توطيد العادات الحسنة
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
“العادة هي أمر عسير، ومن الصعب كسرها أو تلافيها… لهذا، بقدر ما يزداد فهمك لقوة العادة، عليك أن تزيد من سعيك إلى التخلّص من العادة السيئة وتغيّر نفسك لتتبنى عادة أخرى حسنة”. (القدس يوحنا الذهبي الفم).
يشدد العزم أن نعرف أن علماء القرن الحادي والعشرين يكتشفون بالطرق العلمية ما طالما الكنيسة عرفته وممارسته. من هذه الاكتشافات الحديثة هو أن تحويل ممارسة ما إلى عادة يستغرق حوالي الستة أسابيع أو أربعين يوماً. ففترة الأربعين يوماً كانت منذ العهد القديم المدة المطلوبة لتهيئة أمر مهم ما أو للتخلّص من شائبة ما. اليوم، الكنيسة تدعونا مرتين سنوياً إلى مدة مماثلة: قبل ميلاد السيد وقبل آلامه وقيامته.
فلنبقِ في فكرنا أن الحديث عن العادات قد يعني أموراً إيجابية أو أموراً سلبية. في حالة الحياة المسيحية، نتكلّم عن استبدال العادات السيئة بالعادات الحسنة. تُسمّى هذه العملية توبة، لأنّ العادات السيئة الخاطئة تقود إلى الموت بعيداً عن الله، بينما العادات الحسنة أو الفضائل تقود إلى الله وإلى الحياة الأبدية. غالباً ما نركّز على استبدال طرقنا عند بداية السنة أو بداية إحدى فترات الصوم، لكن كل الأوقات مناسبة لتشكيل عادة حسنة. في الحقيقة، أفضل الأوقات للخروج من عادة سيئة ما وتأسيس عادة حسنة هو في اللحظة الحاضرة: “هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ.” (2كورنثوس 2:6).
الحماسة هي عنصر أساسي للنجاح في تأسيس العادة الجديدة الفاضلة. علينا أن نفهم أنّ ليس كل ما في حياتنا صحيح؛ بل أن شيئاً ما بحاجة للتغيير. عندما ندرك هذا نزداد حساسية نحو هذا الشيء، إلى أن نبلغ درجة من الحماسة كافية لأن نقوم بشيء إيجابي من ناحيته. إنها اللحظة التي نكون فيها في أعلى درجات النضج للتغيير. مثلاً، الابن الشاطر كان يبذّر حياته في أرض غريبة بمال أبيه، ظانّاً أنّ كلّ شيء كان عظيماً. عندما صارت الحياة بشعة ومزعجة بدأ هذا الابن الضائع يدرك أنّ شيئاً ما ليس على ما يرام. تطلّع حوله فرأى الوحول والقشور والخنازير فراح يتذكّر حياته السابقة مع عائلته. مقارنة عريه وجوعه ووحدته بالبركة والامتلاء في حياته السابقة أعادته إلى وعيه. وصل إلى لحظة أدرك فيها أّنه بحاجة للتغيير، لأن ينهض من الوحل ويعود إلى أبيه بقلب متواضع نادم تائب. هذه هي الخطوة الأولى نحو تنمية عادة جيدة.
الخطوة الثانية هي إدراك أنّ التغيير لا يتمّ من دون جهاد وكفاح. أحياناً هذا الجهاد هو تعديل برنامجنا أو طريقة عيشنا لتضمينه العادة التي نسعى لتأسيسها. علينا أن ندرك أيضاً أن هناك قوى تحارب جهادنا للخير والفضيلة. لقد أورد آباء الكنيسة بشكل مميز ثلاث قوى سلبية علينا مجابهتها. الأولى، علينا أن نجاهد ضد أهواءنا وميولنا الخاطئة، ضعفات جسدنا وقابليتنا للموت. الثانية، علينا أن ندرك أن الشرير وشياطينه الذين لا يتوقفون عن إثارة الحروب الروحية علينا وعلى أهدافنا النبيلة. وأخيراً، علينا أن نتذكّر أننا نحيا في عالم ساقط قِيَمه عكس قِيَم الله. أن ننسى أيّاً من أوجه هذه الحرب الروحية وألاّ نكون مستعدّين للجهاد ضدها بمعونة الله يعني أننا لسنا جدِّيين في تأسيس العادة الحسنة.
إن حفظنا لحماستنا طرية في فكرنا بشكل مستمر يساعدنا على تخطي القوى التي تحاربنا. مثلاً، إذا كانت العادة التي نحاول تشكيلها هي أن نكون أكثر اجتهاداً في حفظ صلواتنا اليومية، قد يكون مساعداً أن نتذكّر مدى منفعة هذه الصلوات في حفظنا على اتصال بالله. الشيخ باييسيوس الأثوسي يعبّر عن هذا الأمر بالقول بأنّه من الحيوي للمجاهد الروحي أن يبقى في اتصال مع “قاعدته”. إذا وضعنا هذا الهدف أمامنا بشكل دائم، سوف يساعدنا على الاستمرار في التزامنا بهدفنا.
مبدأ ثالث هو ألاّ ننسى أن لتأسيس عادة حسنة فاضلة، مطلوب الكثير من المجهود والقوة، خاصة في البداية. هذه البداية الحسنة ضرورية لتثبيت جهدنا. يعلّم القديس يوحنا السينائي كاتب سلّم الفضائل أنّه لأمر سيئ ومكروه أن نتلكأ في المعركة في مستهلّ الحرب وبالتالي أن نجهّز نموذجاً لذبحنا الآتي. إن البداية الثابتة تكون أكثر نفعاً لنا عندما نتوانى لاحقاً. النفس التي تبدأ قوية ومن ثمّ تتراخى، يحفزها تذكار حماستها السابقة وبهذا غالباً ما تعود فتكتسب أجنحة جديدة. مهمّ أن نتذكّر أننا إمّا أن نحارب زخم ما في الاتجاه الخاطئ أو أن نواجَه بغياب الزخم أو الجمود. في كلا الحالتين، تقدّم الفيزياء المبدأ الذي يعلّمنا بأنّه مطلوب الكثير من القوة والطاقة لتحريك قلوبنا وأفكارنا وأجسادنا في الاتجاه الصحيح.
ختاماً، الخطوة الأخيرة هي أن نضع نوايانا الحسنة قيد التنفيذ. هذا ينبغي أن يتمّ بدون أن نذكره لكن، للأسف، هذا ما نقصّر عنه. نحن بحاجة لأن نبدأ فعلياً عملية التوبة وجعل الفضيلة أو الممارسة الحسنة التي نحن في صددها عادةً. أغلب الناس أصحاب نوايا حسنة لكن ليس الجميع أصحاب حياة صلاة أو أجساد صحيحة أو مصاريف منظمة أو بيوت نظيفة. ضروري فهم الخطوات الثلاث الأولى وحفظها خلال الصراع، ولكن في النهاية كلّه يكون عدماً إن لم ننتقل من التأمّل إلى العمل. إلى هذا، من الحيوي أن نتذكر أن العمل الذي لا يستمر لا يفيدنا بشيء. كم واحد من أندية الصحة يغتني من الأشخاص الذين يبادرون فينضمون إليه لكنهم لا يستمرون في الاستفادة من عضويتهم لأكثر من أسبوعين.
ليس من بديل للنظام الذاتي عندما يتعلّق الأمر في تشكيل العادات الحسنة. التوقع الصحيح للمقاومة التي سوف تواجهنا يساعدنا على وضع الروتين الصحيح والالتزام به. إذا قطعنا السباق الذي أمامنا بصبر يمنحنا الله القوة والنعمة لكي نتابع. أيضاً يكتب القديس يوحنا السلمي “كل الذين يدخلون السباق الحسن الصعب والمغلَق، والسهل أيضاً، ينبغي أن يدركوا أن عليهم أن يقفزوا في النار، إذا كانوا يتوقعون أن تسكن النار السماوية في داخلهم”.