الأمثال الشعبية
الخورية سميرة عوض ملكي
عن نشرة الكرمة
كثيراً ما يستند الناس إلى الأمثال لدعم حججهم ومواقفهم أو لرد حجج غيرهم. هناك أهمية للأمثال لا يمكن التغاضي عنها إذ أنها على درجة من الشيوع بحيث لا يوجد إنسان مهما كان جاهلاً إلا ويحفظ عدداً منها. قد تعدّل الدولة برامجها التعليمية لأنها تتحكم بها، وقد يغيّر اللغويون في أصول اللغة لأنهم أصحاب الاختصاص فيها، كل هذا أسهل من التحكم بالأمثال الشعبية لأنها جزء من التراث. كثيرون درسوا الأمثال وتاريخها ودورها فساهمت في التعرف على الخصائص النفسية والاجتماعية والحضارية لهذه المجموعة من الناس أو تلك في فترات محددة من التاريخ. قيل “رُبّ مثل يفعل في النفس ما تعجز عنه مئة محاضرة في الأخلاق والمثل العليا”. ومع أن الأمثال مثل غيرها من مكونات التراث واللغة، بعضها لا يقبله كل الناس ولا يروق لهم فإن لها أحياناً دوراً حاسماً في فض مسائل مختلفة أو حل معضلات عالقة، إذ أن كثيرين يرون فيها قوانين ودساتير لا تُخطئ لأنها تكتنز الحكمة والخبرة. يقول مارون عبود “كُتُب حقوق القروي تحت لسانه، إنه لا يحتاج إلى مراجعة المجلات والدساتير ليصدر أحكامه. فهذه الأمثال أحكام تتناول جميع الشؤون الحياتية”. لكن السؤال المهم هو: هل يميز الناس فعلاً في استعمالهم لهذه الأمثال بين النافع والمضر؟ هل هم دائماً يستعملونها بمعناها الصحيح؟
وللأسف لا يميّز الناس بين الصالح والفاسد المفسد من الأمثال، فتسمعهم يستعملونها مكررين أحياناً كلمات بذيئة بحجة أنها جزء من المثل، فيجرحون حياء السامعين، هذا عدا عن عدم صحة المثل أو عدم حمله لأي معنى أو عدم مطابقته للحالة التي استدعت استعماله. أية فائدة تُجنى من أمثال مثل هذه: “المرا بنص عقل”، “الرجّال حمار مرتو”، “خود الأرملة واضحك عليها، وشيل من جيبها واصرف عليها”، “إن عاشرنا المطران بيصير قرد وشيطان”، “إذا كانت الكنافة بيدخلا توم، الموراني بحب الروم”؟ أو ليست بعض الأمثال مضرة، على سبيل المثال: “مربي البنات مربي خسارة” الذي يشجع التمييز بين الجنسين، “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب” الذي يشجع على الناس على نهش بعضهم البعض، “كذب ينفع ولا صدق يض” الذي يشجع الوصولية عن طريق تبرير الغاية للوسيلة، “رعاية البقر ولا رعاية البشر” الذي يدعو إلى ترك الرحمة، “أنا وخيي عإبن عمي وأنا وإبن عمي عالغريب” الذي يدعو إلى التمسك بالعصبيات العائلية.
في الوقت نفسه هناك أمثال أصولها في الكتاب المقدس أو غيره من الكتب التي تزرع الصلاح أو تدعو إليه. على سبيل المثال: “خير الناس مَن عذر للناس”، “إرحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء”، “أقرب الناس ليك أعطفهن عليك”، “ما إلو قلب ما إلو رب”، “الصبر مفتاح الفرج”، “السبلة العالية فارغة”، التعليم بالمثال خير من التعليم بالأقوال”، حب الصدق ولو ضرك وابغض الكذب ولو شرك”، “إن لم يكن ما تريد فرد ما يكون”، “الله أطعمك كول واطعوم”…؟
ليس هدف هذه العجالة الحكم على الأمثال. الرب علّم من خلال الأمثال، ونحن في هذا الشرق نعيش في مجتمع ما زال على اتصال بتراثه وما زال إلى حد كبير يستعمل اللغة نفسها. لغة أجدادنا شعرية ونحن نأخذها منهم مع ما فيها من أساليب استعمال المثل أحدها. السؤال الكبير هو كيف يتعامل المؤمن مع الأمثال؟ لا يقبل المؤمن ما لا يتوافق مع روح الكتاب المقدس، روح المسيحية. إن أي مثل محتوٍ كلاماً بذيئاً ليس مقبولاً. وأي مثل فيه تلميح أو تشجيع أو تبرير لما لا ينطبق مع روح المسيحية وفكرها وتعليمها مرفوض. وفوق هذا لدى المؤمن كتابه، إن هو عرفه جيداً كان له مصدر الهام واستشهاد، إليه يسند أقواله ومنه يستخرج حججه وعليه يبني أفكاره. مَن يعرف الكتاب المقدس يستبدل الأمثال بالآيات فيحمل حديثه بشارة للسامعين.