شك توما الحَسَن
الشيخ موسى الأثوسي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
في إحدى ترانيمها، تصف كنيستنا شكّ توما بالحَسَن. لذا هو مفهومٌ أن يتساءل الإنسان: أهناك شكّ حَسَن وآخر سيء؟ يبدو أنه موجود، لأن البشر ليسوا سيئين ولا خيّرين بالكلية. فكل شيء يكون نقياً في الإنسان ذي الضمير الطاهر والقلب الطيّب والفكر المتواضع. بينما في الآخَر المصاب بجرثومة الشكّ، كل شيء يكون معتماً ومضطرباً. ماذا لو كان عندنا شكّ الرسول توما الحَسَن؟
قد نقول أن الشك والتردد والإيمان القليل هي أمور طبيعية في الإنسان الذي يسعى إلى الله بفكره. لقد توسّل الرسل إلى السيد لأن يزيدهم إيماناً. فالشك هو مرض روحي خطير. الإيمان يتخطى المنطق بينما الشك غير منطقي. غالباً ما يكون الشكّ مغفلاً وناتجاً عن الرعونة وضحالة الفكر وعن حياة متقلّبة ووعي مشوّش.
أمّا توما الذي كان غائباً عند ظهور المسيح القائم لتلاميذه، فهو حالة نموذجية. صحيح أن توما شكّ لكنه لم يكفر بل طلب دليلاً ليثبّت إيمانه. توما المعروف جداً لحماسته في لحظات أخرى ليس من المشككين المعزولين المحرومين. إنه جريء، يبحث، يحقق ويستفسر. إنه يسأل عن الحقيقة لكي يحتكّ بها، ولم يتردد المسيح في منحه إياها. لقد عاد السيد للقائه، وهو يعود للقاء كلّ منّا.
إيمان الكثير من المسيحيين يكون أحياناً فاتراً وأكثر برودة من الشكّ. نحن لنا الإيمان كدرع وزيّ جيد للتغلب على الآخرين وليس لتلقّي الضرب، بل للتقدير والاحترام والالتزام. نحن لا نجروء على التمعّن في أعماق مضامين إيماننا، ولا نريد بأي شكل أن نتحداه وربما أن نظهره. الإيمان القوي يعطي الصحة الروحية والتوازن والمتانة والتمكين والأمل والثقة في الله. فلنكن جريئين ونعترف بأننا أحياناً نضمّن إيماننا الكثير من شهادات
أمراض الأنا السرية والعواطف المَرَضية. تصل هذه الأمور أحياناً إلى الإيمان الخاطئ بشكوك معادية للمجتمع تقدّم إلى الآخرين مثالاً سيئاً. السعي إلى الله في هذه الحالة يعني التراجع.
على الأكيد لم يكن توما من أصحاب الإيمان السيء ولا هو كان يؤمن بسهولة. لقد كان حذراً، صريحاً، أصيلاً، صلباً صادقاً ومخلِصاً. شكّه الحَسَن جعل المسيح يأتي إليه مقدماً نفسه إليه بسبب صدقه. لم يوبخه وهو الذي طلب رؤيته ولمسه. بل في النهاية بارك الذين يؤمنون ولم يروا. بالطبع، الشك هو خيار حر لكل منّا. يقول المشككون أنهم يستندون فقط إلى ما يرون وما يفهمون بالمنطق. هذا هو الإكراه والسهولة المتعِبة. الإيمان، يأتي مع الصعوبة والمخاطر والمجازفة والجرأة. لهذا بارك الرب الذين يؤمنون من دون دليل ملموس. الدليل الأقوى هو ما تؤكده قلوبنا. توما المؤمن بصعوبة هو أخونا الضعيف لكن الحسّاس.
نحتفل في الجبل المقدس هذا اليوم بسهرانية طوال الليل لأننا في مثل هذا اليوم تحررنا من النير التركي. لقد علمنا أن الحضور كان كثيفاً جداً في الكنائس في الفترة الفصحية. هذا دليل على أن الإيمان لم ينطفئ لكنه قابل لأن يصير أكثر عمقاً ودفئاً. ليس توما لغير المؤمنين بل للمشككين ولأصحاب الإيمان الضعيف، وأخيراً للمؤمنين. على رجاء أن يهزّنا شكّه الحَسَن لنصير أكثر خصباً.