الحياة خارج الأرض
الأب يوحنا رومانيدس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
[نشر خبر في 10 تشرين الثاني 2009 مفاده أن الفاتيكان دعا العلماء إلى دراسة إمكانية وجود حياة خارج الأرض ومعنى ذلك بالنسبة للكثلكة. مدير المراقب الفاتيكاني علّق بأنّ هكذا اكتشاف سيكون ذا “تأثيرات فلسفية ولاهوتية” بالنسبة للكاثوليك. المقال التالي كتبه الأب يوحنا رومانيدس ونُشِر في بوستون غلوب في 8 نيسان 1965]
لا أستطيع أن أرى مسبقاً أيّ شكل لتأثّر تعليم التقليد الأرثوذكسي باكتشاف كائنات ذكية على كوكب آخر. بعض زملائي يشعرون بأنّ مجرّد مناقشة نتائج هكذا إمكانية هو بحدّ ذاته مضيعة للوقت بالنسبة للاهوت الجديّ ويقارب حافّة البلاهة. أنا أميل لموافقتهم الرأي لعدة أسباب.
المشكلة، كما أفهمها، هي أنّ اكتشاف حياة عاقلة على كوكب آخر سوف يطرح أسئلة تتعلّق بالتعاليم التقليدية لدى الكثلكة والبروتستانت في ما يتعلّق بالخلق والسقوط والإنسان كصورة لله والفداء وعصمة الكتاب المقدّس.
أولاً تنبغي الإشارة إلى أنه، على عكس التقاليد المشتقّة من المسيحية اللاتينية، ليس للمسيحية الرومية فهم متزمّت أو حرفي للوحي الكتابي ولم تكن يوماً ملتزمة بعصمة الكتاب المقدّس في الشؤون المتعلّقة ببنية الكون والحياة فيه. في هذا المنظار، بعض محاولات نزع الخرافة عن الكتاب مثيرة للاهتمام وأحياناً مسليّة.
منذ القرون الأولى للمسيحية، لم يعتقد لاهوتيو التقليد الرومي أبداً، كما فعل اللاتين، بأنّ البشرية خُلِقَت في حالة من الكمال التي سقطت منها. على العكس، الأرثوذكسية آمنت دائماً بأنّ الإنسان خُلِق غير كامل أو على مستوى منخفض من الكمال، على أن قدره هو التطوّر نحو مستويات أعلى من الكمال. وعليه، فإن سقوط كلّ إنسان هو فشله في بلوغ الكمال، أكثر منه سقوط جماعي من الكمال. أيضاً، التطور الروحي لا ينتهي في رؤية طوباوية ثابتة، بل هو عملية بلا نهاية تستمرّ حتى إلى الأبدية. فالأرثوذكسية، كاليهودية، لم تعرف عقيدة الخطيئة الأصلية كما عرفها اللاتين والبروتستانت على أنّها ذنب موروث من آدم يجعل كل البشرية موضوعاً لغضب إلهي كان من المفترض أن استرضاؤه تمّ بموت المسيح.
وهكذا، فإن الآباء الروميين لم يعرفوا تكافل الجنس البشري في الذنب الآدمي والحاجة إلى استرضاء العدالة الإلهية لتلافي الجحيم. هذا يعني أنها تنظر إلى ترابط الخليقة وتكافلها وحاجتها للفداء والكمال بضوء مختلف.
يؤمن الأرثوذكس بأنّ مصير كل الخليقة هو الاشتراك في مجد الله. المدان والممَجَّد سوف يخلصان. بتعبير آخر، كلاهما سوف يعاينان الله في مجده غير المخلوق، مع فارق أنّه بالنسبة إلى الآثم هذا المجد الإلهي غير المخلوق سوف يكون نار الجحيم الأبدية. الله نور للذين يتعلّمون أن يحبّوه ونار آكلة للذين لا يتعلّمون. ليس لدى الله أي نيّة للعقاب. معاينة الله هي خبرة مطهّرة للذين لم يستعدّوا بالشكل المناسب، لكنها خبرة لا تتحرّك أبدياً نحو أهداف أسمى من الكمال. على العكس، الجحيم هو حالة ثابتة من الكمال مشابهة إلى حد ما للجنّة الأفلاطونية.
من هذا المنظار، لم يرَ الأرثوذكس في الإنجيل كوناً من ثلاث طبقات، حيث الجحيم الذي فيه النار المخلوقة تحت الأرض بينما الملكوت في النجوم. بالنسبة للأرثوذكس، اكتشاف حياة عاقلة على كوكب آخر سوف يثير أسئلة حول مدى تقدّم هذه المخلوقات في المحبة واستعدادها للمجد الإلهي. كما على هذا الكوكب، كذلك على غيره، حقيقة أنّ إنسان ما لم يعرف بعد ربّ المجد الذي في العهدين القديم والجديد، لا تعني أنّه تلقائياً مُدان إلى الجحيم، تماماً كما أنّ قدر الذي يؤمن بالمسيح ليس بالضرورة أن يكون جزءً من الحركة الأبدية نحو الكمال. أيضاً من الضروري الانتباه إلى أنّ الآباء الروميين يشددون على أنّ نفس الإنسان هي جزء من الخليقة المادية وإن تكن شكلاً سامياً لها، وبطبيعتها غير مائتة.
الحياة بعد الموت لا تعود إلى طبيعة الإنسان بل إلى مشيئة الله. إذاً، الإنسان ليس صورة الله بالمعنى الصارم. وحده ملك المجد، أو ملاك الربّ في إعلان العهدين القديم والجديد هو صورة الله. الإنسان مخلوق بحسب صورة الله، ما يعني أنّ قدرَه هو أن يصير مثل المسيح الذي هو صورة الله المتجسّدة.
إذاً، يُفتَرَض أنّ إمكانية وجود كائنات عاقلة على كوكب آخر، وهي في الوقت نفسه صور لله مثل الإنسان على الأرض، غير واردة ولا حتّى كسؤال من وجهة النظر الأرثوذكسية. ختاماً، يمكن الإشارة إلى أنّ الآباء الأرثوذكسيين رفضوا المعتَقَد الأفلاطوني بالنماذج الأصلية الثابتة التي يشكّل هذا العالم المتغيّر صورة فقيرة عنها. هذا الكون والأشكال التي فيه فريدون والتبدّل هو من طبيعة الخليقة وليس نتيجة للسقوط. إلى هذا، فئات التبدّل والحركة والتاريخ تنتمي كلّها إلى الأبعاد الأبدية للخلاص-التاريخ ولا ينبغي نبذها في بعض أشكال السعادة الأبدية. وعليه، تأثّر معتقدات الأرثوذكسية التقليدية سوف يكون ضئيلاً في حال وجود حياة عاقلة على كوكب آخر، سواء كانت متخلّفة عنا أو متقدّمة علينا بما بلغته عقلياً وروحياً.