كفانا تقييداً لله
ربيع نصور
لكل منّا فرادته، ولكل منّا طريقته في التعامل مع الأمور، إن كنتَ تخطأ فكراً وقلباً وروحاً في هذا الأمر أو ذاك فليس الجميع مثلك، وإن كنت ذا فضيلة هنا أو هناك فليس الكلّ شبيهين بك، الشخص هو الشخص مهما كبر أو صغر، والله يرى هذا الشخص ويحاسب هذا الشخص بمفرده. كفانا فتاوى، كفانا “فهمنة” على الآخرين، فلنلتفت للحزانى ومنكسري القلوب، للمتألمين والجياع، للضائعين في متاهة هذه الدنيا. كفانا تنظيراً في الحياة الروحية كأنها في كوكب آخر، فلنعلّم أن المسيح بينا و”فينا”، يحبّنا كما نحن يريدنا على مثاله.
أحببنا بإلهنا بساطته فهل سلكنا فيها؟ أحببنا بإلهنا جرأته فهل نحن كذلك؟ أحببنا بإلهنا حبّه للحياة، حبّه للفرح، حبّه للسلام مع الآخرين، أحببنا فيه تقبلّه للكلّ، للزواني، للخطأة، أحببناه لأنه توق دواخلنا.
كفانا تعقيداً للحياة مع الله، فلنعلّم الناس أن الإله قريب جداً يسكن بيننا وفينا ويريد قلوباً نقية خالية من الكره والبغض والأنا، قلوباً تتعامل مع كلّ الأمور بطهارة لأنها طاهرة، قلوباً لا تعج بالقوانين المفسّرة على هوانا، بل قلوباً كأنها مروج خضراء يسترخي فيها كلّ من هو تعب، مروجاً تغذّي الآخرين من ثمار النعم الحاصلة من الرب.
تعبنا من ربط علاقتنا الحقيقية الصادقة مع إلهنا بما يجري في سرير زوجين أو في رقصة عاشقين أو طمس امرأة، فأصبحت ميولنا الجنسية والحسية التي وضعها الله فينا عقبة في علاقتنا به، وبدت لنا الطهارة لأهل البراري فقط، وكأن طبيعتنا البشرية التي ليست منا ولا هي لنا عقبة أيضاً، وأن من يحيا بشكل اعتيادي وطبيعي لا يمكن أن يرث الحياة الأبدي، وأن الله يقف ما بعد حدود معينة من لا يجتازها يفقد إكليل القداسة الذي لله وحده الحق في تقديمه لمن يشاء.
تعبنا من زج الله في قوقعة التواضع المزيف، والصمت المزين كالقبور، من رسم الله كمحارب يحمل سيف الطاعة الكذّاب. إنني أؤمن أن تواضع الرب وصمت القديسين وطاعة الآباء كانت في الحق وللحق وليست أدوات زينة أو أسلحة بوجه الآخرين. هل نسينا أن إلهنا المتجسّد كان ثائراً، لا يخاف الموت لأجل الحق، لم يصمت على خطأ، لم يحابِ الوجوه، فأرادنا أن نكون كمثاله وديعين متواضعي القلوب، وذلك ليسكن فيها، ونكون راحة للآخرين، وكمثاله ناطقين بالحق، غير خائفين، سائرين في طريق شهادة الحق، كما شهد هو لأنه هو الحق.
الرجاء كفانا فتاوى من أعلى القبب، كفانا تقييداً لله في سجن المحرّمات، فلننزل إلى الناس. لنرى ضغط الحياة ولنشقّ طرقات الأمل بدل طحن الناس في الطاحون المهرطقة والمضيّقة سبل الخلاص.