الممارسة في الكنيسة
ضرورة الممارسة
الممارسة في الكنيسة تعني اجتماع شعب الله أي الكنيسة في الهيكل لكي يمجدوا الرب.
يكتب القديس كيرلّس الأورشليمي أن الكنيسة تدعى هكذا “لأنها تدعو المؤمنين كلهم وتجمعهم معاً” وذلك من أجل العمل لعبادة مشتركة لتمجيد الله (في اليونانية تأتي كلمة كنيسة من فعل معناه أدعو أو أجمع معاً)
الله نفسه هو الذي يدعو المؤمنين عن طريق الكنيسة. في كتاب التثنية يكتب موسى النبي متوجهاً إلى العبرانيين ويقول: تذكّروا اليوم الذي فيه كنتم واقفين في حوريب أمام ربنا وإلهنا لأنه حينذاك قال لي الرب أدعُ الشعب إليّ لكي يسمعوا كلماتي. هكذا فإن الله بواسطة النبي يدعو الشعب إليه. أما في عهد النعمة فإن المسيح هو الداعي الحقيقي الذي يجمع المتفرّقين إلى واحد.
يكتب القديس نيقودمس الآثوسي أن المؤمنين يحتاجون إلى الممارسة في الكنيسة “لكي يسدّوا جوعهم عن طريق مائدة جسد الرب المقدسة السرية الموجودة في الكنيسة وعن طريق الكلمة الإلهية. ولكي يرووا عطشهم عن طريق دم الرب الجاري والمحيي وعن طريق مجاري تعليم الكتب الإلهية التي تنبع من داخل كنيسة المسيح”.
الكنيسة سفينة الخلاص
من الضروري أيضاً أن نمارس في الكنيسة “لأنها تابوت أو سفينة. كما أنّ كلّ الذين دخلوا هذا التابوت، من الناس والحيوانات، نجوا من الطوفان… هكذا والآن أيضاً كل المسيحيين الذين يذهبون إلى الكنيسة المقدسة ويدخلونها يخلصون من الطوفان العقلي الذي للخطيئة وللأهواء”.
يتابع القديس نيقوديموس: “الكنيسة هي حظيرة روحية. كما أنّ الخراف، عندما تكون خارج الحظيرة، تواجه الأخطار وتهلك لأن الذئب، أو وحوش أخرى، يخطفها. بينما الخراف التي تبقى داخل الحظيرة لا تخشى أيّ خطر”.
والقديس يوحنا الذهبي الفم يقول “خارج الكنيسة يقف الشيطان. فهو لا يتجرأ على الدخول إلى هذه الحظيرة المقدسة لأنه حيث توجد رعية المسيح لا يظهر الذئب الذي يخاف الراعي فيبقى خارجاً”.
أهمية عدم إهمال الممارسة
يحثّنا الرسول بولس على أن لا نهمل الممارسة في الكنيسة لأنها تقوّي رباط المحبة فيما بين المؤمنين، فيقول: “لنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة غير تاركين إجتماعنا” (عبرانيين 24:10). والقديس يوحنا الذهبي الفم يفسّر “يكتب الرسول بولس هكذا لأنه يعرف أن قوّة كبيرة تنبع من لقاء المؤمنين في الهيكل… إن الإجتماع فيما بين المؤمنين يجعل المحبة أكثر حرارة وفي المحبة تنتج كل الصالحات… لا نحتاج إلى التعب ولا إلى العرق إذا كانت عندنا محبة الواحد تجاه الآخر. لأن المحبة هي الطريق الوحيد الذي يستطيع أن يقودنا إلى الفضيلة”.
إذاً، البركة الكبيرة الناتجة عن اجتماع المؤمنين في الهيكل هي المحبة. إن كنا لا نحب إخوتنا ولا نلتقي معهم في الهيكل لا نستطيع أن نرضي الله عن طريق صلواتنا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم “علينا أن نكون مع إخوتنا في المكان نفسه مع رباط المحبة… وكما أنّ الأجساد تكون قريبة الواحد مع الآخر هكذا يجب أن تنعصرَ قلوبنا مع بعضنا البعض. نسعى إذاً إلى الاجتماع في الكنيسة من أجل الطلبات المشتركة ومن أجل الصلاة الواحد للآخر لأنه هكذا تُتَمَّم وصية الله وتُحَقق فضيلة المحبة وعندما أقول المحبة أعني الخيرات كلّها”.
أهمية الصلاة الجماعية
إن الصلاة هي الابنة الروحية لمحبّتنا للرب وأمّ محبتنا للأخوة. المحبة الأخوية التي تتولّد من الصلاة المشتركة تعطي قوة لطلبتنا نحن. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “أنه عندما نصلي على انفراد نكون بلا قوة ولكن عندما نجتمع معاً حينئذ نصبح أكثر قوة ونبتهل إلى الله مستندين إلى كثرة الجماعة وحضورهم… إلى هذا الحد تكون قوة طلبة الجماعة. لذلك نجتمع كلّنا هنا في الهيكل لكي نجتذب أكثر شفقة الله… أنا لا أقول ذلك بدون سبب… أقولها لكي تسرعوا إلى اجتماع المؤمنين ولكي لا تقولوا: أنا لا أستطيع أن أصلّي في بيتي؟ طبعاً تستطيع أن تصلي في بيتك لكن الصلاة التي تحصل في البيت مع أعضاء العائلة لا يكون لها قوة أمام صلاة الكنيسة كلّها التي تتوجّه بنفس واحدة وصوت واحد إلى الله في حضور الكهنة الذين يرفعون صلوات الشعب إلى الرب. هل تريد أن تعرف إلى أيّ حدّ تكون قوة الصلاة في الكنيسة؟ أنظر إلى الرسول بطرس الذي كان مقيّداً في السجن بسلاسل كثيرة. لقد حصلت صلاة طويلة وحارة من أجله من قبل المؤمنين وللحال حرّر من السجن. إذاً ما هو أقوى من الصلاة التي أفادت أعمدة الكنيسة؟
عندما كان يتكلم الذهبي الفم في الهيكل كان الكثيرون يسمعون كلامه وبعدها يخرجون دون متابعة القداس الإلهي وهذا ما كان يحزن القديس لأنه كان برهاناً على أن كلامه لم يثمر فهو يقول في أحد مواعظه “هذا الجمع الكبير الذي يصغي بحماس لأقوالي اشتهيت في كثير من الأحيان أن أراه في ساعة الليتورجية الإلهية ولم أستطع وعندها تنهدت كثيراً لأنهم يهتمون بموعظة العبد بينما يتركون الهيكل عندما يظهر المسيح في ساعة حلول سر الأفخارستية الإلهي. وما هي حجتهم يقولون أنا أستطيع أن أصلي في بيتي بينما لا أستطيع هناك أن أستمع إلى المواعظ. إنك أيها الإنسان تخضع نفسك طبعاً. يمكنك أن تصلي في بيتك ولكن لا تستطيع أن تصلي كما في الهيكل حيث يوجد جمع من الآباء وحيث تصعد صلاة مشتركة نحو الله. عندما تتضرّع إلى الرب وحدك لا يستجيب كما يفعل عندما تتضرع إليه مع إخوتك لأنه هنا في الكنيسة يوجد شيء إضافي وهو اتفاق المؤمنين وانسجامهم، رباط المحبة وصلوات الكهنة. لذلك يترأس الكهنة الخدمة حتى تأتي صلوات المؤمنين الضعيفة مشدّدة بصلوات الكهنة فترتفع معاً إلى السماء”.
كلّمنا المسيح عن قوة الصلاة المشتركة في الكنيسة “وأقول لكم أيضاً إن اتفق إثنان على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماوات لأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم” (متى 19:18-20). حيث يوجد المسيح هناك يوجد جمع كثير. حيث يوجد المسيح من الضرورة أن تكون هناك الملائكة ورؤساء الملائكة وقوات أخرى. حيث يوجد المسيح هناك الكنيسة كلّها. إن حضور المسيح في إجتماع المؤمنين يقدّس صلواتهم المشتركة ويؤكد لنا أننا سوف ننال جواباً لطلباتنا.
صلوات المؤمنين المشتركة في الهيكل هي لقاؤهم مع المسيح واشتراكهم معه. والمسيح هو النغمة التي يرتلها المؤمنون. في اجتماع المؤمنين نقدّم إلى الآب السماوي بصوت واحد “صلاة واحدة، طلبة واحدة فكراً واحداً، رجاءً واحداً بمحبة، بفرحة بلا عيب الذي هو المسيح يسوع” (القديس أغناطيوس المتوشح بالله).