من هو المسكين بالرّوح
إعداد راهبات دير القديس يعقوب المقطّع – دده، الكورة
عندما نتحدّث عن أغنياء هذه الدّنيا المحدودة نقول: “كم عند زيد من البنايات وكم عنده من المصانع. فلان كم عنده من الأملاك. فلان ذو أموال كثيرة”. نقول هذا منذهلين مع معرفتنا التّامة بأنّ جميع هذه يتفرّغ منها الإنسان بالموت.
أمّا المسكين بالرّوح فيبلغ ملكوت السّماوات ويشاهد مجد الله ومنه لا يتفرّغ. وتقول الفلاسفة إنّ الأرض وما فيها لا توازي جزءاً من السّموات، لذلك جئنا بكلمتنا هذه لنعرف من هو ذلك المسكين بالرّوح، والسّعيد، الذي له ملكوت السّماوات.
فالمسكين بالرّوح هو المتواضع برأيه، والذي يدافع عنه دون تعصّب أعمى، ويتوكّل على الرّبّ التوكّل الرّوحيّ. المسكين بالرّوح هو الذي يطرح عنه كلّ الاهتمامات الدّنيويّة والكبرياء وهو الذي يعيش زماناً هادئاً.
المسكين بالرّوح هو الذي يشاء أن يخلص الكلّ ويُقبلوا إلى المعرفة. وهو الذي لا يتعظّم بأرائه. المسكين بالرّوح هو الذي تلطمه على خدّه الأيمن فيحوّل لك الأيسر، لا خوفاً منك بل حبّاً بخلاصك وطوعاً لوصايا السّيّد، هو الذي يصنع السّلامة أمام الله والنّاس، والذي قلبه نقيّ فيشاهد إذاً الله في كلّ حين، وهو الوديع والمتواضع القلب الذي يمزّقه الحزن عندما يجد النّاس يهملون كلام الله.
المسكين بالرّوح هو الذي يجوع ويعطش إلى البرّ، يحبّ المعرفة وينشدها دائماً. وهو الذي يغتبط أو يكون مسروراً عندما يُضطهد من أجل تعاليمه المستقاة من الإنجيل. وهو الذي يحبّ وصايا الله.
المسكين بالرّوح هو ليس من يشاء أن يرحم فقط، بل الذي يعمل الرّحمة روحيّاً وجسديّاً كلّما وجد إلى ذلك سبيلاً، وهو الذي تراه دائماً مشغولاً بتلك الرّحمة المنشودة.
المسكين بالرّوح هو ليس ذلك الذي لا يقتل، بل الذي لا يشاء أن يقتل، ولا يشاء أن يغضب ولا أن يحقد ولا أن يلعن ولا يشتهي المضرّة لأحد، وعندما يصطدم بأمواج التّجربة لا يعثر، بل يثبت على قاعدة الإيمان والرّجاء والمحبّة ويرتقي على درجة الكمال.
المسكين بالرّوح هو الذي يعترف بأنّ الله خلق من دم واحد جميع الشّعوب السّاكنين على وجه الأرض، ويعترف بأنّ الله لا يميّز الواحد عن الآخر إلا إذا امتلك ثلاثة أشياء: الإيمان بالله، والعمل المرضيّ لله، والعقل الذي تنتج عنه قوّة المعرفة بتفسير كلمة الله وتعليمها.
أخيراً المسكين بالرّوح هو الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطأة لم يقف، وفي مجلس المستهترين لم يجلس. لكن في ناموس الرّبّ مسرّته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً. وقد قال عنه النّبي والملك داود في المزمور الأوّل: إنّه يكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر.