إلى الذين يرتدون الأسود حداداً
الميتروبوليت لعازر بوخالو (رومانيا)
لاحظ هذا الأسقف أن الكثيرين من أبنائه فوجئوا عندما أقام خدمة الجنّاز بثياب بيض. فقد كانوا يفتكرون، على غرار الأغلبية، بأن الثياب السود هي أكثر ملاءمةً للحزن والحداد في الجنانيز والذكرانيات. ما يلي هو مختارات من عظته حول هذا الموضوع.
“افرحوا أيها الإخوة بالرب، وأيضاً أقول افرحوا”. إن ارتداء الأسود حداداً يعود إلى الأزمنة الوثنية. الغرب اللاتيني حافظ على هذه العادة وضمّنها في تقليده لأن تعليمه اللاهوتي عن الجنة والنار لا يترك مكاناً لرحمة المسيح بل للندب وكأن لا رجاء بعد الموت. لكن ارتداء الأسود للدلالة على المبالغة بالحداد يتعارض مع الإيمان الأرثوذكسي كما أنّه معاكس للكتاب المقدّس. نحن نحزن في الجنازات لكننا لا نندب الراحل بل نأسف لأنفسنا لأننا نُحرَم من حضور مَن نحب. لكن أن نجعل الحَدَث وقتاً للندب والسواد، فهذا يظهر أننا ضعفاء في الإيمان وأننا نسينا المسيح ومحبته. يتوجّه أبونا القديس يوحنا الذهبي الفم إلى لابسي الأسود: “ماذا تفعلون، أنتم الذين تدنّسون يوم القيامة هذا؟ أنتم الذين تتمسكون بأسود الحداد ألا تؤمنون بالمسيح؟ لماذا تخزون هذا الراحل؟ لماذا تحولون الراحة إلى خوف ورعدة عند الموت؟ لماذا تدفعون الناس إلى توجيه التهم إلى الله؟ أنتم تقاتلون أنفسكم. لماذا تندبون كالوثنيين الذين لا رجاء لهم بالقيامة؟” علينا فقط أن نتبنّى فكره.
فليكس مؤرخ القرن الأول يوجّهنا إلى كيف ينبغي بنا أن نزيّن جنازاتنا في وصفه الجنازات المسيحية في الأزمنة المسيحية الأولى: “لا يوجد ندب في جنازاتنا. لماذا وجوده؟ نحن نزيّن جنازاتنا بالهدوء العظيم، كما نزيّن حياتنا. لا توضَع أكاليل الزهور التي تذبل على جبين الميت، لأننا نرجو أكاليل دائمة الاخضرار أبدية. بهدوء واحتشام، محفوظين في فيض إلهنا وتسامحه، نحن نُفعَم بهجةً بالرجاء بالفرح الآتي والثقة بعظمة الله الحاضرة. وهكذا نحن نرتفع بالبركة ونحيا بتأمّل ما سوف يأتي”.
تريدون أن نكفّن أنفسنا بالسواد خوفاً من الموت، من أجل أنفسنا أم من أجل الراحل؟ يؤدّبنا الأب أمبروسيوس أسقف ميلان في كلامه: “يرهب التافهون من الموت وكأنّه كلّه شرور. الحمقى يخشون الموت، إمّا لأنهم يظنون أنّه يعني الإبادة، أو لأنّهم مرعوبون بروايات عنه… مراتب الأبالسة، منحدرات الظلام العالية، وغيرها”. لنرمي هذه الأمور وراءنا، وتعالوا إلى فهم معنى الموت الأرثوذكسي، ولنضع جانباً ثيابنا السوداء غير الأرثوذكسية ولنفرح صارخين مع القديس غرغوريوس اللاهوتي: “أنا أؤمن بكلمات الحكماء، لأن كل نفس مرهفة ومحبة لله، عندما ترحل من هنا، تتقدّم مبتهجة للقاء ربّها… وتدخل فرح السعادة المهيأ لها”.
إن الثياب السوداء غير ملائمة ومعيبة للجنازات والذكرانيات الأرثوذكسية، وكأننا ندخل غرفة زفاف مرتدين ثاباً سوداء كئيبة. ألم تسمعوا بأننا نحتفل بالجنازات والذكرانيات؟ لا، فلنلبس ثياب الإكليل من البياض والذهب ولنرمِ جانباً الندب ونحمل الرجاء، كما يعلمنا أبونا يوحنا الذهبي الفم: ” لا مكان للدموع حيث تكون المعجزات وحيث يُحتَفل بهذا السر. اسمعوا لي، أنا أرجوكم… يُحتَفَل بسر عظيم عندما يرقد أحد ما. إذا كنا نجلس معاً وأرسل الإمبراطور في دعوتنا إلى قصره، أيكون من الصواب أن ننوح ونندب؟ ألا تعرفون أيّ سرّ يجري الآن، وكم هو رائع ومستحق للترنيم والمديح؟ إنّه سر عظيم من أسرار حكمة الله. النفس تتقدّم مسرعة إلى ربها، وأنتم تندبون؟ إذ كما أن الشمس تشرق ساطعة بهية، كذلك النفس بعد أن تترك الجسد بضمير نقي، تلمع بالبهجة… تترك النفس الجسد برفقة الملائكة، فكّروا في كيف ينبغي أن تكون! في أي دهشة، وأي روعة، وأي ابتهاج! فلماذا تندبون؟ هذا هو سبب الصلوات والمزامير والتمجيد لله: حتى لا تندبوا ولا تنوحوا بل بالأحرى لتشكروا الله الذي أخذ الراقد…”
إذاً لا يكلمني أحد بعد اليوم عن الثياب السود في الجنانيز والذكرانيات. إنّها فقط تلهي عقول شبابنا وتحوّل اهتمامهم عن إنجيل المسيح. إنّها ضد الأرثوذكسية بالكليّة ومخالفة لإنجيل المسيح. في جنازاتنا وذكرانياتنا فلنمزج حزننا بالابتهاج، وإذا عجزنا عن الابتهاج، فأقلّه فلنتعزّى بكلمات الذي وعدنا بأنّه “لا الحياة ولا الموت… تستطيع أن تفصلنا عن محبة الله التي في يسوع المسيح ربنا”.