القديس باسيليوس الكبير والملكية الجماعية
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
القديس باسيليوس الكبير هو من بين الآباء الذين تصدّوا للأغنياء الظالمين الذين اتّكلوا على الثروة المادية أو كانوا غير مبالين للظلم والجوع اللذين سادا في المجتمع. يجب أن نشير إلى أن القديس باسيليوس تكلّم عن أمور زمانه اللاذعة، بعد أن أظهر نفس كمثال، فقد وزّع ثروته الواسعة ومن ثمّ صر كاهناً وأسقفاً على قيصريّة كبادوكيا. وبالتالي هو لم يكن يتكلّم نظرياً من منصب ما، بل هو مارس ثم علّم. إن كلماته مثل الرعد لأن حياته قبل كلامه هي مثل البرق.
لقد عمل القديس باسيليوس الكبير بشكل رعائي. لم يحاول أن يحرّك نقمة الفقراء ضد الأغنياء ويولّد الحقد؛ بالمقابل، حاول أن يرعى الفقراء والأغنياء لكي ينظر الفريقان معاً إلى الأمور بشكل مختلف. عندما تُعالَج الأمور بشكل سطحي، تصير سبباً لمشاكل أكبر حجماً. إذاً، بالحكم على عدم رسوخ الثروة وسهولة تحوّلها بعد تغيّر بعض العوامل الاجتماعية، راح يشدد على وجوب عدم تجاهلها. كما ذكرنا سابقاً، لقد تصرّف على هذا الشكل لكي يعمل رعائياً بين الناس. لقد كان تضليل الناس عن طريق قذفهم بالشعارات السطحية أمراً أكثر سهولة، فيما الأمر الأصعب كان شفاء أهوائهم. بتعليمهم عن الاستخفاف بالثروة المادية، كان يتطلّع إلى تحويل الأفكار، أفكار كل من الأغنياء والفقراء، بعيداً عن الماديات، لكي يكفّوا عن الإيمان بأنها الشيء الوحيد الجدير بالاهتمام على الأرض. ليس سبب الاستخفاف بالثروة مانيخياً (المانيخية هي المبدأ الذي يدعو إلى احتقار المادة)، بل هو محض محاولة لتحقيق التوازن في المجتمع. الحقيقة هي وجود موقفين يمكن اتّخاذهما من الملكية المادية. الأول هو الموقف الوثني (أي تأليه الممتلكات) والآخر مانيخي (أي احتقراها). لا يحبّذ آباء الكنيسة أياً من الموقفين؛ فيما بالمقابل، يعلّمون بأن الثروات المادية هي عطية من الله، ينبغي إعادة منحها، إلى الله وإلى الإخوة من البشر.
لم يتوانَ القديس باسيليوس أن يكون لاذعاً عند الضرورة. لم يكن يلتزم الصمت عندما يرى الأغنياء يتبجّحون بالقدرة التي تعطيهم إياها الثروة. في أحد أعماله، يقول، أنّ في رأيه، المجتمع الكامل هو ذاك الذي انتَفَت فيه صفة المُلكية ومعها أسباب النزاع. من ناحية ثانية، عند دراسة أعمال هذا القديس نصل إلى الاستنتاج بأنّه لم يكن ضد الملكيات المادية بحد ذاتها، بل كان ضد استعمالها لغير الغرض المخصص لها. لقد كافح لتليين عقلية الأغنياء، حتى يعطوا بحرية للمحتاجين، وبهذا يجعل الملكية المشتركة سائدة في الأرض، وحاول أن يجسّد مفهوم الملكية الجماعية هذا بأمثلة عديدة.
استعمل القديس باسيليوس مثال الحيوانات: الخراف ترعى حقول الأرياف الواسعة، والخيول الكثيرة أيضاً تستمتع بعشب هذه المروج نفسها، ولكن من دون أي اختلاف فيما بينها. نحن، من الناحية الأخرى، نختطف الأشياء المشتركة بين الجميع ونختلس ما يعود للكثيرين.
استعمل أيضاً البراهين الطبيعية: إن الذي يختلس الثروة المادية هو مثل متفرّج يصل إلى المسرح أولاً، يحتلّه ولا يسمح لأحد من الآخرين بالدخول لأنه يعتبر أن المسرح يعود له حصراً. وعليه، كون الإنسان يولَد عرياناً ويعود إلى الأرض عرياناً أيضاً، من غير المنطقي الاستيلاء على الثروة المادية لمجرد أنه وجد الفرصة للحصول عليها.
استعمل القديس البرهان المتعلّق بالغاية الاجتماعية للمتلكات المادية والثروة: الخبز، يقول، يخصّ الجائعين؛ الثياب تخصّ العراة؛ الأحذية تخصّ الحفاة والمال يخصّ الفقراء. إن الذين يخزنون الممتلكات وبالتالي يتلافون إلباس العراة وإطعام الجائعين، ليسوا أفضل من اللص الذي يجرِّد جائعاًً من ثيابه. يقول القديس هذه الأمور لأن في زمانه حدثت مجاعة وخلالها كان الأغنياء يحفظون أهراءهم ملأى.
استعمل القديس أيضاً مثال كنيسة الزمن المسيحي الأول، حيث كان كل شيء مشتركاً: الحياة، الروح، الوفاق، المائدة، الأخوّة والمحبة التي حوّلت أجساداً كثيرة إلى واحد، ووحّدت النفوس المختلفة في تناغم واحد. هذه الملكية المشتركة يجب ترجمتها استعمالاً مشتركاً.
بمعزل عمّا ذُكر أعلاه، يشدد القديس باسيليوس الكبير على قيمة الثروة الحقيقية، التي هي نعمة المسيح. من دون المسيح، يكون الأغنياء فقراء بكل معنى الكلمة، بينما الفقراء الذي عندهم المسيح هم أغنياء بإفراط. لقد اعتاد القول بأنّ اللذات الحسّية فيها من الألم أكثر مما فيها من الإشباع المادي. للثروة مؤامرات؛ السعي إلى الراحة، التخمة واللذات المتواصلة تحتوي ضروباً من الأمراض وأيضاً من الأهواء. لقد كان للرسل المسيح وبالتالي كان لهم كل شيء، ويُلاحَظ الأمر نفسه عند القديسين.
لقد حاول آباء الكنيسة، ومنهم القديس باسيليوس، حلّ مشاكل زمانهم على أساس الله وخلاص البشرية، لكنهم أيضاً جاهدوا بشكل ثابت لرفع فكر الإنسان إلى الثروة الحقيقية، التي هي الله.