هوّذا العريس مقبل
اختارته وأعدته للطباعة راهبات دير مار يعقوب، دده، الكورة.
من مجلة النّور عام 1951
يا إخوة لا أريد أن تجهلوا … (1تسا13:4) هذه هي الكلمات الأولى التي يستعملها الرّوح القدس بواسطة بولس الرّسول في الرّسالة التي تقرأ عادة في خدمة الجنازة في الكنيسة الأرثوذكسيّة لكي يعرّف الكنيسة بحقيقة كادت تنسى في هذه الأيّام. وهي أنّ المسيح وعد أصدقاءه قائلاً: “سآتي أيضاً وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً” (يو 3:14).
هل فكّرت مليّاً في معنى تلك الرّسالة التي تنتهي بقول الرّسول “عزّوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام” فإذا كنت لم تتأمّل في هذه الكلمات ولم تدرسها فكيف يمكن أن تكون مصدر راحة وتعزية لك وبواسطتك للآخرين؟ هل شعرت بالأمل والغبطة يغمران قلبك عند قراءتك عن مجيء الرّبّ! هل تهتزّ طرباً لمجرّد التّفكير بلقياه أخيراً وجهاً لوجه، هل يشتاق إليه قلبك كما يشتاق الأيّل إلى مجاري المياه؟ إذا كان الأمر كذلك فسيوضع لك إكليل البرّ الذي ينتظر جميع الذين يحبّون ظهوره (2تيمو 8:4). أم إنّك غارق في شؤون هذا العالم حتى أنّ مجيئه الآن يخيفك ويرعبك ويجدك غير مستعدّ بتاتاً فتكون حينئذ كالعذارى الخمس الجاهلات (متى 25) اللواتي يسعين بعد فوات الأوان وراء الفرص الضّائعة؟ فتسمع مثلهنّ تلك الكلمات الرّهيبة “لقد أُغلق الباب”.
“ففي نصف الليل” عندما يكون النّاس غير مستعدّين “صار صراخ هوّذا العريس مقبل فاخرجن للقائه… وأغلق الباب” (متى 6:25-10) وضاعت الفرصة إلى الأبد. وصرخت الجاهلات بحرارة وتعلّق وجنون: “يا سيّد افتح لنا ولكنّه أجاب: الحقّ أقول لكنّ إنّي لا أعرفكنّ” نعم هذا هو نفسه الذي يقف الآن خارج بابك قائلاً بحنان ها أنا ذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل وأتعشّى معه وهو معي (رؤيا 20:3). فكيف يجدك مجيء العريس يسوع؟ أمثل العذارى العاقلات أم مثل الجاهلات؟ لقد كان مع جميع العذارى مصابيح. ولكنّ نصفهنّ لم يكن في مصابيحهنّ زيت والزّيت في الكتاب المقدّس يرمز عادة إلى الرّوح القدس. هكذا المسيحيّون أيضاً فإنهم يعتمدون ويتناولون القربان المقدّس ويذهبون إلى الكنيسة ويتلون الصّلوات، ولكن بالرّغم من كلّ هذا قد لا يعرف المسيح معرفة قلبيّة شخصيّة إلا بعضهم فقط، لأنّ كلّ الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله (رومية 14:8) فهل أنت تحيا بالرّوح أو تقوم بواجباتك الدّينيّة بقوّة الجسد “جرّبوا أنفسكم هل أنتم على الإيمان. امتحنوا أنفسكم”.
إذا جاء المسيح اليوم فبأيّ حال يجدك يا ترى، هل يجدك منشغلاً في طلب الغنى؟ “والذي سقط بين الشّوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الدّنيا وغناها ولذّاتها ولا ينضجون ثمراً” (لو 14:8) “لأنّ محبّة المال أصل لكلّ الشّرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة” (1تيمو 10:6) – فهل نسيت ما يقوله لنا يسوع “بل اكنزوا لكم كنوزاً في السّماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون” (متى 20:6).
أو هل يجدك المسيح منغمساً في ملذّات هذا العالم وشهواته؟ ولكنّ رجال الإيمان يكونون مثل موسى “مفضّلين بالأحرى أن يذلّوا مع شعب الله على أن يكون لهم تمتّع وقتيّ بالخطيئة” (عبر 25:11). أفلا تعلم أنّ محبّة العالم هي عداوة لله (يعقوب 4:4).
أو هل يجدك مهتمّاً في شؤون هذا العالم الضّروريّة كالذين يقول عنهم يسوع شغلهم أن “يأكلوا ويشربوا ويتزوّجوا ويزوّجوا” . ألا تعلم أنّ الوقت منذ الآن مقصّر لكي يكون الذين لهم نساء كأنّ ليس لهم والذين يفرحون كأنّهم لا يفرحون والذين يستعملون هذا العالم كأنّهم لا يستعملونه (1كو 29:7-31). ألا فانظر إلى الحياة بمنظار الله يرجع كلّ شيء إلى مكانه الشّرعي “اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم” (متى 33:6).
قد تظنّ أنّ المساومة ممكنة وأنّ بإمكانك التّوفيق بين الإثنين – الله والعالم، أن تكون بين بين – ولكنّ المسيح يقول من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمع معي فهو يفرّق (متى 30:12). إذا لم تكن في حقل حصاد هذا العالم الواسع تجمع بالفعل وبالحقيقة مع المسيح فإنّك فعلاً وحقيقة تفرّق، وإن لم تكن معه قلباً وقالباً فأنت ضدّه قلباً وقالباً. لا توجد طريق وسط، إن كنت لم تكن في هذه الجهة فأنت حتماً في الجهة الأخرى. لا يمكنك أن تتأرجح بين الجهتين. كفّ عن خداع نفسك. إذا كانت كلمة الله المقدّسة لا تسرّك أكثر من أيّة كلمة أخرى وإذا لم تكن صحبة الأبرار تلذّ لك أكثر من صحبة أيّة جماعة فكيف يمكنك أن تفرح في السّماء حيث لا يوجد شيء سوى القداسة؟ لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسّوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرّبّ القادر على كلّ شيء (2كو 17:6-18).
والآن أنت يا أخي الذي تركت الطّريق السّهلة الواسعة وتبعت الطّريق الضّيقة الوعرة التي تقود إلى الحياة هل يجدك المسيح عند مجيئه حاضراً لكي يأخذك معه؟ “حينئذ يكون اثنان في الحقل. يؤخذ الواحد ويترك الآخر. اثنتان تطحنان على الرّحى تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى (متى 40:24-41). هل أنت في المكان الذي يريد المسيح أن تكون فيه متاجراً بالوزنات حتى مجيئه عندئذ سوف يقول لك: “نعمّا أيّها العبد الصّالح ادخل إلى فرح سيّدك”..
أو لربّما يكون الشّيطان قد خدعك فكرّست وقتك ونشاطك للأشياء الثّانويّة ناسياً أنّ المسيح سوف يأتي قريباً ويطلب منك بياناً عن أفعالك. هل يعطي حقلك ثلاثين أو ستّين أو مائة ضعف.
سأل واعظ شهير بعض المجتمعين حوله: هل تظنّون أنّ المسيح سوف يأتي هذه الليلة؟ فأجاب جميعهم بأنّهم لا يظنّون ذلك. عندئذ قال لهم بخشوع مقتبساً (لوقا 40:12): فكونوا أنتم إذاً مستعدّين لأنّه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان.
وسئل بعض الرّهبان ماذا يفعلون لو عرفوا أنّه لم يبق لهم في الحياة سوى يوم واحد. فأجاب واحد بأنّه يقضي ذلك النّهار الأخير كلّه بالصّلاة. وأجاب كلّ واحد منهم جواباً شبيهاً بهذا إلا واحد كان خادماً حقيقيّاً للرّبّ أجاب إنّه يعيش ذلك اليوم كما كان يعيش الأيّام السّابقة… ومن الجليّ أنّ هذا الأخير كان يحيا من يوم إلى يوم لمجد الله حسب الآية “وكلّ ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكلّ باسم الرّبّ يسوع شاكرين الله الآب به” (كولوسي 17:3).