حوار روحي مع الشيخ ميخائيل ناسك كاروليا
نقله إلى العربية الأب أنطوان ملكي
يعيش الأب الراهب الغيور ميخائيل في صحراء بين كاتوناكيا وكاروليا، وهو رجل مختلف بشكل مذهل عن غيره من الرهبان، ليس بنقاوة قلبه وبساطته وصلاحه وحسب بل لأنه يلامس قلوب كل الذين يلتقيهم ويكشف لهم تفاهة ما يرون أنه مشكلة كبيرة في حياتهم.
سؤال: ما اسمك أيها الشيخ؟
الأب ميخائيل، الخاطئ الدنيء، البائس، والقذر.
كم من السنين مضى عليك هنا؟
لا يهم أيها الحبيب. المهم أن يحصل المرء على ما يحتاج إليه، أي أن يقوم بواجباته بشكل مستمر
وما هي واجباته؟
الصوم، السهر، الصلاة، تلقي الهدايا السماوية، كما يقول الإنجيل. ومَن يحفظها بشكل مستمر؟
أنت، ألا تحفظها؟ لنأخذها واحدة واحدة. ألا تصوم؟ أنت لا تأكل الإثنين والأربعاء والجمعة.
مَن قال لك هذا؟ وماذا لو أكلت مضاعفاً الثلاثاء والخميس والسبت، أين يكون صوم الأربعاء؟ الليمونة تساوي البيضة. ما معنى ألا آكل بيضة بل ان آكل ليمنوتين؟ ولكن لا ننسى، الصوم ليس انقطاعاً عن الأكل وحسب. الصوم هو بالدرجة الأولى إماتة الأهواء وشلّ الحواس أكثر منه الامتناع عن اللحم والجبن والحليب.
أأنت وحدك هنا أم يعيش معك أحد؟
أنا وحيد. وحدي. ىبالطبع هذا يعني أن رفقتي هي مع الله. ما من أحد يعيش وحيداً. من دون الله، الحياة تصير جحيماً.
بماذا تشغل نفسك؟
أمارس العمل اليدوي، أصنع صلباناً مكبوسة. عندي آلة كبس.
هذه الطريقة لتكسب معيشتك؟
ليس هذا وحسب، بل مع فائض. أتمنى لو كان معى آخر ليأكل. المواد موجودة لله المجد. ما ينقص هو الفضيلة. أنا لا اردد كلمات أو مبالغات بل الحقيقة.
لكن الخطيئة تضاعفت في العالم. هل تعلم ذلك؟
ماذا، وكأن الأمر مختلف على جبل أثوس؟ وكأنك تقول أن في العالم الخطيئة زادت كثيراً، ومن ثم النعمة زادت. ربما يمكنك أن تخبرني عن مكان ازدادت فيه النعمة بشكل كبير؟ أخبرني لأهنئك.
أليس هناك أشخاص أصحب فضيلة في الجبل؟
كل إنسان هو صالح ومقدس. أنا الأحقر بين الرهبان. راق الرهبان الذين يعيشون على جبهة النار في الأديار حيث هم ملزَمون بعمل الطاعة. كل مَن عنده طاعة عنده محبة واتضاع وصبر.
ونحن العلمانيون، مَن علينا أن نطيع؟
في عائلتكم، مع زوجتك وأولادك. مثلاً، على الرجل أن يكون مطيعاً لزوجته وأولاده في العائلة. لا ينبغي بالرجل المتزوج أن يفرض رأيه على عائلته بطريقة قاسية وصلبة، بل عليه أن يخضع ايضاً باسم المحبة. الطاعة ليس واجباً على الرهبان وحدهم، بل على كل مسيحي. فكّر في أب روحي، أو أب اعتراف، يريد دائماً ان يفرض رأيه على المعترفين عنده، فرضاً باسم الفضيلة. ماذا تقول، أهو أب روحي حقيقي؟ أظن أن على المعرّف نفس المهمّة، أي أن يطيع أبناءه الروحيين أقلّه اهتماماً بالحفاظ على الوحدة في الكنيسة، ولكي يقبل الناس وصايا الله بحرية ورغبة لا تحت الضغط.
إذاً، أيمكن أن يخلص العلمانيون أيضاً؟
ما الذي تقوله؟ الناس في العالم ليسوا في موقع دون الرهبان، وأظن أنها خطيئة عظيمة في وضع التصنيفات في الكنيسة على أساس أمور صبيانية، كالتساوؤل عن اي طريق هو الأفضل، الرهبنة أم العالم؟ أنت تعرف، كل الشوارع والممرات والطرق والأزقة تخدم نفس الحاجات الأساسية للحياة. كل الطرق تقود إلى الله. مَن يدعوه الله ليكون راهباً يستجيب. وإلا إذا ترك كل الناس مدنهم وقراهم ودخلوا الأديار، فسوف يأتي يوم ينقرض فيه جنس الرهبان من الأرض.
أتندم على قدومك إلى هنا؟
بنعمة الله أندم على كل شيء إلا هذا. بالتأكيد لا. طبعاً لا. إلى هذا، أتظن أننا نفهم كيف وصلنا إلى هنا أو أننا نسكن لوحدنا؟
لكن مع مَن؟
مع الله. ما من إنسان يستطيع أن يقى ثانية لوحده.
أرأيت الله في إحدى المرات؟
ماذا أستطيع ان أجيب الآن؟ السؤال يبدو نوعاً ما….
غبياً؟ قلها.
ليس غبياً، بل يشبه قول توما أنه لا يؤمن إن لم يرَ بعينيه.
لكنك تعرف أن إيماني ضعيف.
أنا أسوأ.
ارأيت بعض المعجزات؟
نحن نرى المعجزات كل يوم. لكن أنت تعلم أن الرجل الشرير حتّى لو رأة آلاف المعجزات لن يؤمن. حتّى لو قام ميت من الميت، لن يؤمن.
ما المعجزات التي رأيتها؟
أهناك معجزة أعظم من هذه هنا؟ أنا، الحقير الذي يُرثى له، أعيش كراهب في الصحراء. اصنع لي خدمة. أريد أن أستوعب هذا الأمر. أهناك معجزة أعظم؟ أرى أن هذا معجزة بالمطلَق. أو انظر إلى الآخرين. أن يأتي الكثير من الشبان من زوايا الأرض الأربع، من كل العالم، واحد من أفريقيا، آخر من آسيا، وآخر من أوروبا، ويمكنك أن تجدهم اليوم هنا على جبل أثوس. أليس هذا معجزة؟
كم من المثقفين أتوا إلى جبل اثوس. اليس هذا مهماً؟
ماذا تفعل مع العلم؟ إنه جيد، لكن بدء الحكمة مخافة الله. إن لم يكن الله في داخلك، لا قيمة لعلمك.
ذكرت وسائل الإعلام مؤخراً بعض الفضائح المتعلّقة برجال الدين. ما الانطباع الذي تركه هذا الأمر عليك؟
من السهل على كل واحد منا أن يسقط. هذا خطر معرّضون له الناس حتى مع التقدم بالعمر. وحده شاهد القبر يخرج الإنسان من هذا الخطر. لكن المزحة هي القول بأن الفضيحة العظمى في الكنيسة هي سقطات البشر. هذه ليست الفضيحة العظمى، بل بالأحرى سقوط الكنيسة أمام تحديات هذا الزمان هي الفضيحة الأكبر. الكنيسة التي تمسك بالحقيقة تحفظها مخبأة ولا تخرجها إلى النور. سكوت الكنيسة المذنب هو أكبر الفضائح اليوم.