خواطر حول الصحّة التي قهرت الموت
للإرشمندريت باسيليوس رئيس دير إيفيرون/ الجبل المقدّس
إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطع، دده – الكورة
** لست أدري لماذا طُلب منّي أن أتكلّم في هذا المؤتمر الطبّيّ، بل أعجب من نفسي لماذا اقتنعت بقبول هذه الدعوة، ولذلك سأكتفي بإيراد بعض الخواطر حول الصحّة بشكل عامّ وعلاقة الطبيب بمريضه.
** إنّي أرى نفسي، دائمًا، قريبًا من معلّم الطبّ وأبيه هيبوكراتس، أشهر الأطبّاء الأقدمين، إذ عندما أتأمّل في سيرته وأعماله من خلال منظار روحيّ لاهوتيّ وأغوص فيهما، أجد نفسي أمام ما ندعوه نحن في الرهبنة “بالحسّ المرهف“، وهذا ما جعلني أتشجّع أكثر لأخوض في هذا الموضوع.
** لم يتكلّم هيبوكراتس عن اختصاص محدّد في الطبّ، بل تكلّم على الإنسان ككلّ، على صحّة روحه وعلى عافية جسده، كما أنّه لم يهمل دقائق عمل أي عضوٍ من أعضاء الإنسان حتّى الأصغر منه. لذا، يجعلك تتعهّد بالحفاظ على حياتك وجسدك كليهما ضمن إطار القداسة والطهارة.
** إنّ كلمة “نقيّ” تعني نقاوة الحياة، وكلمة “القداسة” تعني أن تعيش في فلك قداسة الله، الشرط الأساس لنقاوة الحياة.
** إنّ مسيرتك الطبّيّة بجملتها، بأحزانها وأفراحها، إنّما هي حقل اختبار وتهذيب للحواسّ ومجال واسع لدراسة الإنسان ككلّ، وبخاصّة ما يدعونه بعلم الشفاء.
** عندما تنمو في مخافة الله تعرف نفسك أكثر، وتفهم، تاليًا، الآخر أكثر، وتقيّم تعاملك معه. تدخل باحترام إلى منزله، إلى صميم حياته الشخصيّة، إلى روحه، إلى جسده، إلى تاريخه، إلى ضعفه وإلى أمله. يفتح قلبه لك، ويكشف لك عن جرحه، ويصف لك ألمه، الذي غالبًا ما يكون عاجزًا عن أن يحدّده بدقّة، أو أن يعبّر عنه بوضوح. إنّه ينتظر منك أن تروي ظمأه الشديد للشفاء، لإلقاء الضوء على ما وراء هذه الحياة، هذه الرغبة التي قد لا يملك هو الجرأة الكافية على البوح بها، ولكنّك تستطيع أن تدركها بفراستك لكونك طبيبًا مختبِرًا.
** لا شكّ أنّك تشعر بأنّ هذا الوسط الذي تعمل فيه مقدّس، فالإنسان المريض لا يبحث عن مخفِّف لألمه وحسب، بل هو يبغي الصحّة والحياة.ولأنّه لا يريد أن يموت، فهو يسألك، باستمرار، عن أمور قد تفوق طاقتك، عن أمور أنت عاجز عن أن تقدّمها له. إنّه يطلب ما نسعى، نحن البشر جميعًا، وراءه: الخلود.
** عندما يموت الإنسان المريض، فهل هذا يعني أنّ الطبيب أخفق في مهمّته، أو بكلام آخر خسر لعبته؟ وهل عليه أن يعترف بفشله؟ كلّا. فنحن، هنا، لسنا ضمن دائرة المنطق البشريّ الذي يقول بأنّ الغلبة في حياة الإنسان هي دائمًا للموت، بل نحن، هنا، داخل نطاق دائرتين، أو، بالأحرى، نحن أمام مفهومين حيث تختلف الحقيقة كلّيًّا: مفهوم المنطق البشريّ ومفهوم القوّة الإلهيّة. نحن، هنا، بصدد بطلين متضادّين: الموت، وقد أبيد بموت المخلّص، والمسيح الذي نزل إلى أعماق الجحيم وغلبه، ثمّ انبعث من القبر حاملاً معه رايات الظفر على الموت.
** يتطلّع العقل البشريّ، دائمًا، إلى اللاّمدرك، وهذا اللاّمدرك هو الذي يغدق على طبيعتنا بالنعمة الإلهيّة، ويعطيها معناها الحقيقيّ، لذا، فنحن نتلهّف إلى تحقيق ما لا يُتمَّم بواسطة طبيعتنا وحدها. من هنا برزت الحاجة إلى الإيمان، لا بل إلى التمسّك الشديد به لكونه العنصر الأساس للوجود الإنسانيّ. فكما أنّ الإنسان بحاجة إلى الأوكسجين لاستمرار حياته الأرضيّة، كذلك هو بحاجة إلى قوّة الإيمان للوصول إلى الحياة الأبديّة. إذن، الإيمان هو أوكسحين الحياة الروحيّة.
** ولكي يتقدّم المرء روحيًّا، عليه أن يكفّ عن أن يجعل نفسه عبقريًّا، كما عليه أن يسلك باستقامة وصدق، وهكذا يأتي تقدّمه تلقائيًّا وعفويًّا. بيد أنّ خلاصه يتوقّف على إيمانه الوطيد وثقته المطلقة بالكائن غير المدرك (الله)، الذي أخرج الأشياء جميعها من العدم إلى الوجود، والقائل: “إيمانكَ خلّصك” (متى9 :22).
** لا نستطيع من دون الإيمان أن ندرك طبيعة الإنسان بكلّيّتها، ولا أن نكتشف لغز الحياة والكون، هذا الكون الذي يؤلّف مع الإنسان وحدة متكاملة. فأنت “إذا لم تؤمن، لن تفهم” (إش7:9)، وإذا لم تؤمن، لن تدرك اللاّمعقول، وهذا ما يؤكّده هيراقليتوس، أيضًا، بقوله: “إنّ معظم الأمور الإلهيّة ترشدنا إلى المعرفة، ولكنّنا لا ندركها لعدم إيماننا“. بيد أنّ الإنسان المقدام يقول: “أنا أؤمن بالله المحجوب عنّي، غير المرئيّ، غير المدرك، غير المعقول. أؤمن بوجوده، هو الذي يبدو لي، أحيانًا، كأنّه غير موجود“.
** نظنّ، في معظم الأوقات، أنّنا من نعبده هو الله، ولكنّ الواقع يقول لنا إنّنا نعبد صنمًا من صنع أيدينا وعقلنا، أفلا نعتبر الله، أحيانًا، مساعدًا شخصيًّا يؤمّن لنا طلباتنا ورغباتنا؟ ولكنّ هذا ليس إيمانًا؛ إنّه نوع من السحر الذي يضع الله تحت تصرّف الإنسان. دعونا نتأمّل ما يقوله القدّيس مكسيموس المعترف حول موضوع “الله والإيمان“: “لنجعل الله منبع كلماتنا وأساس معتقداتنا، فهو مصدر الذكاء الوحيد للأذكياء، وينبوع الإلهام الدفّاق للمتكلّمين وما يتكلّمون به؛ هو الحياة للأحياء وللذين سيولَدون؛ هو الوجود الحقيقيّ والأساس لمن أتى ولمن سيأتي، لا بل هو محور كلّ شيء“.
ويقصد القدّيس مكسيموس أن يقول: إنّ الله يتسامى على كلّ مخلوق لكونه اللاّمخلوق. إنّه موجود بشكلٍ أعمق من أن يدركه المخلوق الذي يحاول بطرق شتّى إدراكه. لهذا، فعندما نكون راسخين فيه بالإيمان، نصبح كأنّنا لا موجودين في هذا العالم، وعندها، فقط، نصبح قادرين على أن نكون بالحقيقة موجودين.
** اعلم أنّك كلّما ضحّيت بنفسك، كلّما خلّصتها وحفظتها لحياة أبديّة، وبهذه التضحية تخرج من نطاق محبّتك لذاتك، وتكفّ عن أن تريد كلّ شيء لك، هاتفًا: “ثقتي كبيرة بك، يا من أعطيتني الحياة، أكبر من ثقتي بنفسي. من أجلك أهجر حياتي بجملتها، وأتخلّى عن آمالي كلّها. أنا لا أريد أن أقول لك ما عليك أن تفعله، بل أطلب منك أن تفعل ما تريد أنت أن تفعله، فلقد أعطيتك كلّ شيء، حتّى حياتي التي وهبتنيها. أنت ماضيّ، وأنت مستقبلي. ليس لديّ أحد غيرك نظيرك، فافعل ما تريد أن تفعل. الآن أدركت كم أمطرت عليّ من بركات غمرتني منها ما أعلمه، ومنها ما لا أعلمه أيضًا، الظاهرة والخفيّة، حتّى التجارب التي تبدو لي، أحيانًا، صعبة وشاقّة، هي بركات جزيلة تأخذ مظاهر مختلفة. إذن، خلاصة صلاتي لك هي: “لتكن مشيئتك. إنّ تجربة واحدة تسمح بها، يا ربّ، وتحمل معها تعزيةً إلهيّة، أفضل بما لا يقاس من سعادة وهميّة تجعلني أختبر معها جزءًا من الجحيم“.
** ها قد وصلت الآن، كطبيب، إلى درجة روحيّة متقدّمة، واقتنيت قوّة الإيمان الفاعلة والمخلِّصة، فلن تعود تثق بنفسك بعد الآن، لأنّ الفاعل الفاعل هو لله، الذي يقوم بالأمور الصعبة كلّها.
** لا ريب أنّك تناضل ليتمتّع الآخرون بالعافية ويستعيدوا صحّتهم، أو، على الأقلّ، لتكون أفضل، أو ليتقبّلوا، بطريقة صحيحة، المرض والألم والموت. فافترض أنّك قد أنجزت مهمّتك على الأرض، وأدركت أنّ هناك من أتى بنا من اللاّوجود إلى الوجود. وافترض أنّك أدركت أنّه قد وُهب لنا قوّة الصليب، الذي أباد الموت وضمحله، عضدًا وتعزية تبلسم ألمنا. وافترض أنّك فهمت ماذا يعني أنّ الذين ينتظرون الربّ بصبر تتجدّد قوّتهم، و“ينبت لهم أجنحة كالنسور” (أش40: 31)، قوّة داخليّة تعزّيهم، وتجعلهم يشعرون ببركة التجارب والضيقات، فتتحوّل، عندئذ، المعاناة والمرض الجسديّ إلى فرص يكتسبون بها تجدّدًا روحيًّا قويًّا. وافترض أنّك قد اكتسبت ثقة بالله قويّة بأنّه هو الذي بمحبّته، فقط، خلّصنا، حتّى ولو بدا لك، أحيانًا، أنّه قد تركنا وتخلّى عنّا.
** افترض أنّك وصلت إلى حالة لا ترى فيها عيوب الآخرين، أو لا تتذمّر من أيّ خطأ يقع في حياتك المهنيّة. وافترض أنّك تشكر الربّ على كلّ أمر يحصل لك، المفرح منه والمحزن. وافترض أنّك بدأت تشعر بأنّ الأمور المفرّحة والمؤلمة تجلب لك تعزية علويّة قويّة. وافترض أنّك قبلت من كلّ قلبك كلمات القدّيس غريغوريوس بالاماس “بأنّ كلّ شيء حسن حتّى الموت ما خلا الخطيئة“. وافترض، أخيرًا، أنّك مثل إسحق السوريّ تشعر بالفرح يشعّ في قلبك عندما تفكّر بالموت. عندها، فقط، تكون طبيبًا حقيقيًّا، وتتمتّع بحياتك المهنيّة وتريح الآخرين.
** أنت تبدأ من حيث بدأ هيبوكراتس أي من النقاوة والقداسة، وسوف تنتهي في الكنيسة، أي في الخليقة الجديدة، حيث هناك طبيب النفوس والأجساد الذي لا يجبر ما قد تكسّر وحسب، بل ويحيي من الموت أيضًا. وعندها يؤثّر حضورك تأثيرًا إيجابيًّا على المريض، الذي يرى فيك صورة المخلّص. إنّ المريض يصبح حسّاسًا بسبب آلامه المبرِّحة، فيقف أمامك كجرح مفتوح يلتمس ضمادًا وشفاء. فكلّ حركة من روحك وجسدك تأخذ لها أبعادًا ومعانٍ لدى المريض الذي يضع كلّ أماله فيك وكأنّه ورقة في مهبّ الريح تطلب ملجأ أمينًا.
في هذه اللحظة المقدّسة بالذات، يمكن للمريض أن ينهار نتيجة كلمةٍ واحدة، أو تجهّم بسيط صادر منك. أو على العكس من الممكن له أن يتقوّى ويتشدّد روحًا ونفسًا عبر ابتسامة صغيرة، أو كلمة تشجيع. نعم، في كلا الأمرين يعود الأمر إلى تصرّف الطبيب، إلى تضحية بسيطة في سبيل راحة أخيه الإنسان.
** عندما يوشك المريض على الرحيل الأبديّ، عندما لا يعود يستطيع أن يتناول الأدوية، رافضًا كلّ مساعدة، عندها على الطبيب، الذي حافظ على حياته ومهنته في الطهارة والقداسة، أن يقدّم شيئًا آخر كفاكهة ناضجة: رائحة “طيّبة“، “رائحة حياةٍ لحياة” (2 كو2 :16) يلتقطها المحتضر بلهفة. وعندها، فقط، تنشأ علاقة حميمة بينك وبينه، فيتكلّم معك عن موته، عن انطلاقه الأخير، وأنت، أيضًا الذي ناضلت من أجله، تستطيع، الآن، التكلّم معه عن الحياة التي نهايتها الموت. في هذا الوقت الضيّق المحصور، في وقت الانتقال هذا، الوقت الأوفر قداسة، يجب أن تستعدّ لتكون رسولاً، رسولاً يبشّر بحياة أخرى أبديّة، حياة ملؤها الراحة والسعادة.
** يجمع المولودَ الجديد والإنسانَ المحتضرَ أمرٌ مشترك، فكلاهما خليقة هشّة فاقدة القوّة، بحاجة إلى الاهتمام من شخص قادر على البذل. فليس من إنسان أضعف من المولود حديثًا، وليس من مخلوق حسّاس أكثر من المحتضر، فهو كالطفل يطلب أن يكون محبوبًا ومعطوفًا عليه.
** إنّ لحظة ولادة طفل جديد هي لحظة مقدّسة فيها ينفصل الوليد عن مكان دفئه، عن الجوّ الذي ألفه في رحم أمّه، حيث مقوّمات الحياة مؤمّنة:الدم والغذاء والأوكسجين. وأمّا الآن، فإنّ الحبل الذي كان يمدّه بالغذاء قد انقطع، وجاء المولود الجديد إلى جوٍّ غريب وبارد، لذا يطلب الالتصاق بصدر أمّه ليمتصّ حليب الحياة، ويستمدّ الدفء بين ذراعيها.
كذلك الحال بالنسبة إلى الشخص المحتضر، فإنّ لحظة انتقاله لحظة مقدّسة، أيضًا، يتحوّل فيها من حالة إلى حالة أخرى. في هذا الوقت يفتّش على يدٍ تغمره، يلتمس بعض الهواء المنعش ليتنشّقه، على بعض الغذاء ليتقوّى به. في تلك الساعة، في ذلك الانتقال العظيم يجب أن تكون، أيّها الطبيب، إلى جانبه. في تلك الساعة ليس للكلمات من مكان، ولا للأدوية والعقاقير من وقت. إنّ من يعمل الآن هو الروح الإلهيّ فقط.
أمام هذا السرّ الذي يحدث. لا يستطيع الإنسان أن يعمل شيئًا، فالوسائل الطبّيّة والعلاجات المتبّعة ليس لديها شيئًا، بعد، لتقدّمه. نحن في حالة مماثلة لما يوصينا به الربّ: “لا تفكّروا من قبل في ما تحتجّون به، ولكن تعطون ما يجب أن تتكلّموا به لأنّكم لستم أنتم المتكلّمين، بل روح أبيكم الساكن فيكم” ( مر13- 11).
في الوقت الذي تتوقّف فيه الكلمات، وتفقد الأدوية فعاليّتها، تعمل، عندئذ، قوّة الإيمان، والذي يُمتحن، الآن، ليس معرفة الطبيب ومهارته الطبّيّة، بل قوّة إيمانه. فإذا كان كلّ شيءٍ موضوعًا تحت جناح الثقة بطبيب الأرواح والأجساد بتواضعٍ ومخافة الله، يختبر الطبيب صدق كلمات السيّد القائل بأنّ الذين يؤمنون به “سيتكلّمون بألسنٍ جديدة … ويضعون أيديهم على المرضى فيتعافون” (مر 16: 17- 18). سيتكلّم بلغة جديدة، لغة صمت العالم الآخر. كلّ شيء يتبدّل ويظهر بطريقة مختلفة، فعند ارتفاع الحرارة تلتصق المعادن بعضها البعض، وعند ارتفاعها أكثر تتغيّر طبيعتها. هكذا هو الحال بين المرض والعلاج؛ بين المرضى والأطبّاء. أنت تعطي نفسك لتأخذ صحّة روحيّة. في لحظة واحدة، ودون أن تدري كيف، ترى نفسك متبنّيًا حالة المريض. تساعده على الحياة، فتنال مساعدة من ربّ الحياة، فكلاكما تتبادلان رسائل الحياة. المريض يساعدك على تخطّي أناك، فتشعر بالامتنان له، إذ بينما تساعده على الشفاء، تتلقى، بدورك الشفاء بواسطته، وعندها ستكون لمعرفتك وأدويتك العلاج الفعّال.
** على كلّ حال، أنت لا تعلم ما هو الأفضل والمناسب: أن نكون في صحّة جيّدة، أو أن نكون مرضى خاضعين للعلاج. أنت لا تعلم إن كان هذا الجسد المتصدّع بحاجة إلى المزيد من الصحّة أو إلى الصراع مع الموت الذي ينتزعه من هذه الحياة. لذلك تبادر إلى القول: “لا يحتاج الإنسان إلى أمور عديدة زائلة، لأنّ كلّ ما كدّسه وجمعه في هذه الحياة القصيرة سيتركه، وكذلك القليل الذي بحوزته سيغادره مع الموت. أمّا الذي سيبقى معه إلى حين، ولن يفارقه إلى أن يغادر، هو عطشه إلى معرفة ماذا يوجد وراء هذه الحياة“.
** نحن لا نعلم إذا كانت القوّة أو الشعور الجميل بالإمتنان اللذين حزناهما من خلال الصحّة، من خلال غياب الألم في حياتنا، هما أفضل من الأمراض والتجارب والألم والعذابات، إذ هوذا، من خلال الصليب أتى الفرح، وما يزال يأتي، إلى كلّ العالم.
** أثناء الزوابع البحريّة، في الأوقات الحرجة عندما تثور الأمواج وتلطم السفينة، يقوم القبطان بقذف المحتويات إلى اليمّ لينقذ أرواح المسافرين.كذلك يستأصل الطبيب بعض أجزاء الجسد لينقذ الجسد كلّه. وأمّا عندما يسمح الله بنزول الجسد إلى القبر، فإنّ عنصر الروح (وكذلك الجسد الذي سيقوم في اليوم الأخير) لا يضيع بل يخلص كما يقول الرسول: “يزرع في جسد جسديّ، ويقوم بجسدٍ روحيّ(1كور15: 44).
** أخيرًا، من النافل القول بأنّ الصحّة الجسديّة لا تخلّصنا؛ ولا المرض، أيضًا، يدمّرنا، لأنّ الثروة الحقيقيّة التي نكتسبها هي القوّة التي تصبح كاملةً في الضعف (2كور 12 : 9) والحياة التي يجعلها الموت أبديّة.
** دعونا نعيش الحياة التي في المسيح يسوع، تلك الحياة التي انبعثت من القبر، وما تزال، أبدًا، منبعثة، فنحن نتمتّع هنا على هذه الأرض بحياتين: وقتيّة أرضيّة، وروحيّة أبديّة نستمدّها من عيشنا الحياة الليتورجيّة.
** لقد اخترت، أيّها الطبيب، مهنة مقدّسة وسريّة: مقدّسة، لأنّها تتمّ باسم الله القدّوس. وسرّيّة، لأنّها تتمّ بلغة الروح غير المدرَك. إنّها مهنة تضعك في مواقف حزينة صعبة تلتقي، من خلالها، ببشر في أصعب لحظات حياتهم وأدقّها وربّما أخطرها. لذا، نرجو أن يهبك الربّ نعمته وقوّته لتكون جديرًا بهذه المهمّة.
[1] عن محاضرة بالإنكليزيّة ألقيت في تسالونيك في 7 آذار 2002 لأطبّاء مختصّين بسرطان الصدر
[2] هيبوكراتس: وُلد عام 460 ق.م في جزيرة كوس اليونانيّة. أشهر الأطبّاء الأقدمين. علّل الأمراض باضطراب الأخلاط وجعل لها مصدرين: الهواء والغذاء. توفي في لاريسا (تساليا). مجهول تاريخ وفاته.
[3] هيراقليتوس: (576-480 ق.م) فيلسوف يونانيّ وُلد في أفسس، وقال إنّ النار هي العنصر الأوليّ في المادّة.