشيخ ؟ ” فأجاب ” حفظ الاساءة وعدم نسيانها
انها خطيئة كبيرة جدا” بحيث يمكن لها أن تحرمنا من الفردوس “
ثم قاطعه الراهب الشاب الأب غفرائيل : ” الفردوس ؟ الى هذه الدرجة هي كبيرة ؟ ” تابع
الشيخ : ” أذكر قصّة من شهادة المسيحيين القدماء ” ( هنا أصلح الرهبان جلستهم ليصغوا الى
قصّة الشيخ حبقوق المفيدة ) ” نحن الآن في أيام الامبرطور والديانوس في احدى بلاد الشرق
البعيدة كان يعيش كاهن مسيحي اسمه نيكيفوروس . كان يقيم في مدينته كاهن آخر اسمه
سابريكيوس . كانا مرتبطين بصداقة أخوية قويّة . الاّ أن الشيطان الخبيث كره هذه الصداقة .
فبلغت وشاية الى أذني الكاهن سابريكيوس من شأنها أن تحلّ رباطهما الأخوي . اعتبر
نيكيفوروس المسبب الرئيسي للوشاية. فلم يرغب سابريكيوس برؤيته بعد بل أبغضه حتى الموت.
حاول نيكيفوروس أن يتقرّب اليه مرارا” لكن بدون نتيجة . لأن سابريكيوس لم يكن ليصغي
لكلامه . تكلّم مع أشخاص آخرين لكي يقنعوه بالمصالحة لكن بدون نتيجة . هوى حفظ الاساءة
كان قد أعماه . وكلّما مرّ الوقت كلمّا تشبّث الكاهن برأيه .
في ذلك الحين بدأ اضطهاد كبير للمسيحيين في تلك البلاد الشرقية لم يعرف المسيحيون سابقا”
له من حيث قساوته . شبابا” وشيوخا” أطفالا” ونساء” كانوا يقادون الى المسارح ليستشهدوا من
أجل محبّتهم للمسيح . من أوائل الذين ألقوا القبض عليهم الكاهن سابريكيوس . عذبوه كثيرا” لكي
ينكر ايمانه . احضروه الى تمثال زفس الذهبي الاّ انه رفض أن يضحّي للأوثان . فألقوه في
السجن حيث استمرّوا في تعذيبه بازدياد .
أمّا نيكيفوروس فكان يرى شهادات الكاهن . فدفع أموالا” كثيرة لاقناع الحارس بالسماح له
ليدخل الى زنزانة الحبس حيث كان صديقه .
فأخذ يتضرّع اليه باكيا” :
” سامحني يا أبتي أنا السبب في كل ما حصل سامحني “
” أبدا” اطلاقا” ” أجاب سابريكيوس بعناد أكبر .
” بعد قليل سننفصل على الدوام ، كيف سنفترق وما تزال العداوة بيننا ؟ سامحني أرجوك ” هذا
ما قاله نيكيفوروس متضرّعا” اليه ثانية .
” أبدا” اذهب حالا” . أيها الحارس خذه من هنا أرجوك . ليس لديّ ما أقوله ” أجاب سابريكيوس
بصرامة .
أمّا نيكيفوروس ففقد صوابه . لم يتوقّع اطلاقا” ردّ فعل كهذا من سابريكيوس خاصّة الآن في
ساعة الشهادة هذه . أغلقت البوابة خلفه بشدّة وأقفل عائدا” الى بيته .
في اليوم التالي قرأ أحد الجنود الحكم على الكاهن بالموت . هيأ الجلاد سيفه ليقطع رأسه .
صاح نيكيفوروس من بين الحشود المجتمعة ” سامحني ” فأجاب سابريكيوس ثانية ” أبدا”
اطلاقا” ” وأصرّ نيكيفوروس ” سامحني ” ولم يتغيّر جواب سابريكيوس .
الاّ أن الله لا يريد هكذا شهداء . لا أحد يمكن أن يدخل الى الفردوس ان لم يكن فيه المحبّة قبل
كلّ شيء لهذا فقد سحب نعمته من سابريكيوس أمّا هذا فقد شعر انه استيقظ من نوم عميق . كأنه
لا يدري لماذا هو موجود هناك مقيّد . قال باستغراب : ” عن ماذا أفتش أنا في هذا المكان ؟ “
فأجابه الجلاد : ” انه محكوم عليك لأنك مسيحي ورفضت التضحية للأوثان ” . فردّ سابريكيوس
الذي فقد نعمة الله ” كلاّ سأضحّي سأضحّي لست مسيحيا” ” .
هنا تجمّد الناس منذهلين . اضطرب نيكيفوروس وذهل . دفع نظره الى السماء فعاين ملاكا”
متهيئا” لتكليل الشهيد . لكن عند انكار سابريكيوس بقي الاكليل منتظرا” شهيدا” جديدا” .
حينها شقّ نيكيفوروس طريقه بين الحشود ، وانبرى يصيح للجلاد ” يريد المسيح اليوم شهيدا”
اني مسيحي . هيّا ماذا تنتظر تقدّم واقطع رأسي ” وهكذا أخذ نيكيفوروس القدّيس مكانة
سابريكيوس الجاحد القاسي القلب “
عند هذه النهاية بقي جميع الرهبان مسمّرين في أماكنهم . فقال الشيخ خاتما” قصّته :
” هذه هي الحكاية يا أبنائي ، التي كانت عن المسيحيين الأوائل . انتبهوا اذا” من حفظ الاساءة
وتضرّعوا الى الله لكي يملأنا من المحبة “
أمّا الراهب الشاب الأب غفرائيل فرسم صليبه وتمنّى أن يمنحه الله المحبة .
” من دون المحبة لا يمكن لنا أن نشهد للمسيح يا أبنائي ” قال الشيخ ثانية .
قبّل الرهبان يد الشيخ حبقوق وذهب كلّ منهم الى قلاّيته منتفعين من القصّة كثيرا” .