من الآن وإلى الأبد، الرسالة الذاتية لكنيستنا
القديس الأرشمندريت يوستينوس بوبوفيتش
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
من الصعب والصعب جداً، أن تدخل الحياة الأبدية غير المتناهية إلى نفس الإنسان الضيقة أو حتى إلى الجسد البشري الأضيق. يقف سكان الأرض المسجونين مشككين أمام كل ما هو أبعد من هنا. فكونهم مسجونين في المكان والزمان، وبسبب الرِجعية والقصور الذاتي على السواء، هم يعجزون عن تحمّل أن يدخل فيهم كلّ ما هو أبعد من الزمن أو أبعد من المكان، أي كل ما هو أبدي. إنهم ينظرون إلى هذا الغزو كهجوم ويجاوبون بالحرب. إلى هذا، مع اعتبار أن “صدأ” الوقت يفسد الإنسان، فإنه لا يستسيغ تدخل الأبدية في حياته ويتكيّف معها بصعوبة. فهو دائماً ينظر إلى هذا التدخل كعمل عنف ووقاحة لا تُغفَر. في بعض الأوقات يصبح متمرداً خشناً في وجه الأبدية، لأنه يرى نفسه بلا أهمية أمامها فيما هو أحياناً أخرى يهيج ضدها بحقد متّقد لأنه يراها بمنظار بشري جداً وأرضي جداً وعالمي ضيق. فيما تغرق روحه مع الجسد في المادة, وترتبط بقوة الوطأة في الزمان والمكان، تنسحب من الأبدية، فيمقت الإنسان الأرضي الرحلات الصعبة نحو العالم الآخر والأبدية. الهوّة بين الزمن والأبدية، بالنسبة إليه، لا تٌعبَر لأنه يفتقد القدرة الأساسية والقوة ليقفز فوقها. محاصَراً من كل الجهات بالموت، يهزأ الإنسان من الذين يقولون له: “الإنسان خالد وأبدي”. فهو خالد من جهة ماذا؟ جسده الميت؟ أبدي من جهة ماذا؟ روحه الواهنة؟
لكي يكون الإنسان خالداً، عليه أن يشعر بخلوده في وسط معرفته لذاته. لكي يكون أبدياً، عليه أن يدرك نفسه كأبدي في وعيه لذاته. من دون هذا، كلا الخلود والأبدية يكونان عنده وضعَين مفروضين من الخارج. قد امتلك الإنسان مرةً هذا الإحساس بالخلود ومعرفة الأبدية، منذ زمن بعيد، وقد هزل هذا الإحساس تحت وطأة الموت. لقد هزُل حقاً: هذا ما تخبرنا به بنية الوجود البشري السريّة بأكملها. كل مشكلتنا تكمن في كيف نضرم هذا الشعور الخامد من جديد وكيف نعيد إحياء هذا الإدراك الخابت. وحده الله يستطيع فعل هذا، هو الذي جسّد نفسه غير المائتة في الإدراك البشري الذاتي وجسّد ذاته الأبدية في وعي البشر الذاتي. هذا بالتحديد ما فعله المسيح عندما تجسّد وصار إلهاً-إنساناً. فقط في المسيح، وفي المسيح حده، شعر الإنسان بنفسه أنه خالد وأدرك أنه أبدي. من خلال شخصه، تخطّى المسيح الإله-الإنسان الهوة الفاصلة بين الزمن والأبدية وأعاد العلاقة بينهما كما كانت. لهذا السبب فقط يحس ذلك الإنسان بصورة فعلية بأنه خالد ويعرف حقاً أنه أبدي ويوحّد نفسه عضوياً مع المسيح الإله-الإنسان، بجسده الكنيسة. لهذا السبب، صار المسيح المعبر الوحيد والقناة بين الزمن والأبدية. ولهذا السبب، في الكنيسة، الكنيسة الأرثوذكسية، المسيح الإله-الإنسان هو الطريق الوحيد والدليل الوحيد من الزمن إلى الأبدية، من المعرفة الذاتية في الفنائية إلى معرفة الذات في عدم الموت، من معرفة الذات في المحدودية إلى وعي الذات في الأبدية وغير المحدود.
إن الوجود الشخصي المسيح الإله-الإنسان الحي أبدياً هو الكنيسة بالتحديد. فالكنيسة هي دائماً الشخصية البشرية الإلهية، أي الروح والجسد الإلهيين البشريين. إن تحديد الكنيسة، حياتها، غايتها، روحيتها، منهاجها، طرقها، كلّها أُعطيَت في ذلك الشخص العجيب للمسيح الإله-الإنسان. لذلك، رسالة الكنيسة هي أن تُتحِد عضوياً وشخصياً كل مؤمنيها بشخص المسيح، أن تجعلهم يدركون أنفسهم بإدراكهم للمسيح وأن يعون أنفسهم بوعيهم للمسيح، وأن تصبح حياتهم حياة في المسيح ومن خلاله، حتى لا هم يحيون بل المسيح يحيا بهم (غلاطية 20:2). إن رسالة الكنيسة هي في أن تؤمّن لأعضائها الخلود والأبدية، جاعلةً إياهم مشاركين في الطبيعة الإلهية (2بطرس 4:1). إن رسالة الكنيسة هي إلى هذا في أن تخلق في كل عضو القناعة بأن الوضع الطبيعي للشخصية البشرية يكمن في الخلود والأبدية وليس في الوقتية والفنائية، وبأن الإنسان ينزل مؤقتاً ومن خلال الفنائية والوقتية يسافر نحو الأبدية والخلود.
الكنيسة هي الأبدية الإلهية البشرية متجسّدة في حدود الزمن والمكان. هي في هذا العالم لكنها ليست منه (يوحنا 36:18). إنها في هذا العالم لترفعه إلى العالم العلوي، الذي منه هي أتت. الكنيسة مسكونية، جامعة، إلهية-بشرية، أبدية. وعليه فإن تحويل الكنيسة إلى مؤسسة قومية واختزالها إلى أهداف الأمة الصغيرة المحدودة والوقتية وطرقها، هو تجديف لا يُغفَر على المسيح والروح القدس. إن غاية الكنيسة تتخطى حدود القومية، إنها مسكونية وتشمل البشرية كلها: أن توحّد في المسيح كل الشعوب، بشكل كامل بغض النظر عن القومية أو السلالة أو الطبقة الاجتماعية. ليس هناك يهودي ولا يوناني، لا عبد ولا حر، لا ذكر ولا أنثى، لأنكم كلكم واحد في المسيح (غلاطية 28:3)، لأن المسيح هو الكل وفي الكل (كولوسي 11:3).
إن مناهج هذه الوحدة الشاملة البشرية-الإلهية لكل الشعوب أُعطيت بالكنيسة في أسرارها المقدسة وفي كلماتها الإلهية البشرية، الجهادات والفضائل. وبالحقيقة، إن سر الإفخارستيا المقدسة يؤلّف ويحدّد ويشمل طريقة المسيح والسُبُل لتوحيد كل الشعوب: من خلال هذا السر يتّحد الإنسان عضوياً بالمسيح وبكل المؤمنين. من خلال هذه الممارسة الشخصية للفضائل البشرية الإلهية، الإيمان والصلاة والصوم والمحبة والاعتدال والحنان المُطلق والإحسان، يثبّت الإنسان نفسه في هذه الوحدة ويحفظ نفسه في هذه القداسة ويحيا نفسه المسيح كوحدة لشخصيته وجوهر لاتحاده مع أعضاء جسد المسيح المقدّس الباقين أي الكنيسة.
إن الكنيسة هي الوجود الشخصي للمسيح الإله-الإنسان وكائن حي إلهي بشري وليست منظمة بشرية. الكنيسة غير قابلة للانقسام، تماماً مثل شخص الإله-الإنسان، وبالضبط مثل جسده. لهذا، إنه لخطأ جوهري أن ينقسم كائن الكنيسة الإلهي-البشري إلى مؤسسات عرقية صغيرة. في رحلتها عبر التاريخ، حدّت الكثير من الكنائس المحلية نفسها بالعرقية لأهداف ومناهج قومية… تتكيّف الكنيسة مع الناس بينما القاعدة هي العكس: ينبغي أن يتكيّف الناس مع الكنيسة. لقد ارتكبت كنيستنا هذه الغلطة مرات عديدة. نحن نعلم أنها كانت “زؤاناً” في حياتنا الكنسية، “زؤاناً” لا يقتلعه السيد بل يتركه ينمو مع القمح إلى حين الحصاد (متى 25:13-28). لكن معرفتنا لهذا بلا قيمة إن لم تتحوّل إلى صلاة ليحفظنا المسيح من أن نبذر هذا الزؤان أو أن نكون بين حاصديه.
إنّها الساعة الثانية عشرة، إنه وقت أن يكفّ ممثلو كنائسنا عن أن يكونوا عبيداً للعرقية وأن يصبحوا رؤساء كهنة وكهنة للكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية. إن رسالة الكنيسة التي وضعها المسيح وحققها الآباء القديسون هي: زرع المعرفة والإدراك وتعهدهما في نفوس شعبنا حتى يكون كل عضو في الكنيسة الأرثوذكسية شخصاً جامعاً، أبدياً وإلهياً، وحتى ينتمي للمسيح وبهذا يكون أخاً لكل البشر وخادماً لكل الناس والخلائق. هذه هي غاية الكنيسة التي أعطاها المسيح. كل غاية أخرى ليست من المسيح بل من ضده. لكي تكون كنيستنا المحلية كنيسةَ المسيح، عليها أن تحقِّق هذه الغاية بشكل ثابت في شعبنا. لكن بأية وسائل يمكنها أن تحقق هذه الغاية الإلهية؟ مرة أخرى، الوسائل ليست سوى تلك الإلهية البشرية لأن الغاية الإلهية البشرية لا تتحقق إلا بالوسائل الإلهية البشرية، وليس أبداً بالوسائل البشرية أو أي شيء آخر. عند هذه النقطة تختلف الكنيسة كثيراً عن كل ما هو بشري وأرضي.
الوسائل الإلهية البشرية ليست سوى الجهادات والفضائل الإلهية البشرية. وحدها هذه الفضائل يوجد في ما بينها علاقة عضوية، الواحدة تنبع من الأخرى، والواحدة تكمّل الأخرى.
الأول بين هذه الجهادات الفضائل هو الإيمان. ينبغي أن تلج نفس الناس من خلال هذا العمل وبشكل ثابت: ينبغي أن تُقدَّم هذه النفس إلى المسيح بدون تحفّظ ومساومات، عليها أن تغطس إلى الأعماق الإلهية البشرية، وأن ترتفع إلى القمم الإلهية البشرية. يجب أن يُخلَق في شعبنا هذا الإدراك بأن الإيمان بالمسيح يتخطّى القوميات، مسكوني وجامع، فضيلة ثالوثية، وأن يؤمن الإنسان بالمسيح يعني أن يخدمه، ويخدمه وحده في كل أوجه حياته.
الثانية هي: فضيلة الصلاة والصوم الإلهية البشرية. يجب أن تصبح هذه الفضيلة منهاج شعبنا الأرثوذكسية. يجب أن تصبح نََفَس نفسه لأن الصلاة والصوم هما وسيلتان، كليّتا القدرة أعطاهما المسيح للتطهر من كل نجاسة، ليس فقط في الكائن البشري بل أيضاً في المجتمع والشعب والبشرية كلها. الصلاة والصوم قادران على تنقية نفس شعبنا من نجاساتنا ومن كل خطيئة (متى 19:17-21). ينبغي أن تتميّز نفوس شعبنا بحياة الصلاة الأرثوذكسية. يجب أن يُتمّم الصلاة والصوم لكل شيء: الأصدقاء والأعداء، الذين يضطهدوننا والذين يقتلوننا، لأنّ هذا ما يميّز المسيحيين من الوثنيين (متى 44:5-45).
الفضيلة الإلهية البشرية الثالثة هي المحبة. ليس لهذه المحبة حدود. إنها لا تسأل عمّن هو وجيه أو لا. إنّها تحب الجميع: الأصدقاء والأعداء، الخطأة والمجرمين، لكنها لا تحب خطاياهم وجرائمهم، إنّها تبارك الذين يلعنون وكمثل الشمس تشرق على الأشرار والأبرار (متى 45:5-46). هذه المحبة الإلهية البشرية ينبغي رعايتها في شعبنا لأن في هذه الجامعية تتميّز المحبة المسيحية من المحبة الذاتية والمحبة النسبية، أي المحبة المرائية الإنسانوية الأنانية الإثنية الحيوانية. محبة المسيح هي دائماً محبة شاملة. إنّها تُكتَسَب بالصلاة، لأنها عطية من المسيح. القلب الأرثوذكسي يصلّي بقوة: يا رب المحبة، أعطني محبتك لكل الناس وكل الأشياء!
الفضيلة الإلهية البشرية الرابعة هي الاعتدال والحُلم. إن “المتواضع القلب” يجعل القلوب الثائرة والمسعورة حليمة. وحده متواضع القلب يهزم النفوس المتكبّرة والمتغطرسة. إن إظهار الحُلُم نحو كل الناس هو واجب كل مسيحي حقيقي (تيطس 2:3). إذ يصبح الإنسان فعلاً متواضعاً وحليماً يجعل المسيح الحليم المتواضع قلبَ قلبه، كونه هو بالحقيقة الحليم والمتواضع القلب (متى 29:11). يجب أن تتضع نفوس الناس باتضاع المسيح. على كل إنسان أن يتعلّم أن يصلّي: أيها السيد المتواضع، اجعل نفسي البريّة متواضعة. الرب واضع نفسه باتضاع عظيم: لقد تجسّد وصار إنساناً. إذا كنتَ للمسيح، واضع نفسَك إلى أقصى الحدود، إلى الازدراء. جسّد نفسك في ألم كل متألّم، في حزن كل حزين، في معاناة كل معذّب، في أسى كل حيوان وعصفور. واضع نفسك تحت الجميع: كُن الكلّ للكل، في المسيح وبه. عندما تكون وحيداً، صلِّ: أيها الرب المتواضع، باتضاعك اجعلني متواضعاً!
الخامسة هي: فضيلة الصبر والاحتمال. أي أن نمسك عن الشر أو ألاّ نبادل الشر بالشر وأن نصفح كلياً عن الشتم والافتراء والجراح. هكذا هم خاصة المسيح: إحساس دائم بأنهم مصلوبون في العالم، ومضطهدون في العالم، ملعونون ومصفوعون. لا يستطيع العالم أن يتحمّل حاملي المسيح كما لم يستطع أن يتحمّل المسيح. علينا أن نعلّم هذا لشعبنا. الشهادة عند الأرثوذكسيين هي تطهر. المسيحية ليست فقط تحمّل الآلام بفرح بل أيضاً الغفران بشفقة كاملة للذين يسببون هذه الآلام والصلاة إلى الله من أجلهم تماماً كما فعل المسيح ورئيس الشمامسة استفانوس. لهذا السبب، صلّوا: أيها السيّد الذي تعذّب طويلاً، أعطني العذاب والشهامة والأناة.
إن رسالة كنيستنا هي: تحويل هذه الفضائل-الجهادات عند الشعب سبلاً للحياة ونسج الفضائل الإلهية-البشرية على مثال المسيح في نفوس الشعب وحياتهم. في هذا يكمن خلاص النفس من العالم ومن كل الحركات والتنظيمات العالمية المفسدة للنفس، القتّالة والملحدة. في مواجهة إلحاد حضارة العصر ووحشيتها المتظاهرة بالنبل علينا أن نلبس شخصيات تحمل المسيح فتكون بوداعة الحمل منتصرة على أهواء الذئاب الثائرة، وببراءة الحمام سوف تخلّص نفوس الشعب من النتانة الثقافية والسياسية. علينا أن نجابه الزهد المُستَولَد باسم الإنسان الأوروبي المتعفّن المشوّه، وباسم الإلحاد والحضارة وضد المسيح، ونستبدلها بالنسك باسم المسيح.
لهذا السبب، واجب كنيستنا الأول هو أن تخلق نساكاً متوشحين بالمسيح. الصوت الذي ينبغي أن يُسمع في الكنيسة اليوم هو: عودوا إلى النساك المتوشحي المسيح، نحو الآباء القديسين! عودوا إلى جهادات الآباء القديسين وفضائلهم! عودوا إلى حصافة القديسين أنطونيوس وأثناسيوس، باسيليوس وغريغوريوس، يوحنا الذهبي الفم والدمشقي، سرجيوس وسارافيم (الروسيين)، سابا وبروخوروس وجبرائيل (الصرب) وغيرهم! لأن هذه الجهادات-الفضائل الإلهية-البشرية أوجدت القديسين أنطونيوس وغريغوريوس وسابا. واليوم، وحدها الجهادات-الفضائل الأرثوذكسية قادرة على تقديس كل النفوس، ونفس شعبنا كله، لأن الغاية الإلهية البشرية أبدية وثابتة، لأن المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 8:13). هنا يكمن الفرق بين العالم البشري وعالم المسيح: البشري محدود ومؤقت، أما الذي للمسيح فهو غير قابل للتغيير وأبدي. الأرثوذكسية، الحاملة الوحيدة لشخص المسيح الإله-الإنسان الكامل وحارسته، تتحقق حصرياً بالوسائل الأرثوذكسية الإلهية-البشرية، والفضائل النسكية بالنعمة، وليس بوسائل مُستعارة من الكثلكة أو البروتستانتية، لأن هاتين مسيحيتان ملائمتان للإنسان الأوروبي المتغطرس، وليستا ملائمتين للإله-الإنسان المتواضع. يسهّل الله بذاته مهمة كنيستنا، لأن روح النسك موجودة بين شعبنا كما أوجدتها الأرثوذكسية عبر الأجيال. إن نفس شعبنا الأرثوذكسية تميل إلى الآباء القديسين، نحو النسك الأرثوذكسي. الجهاد الشخصي، العائلي، وفي الرعايا، خاصةً في الصلاة والصوم هو صفة مميزة للأرثوذكسية. إن شعبنا، الشعب الأرثوذكسي، هو شعب المسيح لأنه، مثل المسيح، يلخّص الإنجيل في هاتين الفضيلتين: الصلاة والصوم. إن الأرثوذكس مقتنعون بأنه فقط بالصلاة والصوم يمكن طرد كل نجاسة، كل فكر غير طاهر، كل شهوة بذيئة، وكل روح غاش (متى 21:17). في أعماق قلوبهم يعرفون المسيح ويعرفون الأرثوذكسية ويعرفون ما يجعل الإنسان الأرثوذكسي أرثوذكسياً. الأرثوذكسية تؤدي دائماً إلى إعادة ولادة نسكية ولا تعرف أي تجدد آخر.
النساك هم المبشّرون الوحيدون في الأرثوذكسية. النسك هو المدرسة التبشيرية الوحيدة في الأرثوذكسية التي هي نسك وحياة، ولهذا السبب، فقط بالنسك والحياة، تصل الأرثوذكسية إلى غايتها وتحققها. يجب تنمية النسك، الشخصي والكنسي. هذا يجب أن يكون رسالة الكنيسة الذاتية نحو أبنائها. ينبغي أن تتحوّل الرعية إلى مركز نسكي. لكن هذا ممكن فقط بوجود كاهن رعية متنسك. الصلاة والصوم، حياة الرعية الكنسية، والحياة الليتورجية، هذه هي الوسائل الأساسية التي فيها تحمل الأرثوذكسية التجدد للناس. يجب أن تتجدد الرعية وأن تخدم الناس بمحبة، محِبَّة للمسيح، والإخوة بتواضع وطول أناة وتضحية وإنكار للذات. ينبغي أن تكون هذه الخدمة مُشبَعَة بالصلاة والحياة الليتورجية ومتغذية بها. إن هذا مبدئي وجوهري بشكل مطلق. لكن كل هذا يتطلّب كشرط مسبق أن يكون رؤساؤنا وكهنتنا ورهباننا نساكاً. هذا فلنتضرّع إلى الرب من أجله.
من كتابات القديس في العام 1923، مكتوبة أصلاً باليونانية.