الكبير بالفعل
عن اليرونديكون الصغير
تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس
عاشت في زمن ما عائلةٌ مباركةٌ من الله. كان الوالدان مؤمنين وذوي تواضع كبير. كانا يقودان ولديهما في طريق المسيح. أحبّ الوالدان الله منذ الطفولية. كانت خدمتهما في الكنيسة إلى جانب الكاهن من أعظم أسباب فرحهما. عندما أصبحا شابين قررّا أن يكرّسا بقيّة حياتهما للكنيسة.
هكذا تركا والديهما المسنَّين ومسرّات وتنعّمات العالم واتّبعا الحياة الرهبانية محبّة بالمسيح. اختار أحدهما النسك والتوحّد في البرّية. وذهب إلى أعماقها ووجد هناك اسقيطاً حيث أصبح ناسكاً. أما الأخ الآخر الأصغر، اعتبر أن الطريق الأضمن لكي يظفر بمبتغاه هو دير الشركة coenobitique، ووجد ديراً فيه رئيس قدّيس وآباء متواضعون وصار راهباً فيه. كانت طاعته كاملة ومثالية تُحتذى. أحبّه رهبان الدير كلّهم وكانوا يحترمونه. لأنه دائماً كان مستعداً لطاعة كل التعليمات التي يعطونه إياها وكأن إرادته الخاصة لم تكن موجودةً بالكلّية.
مرّت السنوات وصارت طاعة الأخ الصغير هذا معروفةً في كل المنطقة. هكذا وصل صيته إلى أعماق البرّية، هناك حيث كان يتنسّك أخوه الأكبر. عندما سمع الناسك بهذا لم يصدّق وأراد أن يختبر بنفسه طاعة أخيه الأصغر. وهكذا غادر البرّية ووصل إلى الدير الذي كان فيه أخوه. استقبله أخوه ورحّب به. فطلب منه أن يقوما بجولة ليتنزّها في المنطقة المحيطة بالدير وهكذا يكون عندهما فرصة للتحدّث. طالما أنه مرّ وقت طويل لم يتقابلا خلاله. وافق الراهب الصغير على هذا بسرور وهكذا خرجا من الدير. بينما هما يسيران وصلا إلى نهر. كان يعرف الراهب الأكبر أن فيه كثير من التماسيح، لكنه أمر أخاه قائلاً:
“أغطس في النهر يا أخي وأعبر إلى الضفّة الأخرى”
فأجاب الأخ الصغير ” ليكن مباركاً”، ودنا من النهر.
كان الأخ الأكبر واثقاً أن أخاه لن يكون قادراً على تدبّر أمره وأن التماسيح ستلتهمه دون محالة. إلاّ أن التلميذ الصالح الذي لم يسبق له أن فكّر بالسوء بل كان دائماً يتبع أوامر الآخرين، ارتمى في النهر وسبح حتى وصل إلى الجانب الآخر. أما التماسيح المتوحّشة فليس فقط لم تصبه بأذى، بل على العكس طالما كان يسبح كانت تدغدغ قدميه. انذهل الناسك من المنظر وعاد إلى الدير. في طريقهما قبل أن يصلا بقليل، صادفا إنساناً ميتاً. كان قد أماته اللصوص. كان عرياناً فتأثرا للمنظر كثيراً.
قال الناسك: “تعال يا أخي ندبّر بعض الأقمشة لنُلبس هذا المسكين”. أما الراهب الأصغر فاقترح قائلاً:
– “سامحني يا أخي وتعطّف عليّ أليس من الأفضل أن نصلّي لعلّ الله يرحمه ويقيمه؟” وبالفعل هكذا كان. وقفا بجانب الميت وبدأا الصلاة إلى الربّ. فاستجاب الإله الصالح لصلاتهما وأقام الميت. هذا العجب الباهر ملأ الناسك تكبّراً وافتخاراً فقال:
– “من أجل نسكي في البرّية وهبنا الله هذه العجيبة”.
أما الراهب الصغير فلم يتكلّم. تابع الراهبان طريقهما إلى أن وصلا إلى الدير. هناك كان الرئيس بإنتظارهما عند الباب.
كان الرئيس إنساناً قدّيساً. قد كشف الله له كل ما حصل في ذلك اليوم. لمّا اقترب الأخوان، أخذ الناسك على انفراد وقال له مؤنّباً:
“لماذا يا بنيّ عرّضت أخاك لخطر كبير كهذا في النهر؟ لكن اعلم أن طاعة أخيك هي التي أقامت ذلك الميت”.
فقد الناسك صوابه. أثّر به كلام الرئيس واغرورقت عيناه بدموع التوبة. طلب الغفران من الله ومن الرئيس وفي الحال راح يبحث عن أخيه. عندما رآه سقط جاثياً عند قدميه وقال له:
– “سامحني يا أخي، أخطأت أمام الله وأمامك. سامحني لأني عرّضتُك للخطر في النهر . سامحني”.
للحال سامحه الأخ الصغير ومن تلك اللحظة عاشا بمحبّة وجاهدا كلاهما من أجل خلاص نفسيهما.