يسوع وحده هامة الجميع
الأرشمندريت توما بيطار
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
يوحنّا، بشهادة الرّبّ يسوع، أعظم مواليد النّساء، وأيضًا، أفضل من نبيّ. عاش في البرّيّة، وتروّض على عشرة الله، وأفرغ نفسه. أخذ صورة عبد، وكان غيورًا على ما لله، في منتهى الغيرة. كان ناريًّا، وقال الحقّ، ولم يأبه لقوى الظّلمة ورئاسات هذا الدّهر. وضعوه في السّجن، وضايقوه، لكنّه كان متمسِّكًا بقول الحقّ. ولمّا كان في السّجن، جرّبه إبليس. هناك، كان كأنّ نعمة الله تركته وحيدًا. كان هناك كيسوع لمّا عُلِّق على الصّليب، وصرخ: “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!”. لم تتركه نعمة الله، لكنّه خبر الظّلمة إلى أن شكّ بيسوع! وعلى ذلك، أرسل اثنين من تلاميذه يقولان له: “أأنت هو الآتي، أم ننتظر آخر؟!”. هذه كانت الخطوة الأولى من تجربة إبليس له.
الخطوة الثّانية كانت أن يتنكّر ليسوع، ليخرج من السّجن. لكنّه لم يقع في مطبّ الشّيطان هذا، لأنّ نعمة الله حفظته. ولو لم تحفظه، لسقط فريسة خباثة إبليس. الإنسان، في كلّ حال، أضعف من أن يثبت في معركة الحقيقة. بطرس مرّ في تجربةٍ شبيهة بتجربة يوحنّا. بعدما أنكر يسوع ثلاثًا، استرسل في بكاء مرّ. ولكن، هنا أيضًا، حفظته نعمة الله، وإلاّ كان حصل له ما حصل ليهوذا الإسخريوطيّ. يوحنّا كان سليم الطّويّة، وكذلك بطرس. ونعمة الله تحفظ الأطفال، تحفظ السُّلماء في قلوبهم. أمّا يهوذا الإسخريوطيّ، فسقط في تجربة إبليس، وقتل نفسه، لأنّه بلغ حدّ اليأس. من دون نعمة الله، الإنسان يائس. ولكن، الرّبّ يحفظ الأطفال في قلوبهم، يحفظ ذوي النّيّة النّقيّة. لذا، كان علينا أن نعمل، في كلّ حين، على تنقية نوايانا. بنقاوة النّيّة، ننحفظ بنعمة الله من خطيئةٍ عظيمة. اليأس، في نهاية المطاف، هو الخطيئة الكبرى، وهو الجبّ الّذي يسعى الشّيطان لأن يوقعنا فيه. يوحنّا، عندما كان في السّجن، ومرّ في تجربة الشّكّ، قال كلامًا أبان ضعفَ نفسه. ولكن، لأنّه حفظ الأمانة لله، في مستوى النّيّة أوّلاً، وفي مستوى الفعل قدر طاقته، بات مستعدًّا لأن يقبل أن تُقطَع هامته. النّعمة الإلهيّة هي الّتي فعلت ذلك. ولولا هذه النّعمة، لما كان يوحنّا قادرًا على أن يقدّم هامته. إذًا، “بالنّعمة أنتم مخلَّصون”، وذلك ليس منكم، هي عطيّة الله”.
المهمّ، في سعينا، كلّ يوم، إلى وجه الله، أن ننقّي نوايانا، وأن نحذر اليأس، لأنّ الشّيطان يأتي دائمًا ليقول لنا: “لا خلاص له بإلهه”. هذا ما قاله، في كلّ حال، بلسان العابرين الّذين وقفوا عند صليب الرّبّ يسوع، وقالوا له: “إن كنتَ أنت ابن الله، فانزل الآن عن الصّليب، لنؤمن بك”، وكأنّهم كانوا يقولون له: “أنت لست ابن الله، والله تخلّى عنك. إذًا، بإمكانك، بل عليك أن تيأس”. الشّيطان كان يقول له إنّ عليه أن ييأس! وهذا ما يسعى لقوله لكلّ واحد منّا في سعيه. لهذا السّبب، ننقّي أنفسنا ونوايانا، في كلّ حين، ونذكّر أنفسنا دائمًا بالقول المزموريّ: “الرّبّ يرعاني، فلا شيء يعوزني”، و”إلى الرّبّ صرخت في ضيقي، فاستجاب لي، ومن جميع أحزاني نجّاني”. مَن ثابر على ذلك، ولوكان ضعيفًا، ولو مرّ في تجارب، فإنّ النّعمة تحفظه، ويكون مستعدًّا، في نهاية المطاف، لأن يقدّم هامته إلى الرّبّ يسوع، لكي يصير الرّبُّ يسوع وحده هامة الجميع.آمين.
عظة حول متّى11: 2 – 11، الأربعاء 24 شباط 2010