رد في كلمات على مقالة “حوار حول الأرثوذكسية”
ربيع نصور
قرأنا بسعي وجهد مشكورين من الأب أثناسيوس بركات ترجمةً لحوار حول الأرثوذكسية والذي يظهر فيه شخص يبحث عن الحقيقة و أرثوذكسي مستقيم الرأي يملك الحقيقة، بادئ ذي بدء إنه ليس هناك من رأي أرثوذكسي موحد في الكثير من القضايا وهذا ربما دليل عافية على قدر ما هو دليل مرض إلا أن هذا الاختلاف في الآراء و المواقف لا ينسحب البتة على الأمور العقائدية، أقله حتى وقتنا الراهن، وذلك لإدراكنا أرثوذكسياً أن العقيدة فيها خلاص ولولا ذلك لما كلفتنا_ أي العقيدة _ شهداء ومعترفين بهذا المقدار.
أجل إني أؤمن أن في العقيدة بُعدٌ خلاصي و لهذا أردت هنا الرد على ما جاء في الحوار المذكور آنفاً لما يحويه من خطأ خلاصي عقائدي بالإضافة لتعليقي على بعض القضايا الأخرى بغية تبيان أن هناك آراء أخرى أرثوذكسية مختلفة وهذا ما سأعالجه في مقال آخر.
مما لا شك فيه أنني لا أسعى بجوابي هذا أبداً لهرطقة أي شخص إنما حرصاً مني على نقاوة الإيمان و عدم تسرب أفكار خاطئة بإطار أرثوذكسي في مفاهيم شبابنا، كما لا أدعي أني الوحيد الذي يملك الحقيقة و المدافع عنها فأطلب من الجميع تقبل ردي من باب الغيرة الخلاصية و المحبة الخالصة لكنيستي ليس إلا.
في العدد الرابع من السنة السادسة /كانون الثاني2010 قسم المسكونيات من مجلة التراث الأرثوذكسي الالكترونية، يأتينا الأب فلاديمير موسّ بالحوار حول الأرثوذكسية القسم1، السؤال رقم 8 /غير مرقمين/ في السطر الأخير من الجواب بما يلي ” فإن الخطيئةَ الأصلية (أو الجدية نسبةً إلى الجدَّين آدم وحواء) تُمحى، فقط، في جرن المعمودية” و هذا خطأ لاهوتي عقائدي كبير دخيل بتأثير غير أرثوذكسي على فكرنا لأنه بمراجعة بسيطة للمفهوم الأرثوذكسي للمعمودية لن نرى أي تعبير يدل على ذلك بل على العكس سنجد دحضاً واضحاً لهذه الفكرة التي دخلت بتأثير كاثوليكي تأثّر بدوره بالمغبوط أغسطين ونجد هذا واضحاً في قول الأب منير سقاّل عندما يتحدث عن الخطيئة الجدية في المفهوم الكاثوليكي فيقول: ” لو حددنا أن العماد هو ” السر الذي يمحو الخطيئة الأصلية ” لابتعدنا عن الحقيقة . هذا اللاهوت الخاص بالخطيئة الأصلية وبالعماد ليس تقليدياً في الكنيسة (الكاثوليكية) ولا يجد جذوره في الكتاب المقدس ، بل علمه القديس اغسطينوس : العماد يمحو الخطيئة الأصلية التي تطبع كل إنسان منذ ولادته . نحن لا ننكر الخطيئة الأصلية ، ولكن اقتصار العماد على محو الخطيئة الأصلية يؤدي إلى طريق مسدودة وإلى التباس . بينما يجب أن ننظر إلى الناحية الإيجابية . فالنور هو الذي يرينا الظلمة إذ يخلصنا منه ، فالاتحاد الذي يدخلنا فيه العماد يكشف التفرقة التي يجنبنا إياها . ” المعمودية هي … رباط الوحدة السري القائم بين الذين تجددوا به) ” ح م 22 )، العماد إذاً هو أصلاً الانتماء إلى جسد المسيح، إلى العيلة الإلهية ” أبناء حبل بهم من الروح القدس ومولودون من الله ” ( ك 64 ) ، هذا الانتماء هو المفعول الأول وهو الذي يمحو الخطيئة الأصلية ، كما أن حلول النور هو الذي يقصي الظلمة ، كما يمحو الخطايا الشخصية عند البالغين لكن الميل إلى الشر يبقى في المعمدين “.(1)
إن قبولنا بالخطيئة الجدية خطيئة لكافة البشر سيوقعنا بنظرة ظالمة لله المنزه عن الظلم، فهو لا يمكن أن يحمّل البشرية أخطاء بعضهم، أخطاء أسلافهم … و هذا ما يشجبه بصراحة كتاب الدليل الرعائي للأسرار الذي يؤكد بعبارة صارخة في مقدمة حديثه عن معاني سر المعمودية فيقول: ” والمعمودية ليست محواً لخطيئةٍ جديةٍ ورثناها من آدم، إنها الولادة الجديدة من فوق بعد أن صار الإنسان يولد بطبيعة فاسدة مستعبدة للموت”(2).
و إذا ما أمعنا النظر في فكر اللاهوتي الأرثوذكسي العظيم نقولا كابسيلاس في كتابه “الحياة في المسيح”(3) لا نجد إلا تأكيداً على أن المعمودية في حقيقتها الأولى والأخير هي ولادة في كنيسة المسيح ولو حملت ما حملت من غفران الخطايا وذلك لأن الحياة في المسيح يسوع قائمة على توبة دائمة من قبلنا و غفران دائم من قبل ربنا.
أما قديسنا الذهبي الفم يوحنا، ففي عظاته عن المعمودية يبين لنا حقيقة هذه الولادة التي هي عربون دخول في الحياة الروحية، في شركة هذه الجماعة التي أعلنت أن يسوع المسيح هو ربها ومخلصها(4).
وبالتفتيش في زاد الأرثوذكسية(5) سنجد أن لا رابط البتة بين المعمودية وخطيئة الجدين الأولين. بل المعمودية هي دفن لإنساننا العتيق لنلبس الجديد، ندفن فيها ونقوم مع الرب يسوع، ولأني في الحقيقة لست بصدد شرح سر المعمودية بل بصدد تبيان الخطأ الوارد لذلك لابد لي من أن أعود لكتاب مرشدنا الكبير كوستي بندلي ” الله والشر والمصير” الذي يقولها كما الدليل الرعائي بكل صراحة ووضوح في معرض حديثه عن انتقال الخطيئة الجدية ” ليست القضية قضية خطيئة ارتكبها أحد الأسلاف وانتقلت إلينا، فالإنسان في المنظور الأرثوذكسي، لا يولد مذنباً، إنما قضية مناخ خطيئة نولد فيه وننشأ ونحيا.”(6)
إن الكنيسة الأرثوذكسية فهمت معنى حديث الرب يسوع مع نيقوديموس حول الولادة من فوق ولادة الماء والروح (يو 3 : 1 – 16) كما و فهمت بوضوح كلمات الكتاب المقدس حول خطيئة الجدين الأولين، وكيف أن الجنس البشري حمل نتائج هذه الخطيئة من ضعف وموت وحزن وألم وشهوة… وقطع للشركة الإلهية من قبل البشر وكيف كان الفداء عربون لعودة هذه الشركة من قبل الإله. كما وعت أيضاً إلى أن الإشكال الكبير في مفهوم الخطيئة الجدية عند غير الأرثوذكسيين يكمن أولاً في فهم حالة الإنسان الأولى(7) وثانياً في النظرة للشخص البشري /الإنسان/. فالله المحبة، الله العدل، لا يمكن أن يدين الناس على أعمال غيرهم، ويحاسبهم على خطايا لم يقترفوها و هذا ما نجده على لسان رسوله بولس :” الذي يجازي كل واحد على حسب أعماله” (رو2: 6) وليس أعمال غيره. (8)
1. سقال، الأب منير. العماد، اندماج في موت يسوع وقيامته.. http://www.talimmasihi.com/ahadis_other_030.htm
2. الدليل الرعائي للأسرار، بطريركية انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. مؤسسة دبس. 1996. ص 30.
3. كابسيلاس، نقولا. الحياة في المسيح. ترجمة البطريرك الياس الرابع. تعاونية النور الارثوذكسية. 2002.
4. الذهبي الفم، القديس يوحنا. في المعمودية. ترجمة البطريرك الياس الرابع.
5. أليفيزوبولوس، الأب أنطونيوس. زاد الأرثوذكسية. منشورات النور 1997.
6. بندلي، كوستي. الانجيل على دروب العصر 12، الله والشر والمصير.تعاونية النور. ط2. 2007. ص 131.
7. أمالي الأب جورج عطية، البلمند.
8. الكتاب المقدس ، ترجمة فاندايك.. 2000.