توبة كاملة
الشيخ افرام من إسقيط القديس أندراوس
نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
أخبر الشيخ افرام من إسقيط القديس أندراوس، سيراي، جبل أثوس، القصة التالية:ـ
أحد الرهبان في جبل آثوس وكان حاصلاً على الإسكيم الكبير، خلع ثوبه وأنكر نذوره الرهبانية، وعاد إلى العالم ليعيش حياته. عاش بشكل مسرف وسقط في كثيرٍ من الخطايا الجسدية، ثم تزوّج في النهاية وأنجب ولدين. ذات يوم ذهب مع أسرته إلى البحر للسباحة. على الشاطئ، إذ كان مستلقيًا تحت المظلة، اقترب منه ولده الصغير وقال: “بابا، لماذا يوجد صليب كبير على صدرك؟ وماذا تقول الحروف الحمراء عليه؟”ـ
رؤيا الابن الواضحة صدمت الأب إلى درجة أنه أصرّ على العودة إلى المنزل. هناك حبس نفسه في غرفته، وراح يبكي طوال الليل. في اليوم التالي مضى واعترف وقال له الأب الروحي: “المسيح، رغم أنك أنكرته مرارًا وتكرارًا، لا يزال يحبّك دون قيد أو شرط! بالقدر الذي كان يحبّك بلا حدود عندما كنت راهبًا، لم يزل يحبك الآن!”ـ
كانت هذه الكلمات بمثابة ضربة في قلبه فمضى وكشف الحقيقة الكاملة لزوجته، واتفقا على العيش منفصلَين بالتراضي إلى أن عاد إلى الدير، بينما زوجته اعتنت بأطفالهما في البداية ثم أصبحت فيما بعد راهبة
ثم بعد سبعة عشر عامًا، قام الابن الذي شاهد الأحرف على صدر والده بزيارة لجبل أثوس، إلى نفس الدير الذي كان يعيش فيه والده، لكن دون أن يدرك ذلك. ذهب إلى رئيس الدير وطلب الاعتراف. بعد الاعتراف، سأل رئيس الدير: “أبتي، أنا أبحث عن والدي. لقد أصبح راهبًا وطوال هذه السنوات لا أعرف أين هو. هل تستطيع مساعدتي؟”ـ
فهم رئيس الدير ابن مَن يكون هذا الشاب وحاول جاهدًا إخفاء دموع انفعاله وقال له: “يا بنَي، ابقَ هنا اليوم، وسأخبرك غدًا.”ـ
مضى رئيس الدير إلى الراهب والد الشاب وأخبره وقال له: “يا بنَيّ لقد جاء ابنك الصغير إلى الدير باحثًا عنك. هل تودّ رؤيتَه؟”ـ
تأثر الراهب ولكنه في نفس الوقت كان مضطرباً، فأجاب: “أيها الشيخ، لقد جاء ملاكي الحارس إليّ وأخبرني بأنني سأغادر هذا العالم بعد ثلاثة أيام! أخبر ابني أنه بعد ثلاثة أيام يراني. وعندما أستريح تكشف له أنني أبوه! فأنا بحاجة إلى تثبيت قانوني لكلّ ما فعلتُه في حياتي” ـ
كانت كل أعمال هذا الراهب أعمال توبة كاملة، لذا كان قراره بعدم رؤية ابنه محبة إلهية! ذهب رئيس الدير إلى الشاب وأقنعه بالبقاء لثلاثة أيام أخرى في الدير. في الجنازة التي جرت بعد ثلاثة أيام، كان الابن حاضراً. بعد الانتهاء قال لرئيس الدير: “لم أرَ مثل هذه الجنازة من قبل! لا بدّ أن هذا الراهب كان ذا قداسة عظيمة. هذا راهب حقيقي!”ـ
بعد أن واروه الثرى، كشف الرئيس للشاب: “يا بنيّ، كان هذا الراهب أباك!”ـ
***
أيضاً من تعاليم الشيخ افرام من إسقيط القديس أندراوس، جبل أثوس:
“الله موجود في كل مكان. حيثما يكون الله، يكون أيضًا نوره غير المخلوق. نور إلهنا غير المخلوق الثالوثي يملأ كل الأشياء. لذلك، ما من مكان موجود ليكون للظلمة. كل شيء مشرق بالنور غير المخلوق الذي لإلهنا الثالوثي، الذي يضيء بنوره ومحبته الإلهية التي لا تُضاهى. بعبارة أخرى، يقصفنا الله بأطنانٍ لا تضاهى من محبته الإلهية. وويل لمن لا يقبل هذه المحبة، لأنه سيختبرها كجحيم لا يماثَل، ككراهية لا مثيل لها وظلام لا يضاهى في الحياة الأخرى
بهذا التعليم تترتّب جميع أفكار الإنسان المعاصر. هناك مَن يقول إنه إذا كان الله محبة لا مثيل لها، فكيف يمكن أن نذهب إلى الجحيم إلى الأبد مع الكثير من العذاب؟ الله لا يدين بالجحيم ولا الجحيم من خَلقِه. صنع الله كل شيء بدافع المحبة، وكلّ ما خلقه هو نور ومحبة بالكلية. لم يخلق الله الظلمةَ والعقاب. نحن خلقناهما بالخطيئة وبالموت أي نحن خلقنا الظلمة والجحيم لذلك لا يحكم اللهُ علينا بالجحيم، بل نحن ندين أنفسنا بأنفسنا
الحقيقة مثل الشمس التي تشرق لامعة بشكل كامل، فيما أعين بعض البشر يفضلّون العمى على ألا يروا نور الشمس، حتى إلى الأبد. وفي هذه التعمية الذاتية الأبدية، يبقى المرء في الظلام رغم أن الفرصة أتيحت له ليرى. لكل انسان اختياره الصافي وهو حر والله يحترم هذا الخيار ولا يتدخل. الانسان يعيش حياته ويعمل خطاياه والله لا يقف في طريقه ما لم يستدِر بالتوبة ويختار أن يتبع برَّه، فمن ثمّ ليس له أن يدين الله بسبب الجحيم الذي سوف يختبره في الحياة الآخرة” ـ