الأخطر من الكورونا

الأخطر من الكورونا

الخورية د. أفيانيا كونستانتينو[1]

نقلتها إلى العربية اسرة التراث الأرثوذكسي

في مقالته بتاريخ 25 أيار 2020 ، “حول ملعقة المناولة المشتركة” [2]، حاول الأب ألكيفياديس كاليفاس تقديم بعض المبررات للتخلّص من استخدام الملعقة المشتركة في المناولة المقدسة. ما قدّمه في نهاية المطاف كان قِيَم العالم أو منطق المسيحية الغربية تحت عباءة اللاهوت الأرثوذكسي

لطالما كانت الأرثوذكسية مَرِنة، لكنها كانت أيضًا لا تهاود في بعض المجالات، بما في ذلك معتقدنا الأساسي حول المناولة والفكر الأرثوذكسي، أي عقليتنا التي تختلف عن عقلية كل الجماعات المسيحية الأخرى. استخدم كاتب المقالة أمثلة معزولة من الممارسات التاريخية الماضية والحجج العقلانية لتبرير عدم استعمال ملعقة المناولة المشتركة. ولكن نفس الحجج يمكن استخدامها لتبرير أو عقلنة القضاء على كل الممارسات التقليدية والمواقف الأخلاقية للكنيسة. يوجد تهديد أكبر من فيروس الكوفيد 19: تقويض قناعاتنا والإضرار بالإيمان. ما نحتاجه من رؤساء كهنتنا وكهنتنا في هذه اللحظة هو القيادة الروحية، بدلاً من تقديم الحجج “المنطقية” التي تخضع لـ”عبودية فكرنا البشري”، كما تنص صلاة المناولة إلى والدة الإله

نحن نعلم أن في الأصل كان جميع المؤمنين يأخذون الجسد يأيديهم ويشربون الدم مباشرة من الكأس المشتركة. اقترحت المقالة أنه نظرًا لأن استخدام الملعقة المشتركة لم يكن دائمًا ممارسة الكنيسة الوحيدة، يمكن للكنيسة المحلية أن تقرر بمبادرة منها استبدال بعض الممارسات الأخرى. وأشارت المقالة إلى أن استخدام الملعقة قد بدأ منذ حوالي ألف سنة لحماية جسد الرب المقدس الغالي من السقوط من يد المؤمنين عن لا مبالاة ولتسهيل المناولة من العنصرين عندما يقيم السرّ كاهن واحد. من المهم أن ندرك الأساس المنطقي لإدخال الملعقة المشتركة: فهي تحمي السر من التدنيس وتسهّل توزيعه. هذا التغيير عزز في أذهان المؤمنين القدسية الفائقة للقرابين. لكن هذه الأساليب الجديدة المقترحة كبدائل محتملة للملعقة المشتركة – كالملاعق المتعددة أو ذات الاستعمال لمرة واحدة – لا تتبع تلك العقلية على الإطلاق. وبدلاً من ذلك، يتم اقتراحها للتخفيف من المخاوف بين بعض العلمانيين، وهذا سيؤثر بالفعل سلباً على المؤمنين من خلال تأكيد مخاوفهم من أن المناولة المقدسة يمكن أن تنقل المرض. لطالما اعتبرت الكنيسة أن المناولة المقدسة لا يمكن أن تكون مصدر المرض أبدًا، وتقويض هذا الاعتقاد الأساسي هو أكثر خطورة وأكثر فتكًا من الكوفيد 19، لأن تنمية هذه الشكوك تؤثر على خلاصنا الأبدي. إن الشرير يرقص فرحاً لأنه بالإيحاء بأن المناولة قد تنقل المرض من خلال الملعقة، تكون الكنيسة نفسها تغرس الشك الذي سوف ينمّيه الشيطان ويسعى بفارغ الصبر إلى مدّه إلى نواحٍ أخرى من الإيمان

وأشار المقال إلى أن القانون 101 من المجمع البنثكتي (الخامس-السادس) منع المؤمنين من إحضار أوعية ذهبية صغيرة للمناولة بدلاً من أخذها مباشرة على أيديهم. اعتقد الناس أنهم كانوا يحترمون القرابين عن طريق وضعها على مادة “ثمينة” مثل الذهب. نهى القانون عن هذه الممارسة، ليس لأن المجمع كان يؤكد أنه لا ينبغي لنا استخدام ملعقة أو أي “أداة” أخرى. كانت الفكرة من وراء القانون التأكيد على أنه لا يوجد شيء أغلى، أو وعاء أكثر جدارة بالمناولة المقدسة، من الإنسان. لا يُكرَّم المسيح بذهبِنا أو ملاعقِنا بل باستقباله بالسلوك الصحيح، “بخوف الله وإيمان ومحبة” كما تذكّرنا الدعوة بالكأس

أكد القانون قيمة الإنسان الفائقة. بالنسبة لنا أصبح الله بالفعل إنسانًا، وبالتالي لا يمكن أن تكون المناولة المقدسة عاملًا للمرض، سواء تمّت المناولة بالملعقة، أو في اليد ، أو مباشرة من الكأس. أصبح الله إنساناً – ليس فقط ليموت على الصليب أو يقوم من بين الأموات. أصبح إنسانًا ليصير لحمًا ودمًا حتى نتمكن من استقبال جسده ودمه جسديًا. من سابع المستحيلات، أن نمرض عن طريق المناولة نفسها أو من خلال الأداة التي نتناول بها. عندما أصبح الله إنساناً، قدّس طبيعتنا البشرية بتوحيدها مع طبيعته الإلهية. إلوهيته لم تتغيّر باتحاده مع الإنسانية. كيف إذاً لا تتقدّس الملعقة التي تناول المؤمنين؟ إذا كنا نحن البشر، مع ذنوبنا وإخفاقاتنا، نتقدّس بالمناولة، فكيف لا تتقدّس الملعقة وهي شيء جامد بدون ذنوب وكيف تكون عاملاً للمرض؟

يصوّر المقال الذين يدافعون عن الإيمان الأرثوذكسي، بتمسكهم بالملعقة المشتركة، على أنهم غير حساسين. ويصفهم بأنهم “رافضون” وينشرون “جواً من التعالي” لأننا نصر على أن المناولة لا يمكنها نقل المرض لأنها “دواء الخلود”. يعترف الأب كاليفاس بأنه “قد يكون صحيحاً” أن المناولة لا يمكنها نقل المرض، ولكن “دواء الخلود” وعبارات مماثلة “ليست كافية لتهدئة مخاوف وهموم” بعض الناس. لكن هذه ليست تصريحات حديثة لأوغاد يمارسون “جواً من التعالي”. مثل هذه التصريحات هي ما علّمته الكنيسة والكتب المقدسة والآباء والقديسون دائمًا وما تعلنه ترانيم المناولة: “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب”، “جسد المسيح خذوا. وطعم ينبوع الحياة الأبدية”، “كأس الخلاص أقبل وباسم الرب أدعو”. إن تراتيل المناولة ليست مجرد أحاسيس شعرية يمكن تجاهلها كأنها لا معنى لها لأن بعض الناس خائفون. لقد تمّ برهان صحة تأكيدنا على أن المناولة المقدسة لا يمكن أن تكون أبداً وسيلة لنقل الأمراض، بغض النظر عن الطريقة التي تتمّ بها، من خلال تاريخ الكنيسة البالغ ألفي عام. هذا ما يتم “استبعاده” هنا! ما الذي يجب أن تشجعه الكنيسة؟ على ماذا يجب أن تبني الكنيسة موقفها: على الايمان أو الكفر؟ على التقليد المقدس أو الخوف الإنساني؟

لسوء الحظ، يقترح الأب كاليفاس أن المناولة يمكن أن تنقل المرض، “كما لو كان فعل المناولة خالٍ من … ’حدود النظام المخلوق’”. يعبّر المقال عن تعاطفه مع الأشخاص الذين لا يريدون أن يتعرضوا لـ “مخاطر لا داعٍ لها” وأن “الناس يريدون أن يشعروا بالأمان والاستماع إلى الكنيسة وحمايتها”. الخوف البشري حقيقي ويجب أن نكون حساسين تجاه مخاوف الناس. تهتمّ الكنيسة دائمًا بالمؤمنين وترغب في حمايتهم. أغلقت الكنائس لأسابيع ونحن مستمرون في اتباع ممارسات النظافة الصحية، كارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، لكن الكنيسة لن تبدد كل المخاوف لذا لا ينبغي أن نساوم على إيماننا المقدس في محاولة خاطئة للقيام بذلك

يحاول المقال التمييز بين السرّ نفسه والطريقة التي يتمّ بها، مما يشير إلى أنه لا يمكن للمريض أن يمرض من السرّ بل من الملعقة. هل نعتقد أن مَن أفرغ الجحيم من الموتى غير قادر على السيطرة على الفيروس لأنه على ملعقة؟ ما هذا الهراء! سواء تناولناه على ملعقة مشتركة أم لا، فإن سر الكنيسة الأكثر قدسية لا يمكن أن يكون أبداً وسيلة للمرض. عند تأسيس الإفخارستيا، كان المسيح على دراية بالتأكيد بالفيروسات والجراثيم. كان يعلم أنه سيكون هناك وباء في المستقبل، ولكن مع ذلك، فإن الرب إذ يبدو متهوراً، غير محبٍّ أو مهتمّ للإنسانية، وضد كل التوجيهات العلمية أو الفكر العقلاني، تجرأ على تمرير كأس مشترك! هكذا كان المسيحيون يتناولون السر لمئات السنين قبل استخدام الملعقة المشتركة: من كأس واحد

بعد أن يتلقى المؤمنون القرابين المقدسة، يتناول الكاهن ما تبقى في الكأس. أشار الأب كاليفاس إلى أنه تناول القرابين المتبقية آلاف المرات خلال أكثر من ستين عامًا ككاهن. بهذا قوّض حجته: لم يمرض أبداً من هذه الممارسة على الرغم من أنه استهلك الكأس بعد مناولة الآلاف من الناس بملعقة مشتركة. في الواقع، لم يوجد ولا حالة واحدة يمكن أن يثبت فيها إنسان أنه أصيب بأي مرض من المناولة المقدسة. في مناسبات قليلة، شاهدتُ زوجي يلعق أرض الكنيسة عندما كانت تسقط قطرة عن غير قصد. لقد رأيته حتى وهو يمتص قطرة من المناولة بقوة من السجادة إذ كانت أرضية الكنيسة مغطاة بالسجاد، حيث مرّت مئات الأحذية الآتية من عالم مليء بالجراثيم. تخيلوا ذلك! الكاهن، بثيابه، على ركبتيه، يمتص السجادة أو يلعق القرابين عن أرضية صلبة. لم يمرض أبداً. هذا ليس مجرد عمل تقوى عاطفي بل عمل إيمان وتوقير، إيمان نحتاج إلى رعايته ودعمه في هذا الوقت، وليس البحث عن إجراءات بديلة من شأنها تقويضه

ظهرت هذه المسألة منذ وقت ليس ببعيد خلال الثمانينيات عندما أثيرت مخاوف بشأن إمكانية انتقال فيروس الإيدز. أتذكر المناقشات التي أجريناها في الكنيسة في ذلك الوقت. أتذكر محاضرات أخصائيي الأوبئة الذين بحثوا في مسألة ما إذا كان من المعروف أن المناولة المقدسة تنقل الأمراض من قبل: قالوا أن ذلك لم يحدث من قبل. لم نكن نعرف سوى القليل عن الإيدز وكان قاتلاً بنسبة 100٪ في ذلك الوقت. كان لدى الجميع مخاوف، لكن أحداً لم يستبعد الملعقة المشتركة بحجة أن الناس كانوا خائفين. كم تضاءل إيماننا ونما موقفنا الدهري منذ ذلك الوقت! إذا كان قرارنا سيعتمد على النظافة أو العلوم، فلماذا لم يتم الاستشهاد بالدراسات العلمية؟ لا، بدلاً من ذلك، نردّ ونعمل بخوف. صاحب السيادة نيكولاوس خادزينيكولاو مطران ميسوغيا ولافريوتيكي (اليونان)، وهو عالم متقدّم من جامعتي هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤسس لمعهد أخلاقيات علم الحياة في أثينا، نشر توجيهاً أسقفياً للكنيسة يقول إن المناولة لا يمكنها نقل المرض. لقد لاحظ بشكل ذكي أن الخطر الحقيقي في عالم اليوم ليس العدوى بل “فيروس قلة الورع ونقص الإيمان”

إن الأب كاليفاس مخطئ إذ يكتب أن “الكنيسة المحلية في حكمتها وسلطة الجماعة فيها لها الحرية في التكيّف وتعديل وإدارة الطريقة التي تتمّ بها المناولة المقدسة.” من المناقض للعقلية الأرثوذكسية أن كنيسة محلية واحدة بمبادرة منها تحدِث تغييراً في مسألة مهمة كالمناولة المقدسة عن طريق استبدال الممارسة الثابتة في الكنيسة في كل أنحاء العالم لمئات سنوات [تظهر العقلية الأرثوذكسية في تبادل الرسائل الذي باشره بطريرك القسنطينية وأصدر في نهايته رسالة أكّد فيها عدم تغيير طريقة المناولة: المترجم]

يسخر المقال من الذين يتمسّكون بالملعقة المشتركة كرد فعل على “القلق” من “التغيير”. لنتذكر أن إيمان المسيحيين الأرثوذكس العاديين البسيط هو الذي حافظ على الكنيسة وحفظ الإيمان حتى عندما كان معظم الناس شبه أميين. في كثير من الأحيان، كان اللاهوتيون والأساقفة في الجانب الخطأ من التاريخ. إن موقف “التعالي” الذي تهاجمه المقالة موجود لدى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “متعلمين” و “علميين” وأكثر دراية من بقيتنا، الذين يصِلون إلى تفسيرات متذاكية لتبرير موقفهم. “وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ” (رو 1: 22). إن الذين يعارضون الاستغناء عن الملعقة المشتركة لا يشعرون بـ “القلق” من التغيير بل هم قلقون من فقدان عقليتنا الأرثوذكسية التي لا تقدّر بثمن، والتزامنا التقاليد الذي حافظ على إيماننا لأجيال من عدد لا يحصى من الأخطار وهجومات من أعداء لا حصر لهم. هل نكون نحن من يقوّض إيماننا بدلاً من الاعتراف بأن هذه اللحظة هي اختبار لإيماننا؟ واجه أجدادنا وأمهاتنا مخاطر لا حصر لها، بما في ذلك التعذيب والاستشهاد بدلاً من إنكار المسيح، فهل ننكره باتهامه بترك الكنيسة تستخدم أداة – الملعقة – من شأنها أن تجلب لنا المرض؟

يؤكد المقال على أن استبدال الملعقة المشتركة مقبول لأن استخدامها هو مجرد ممارسة وليس انتهاكًا لعقيدة الكنيسة المقدسة. لكن هذا غير صحيح. ليس التغيير بحد ذاته انتهاكاً للعقيدة بل سبب التغيير هو الانتهاك. إن اقتراح أن يصاب المرء بالمرض من المناولة المقدسة والسامية هو في الواقع انتهاك لعقيدة الكنيسة المقدسة على مستوى شامل وعميق. إن التأكيد على أن الملعقة المشتركة “ليست عقائدية” يكشف عن السطحية التي تتمّ بها معالجة هذه القضية

إن تغيير الملعقة المشتركة لن يكون بمثابة إدلاء ببيان عقائدي حول طبيعة المناولة المقدسة نفسها وحسب بل حول ما تمثله الملعقة المشتركة وهو أيضًا عقائدي، وهذا ما ينبغي أن يعرفه عالم الليتورجيا. هناك سبب لاهوتي للملعقة واحدة: فهي توحدنا بنفس الطريقة التي تحققها الكأس المشترك والخبز المشترك. فبينما قال الأب كاليفاس أن تغيير هذه الممارسة لا ينتهك أي “عقائد”، إلا أنه في الحقيقة ينتهك الممارسة الإفخارستية الأساسية في الأرثوذكسية والتي تعبّر عن وحدة الكنيسة: خبز واحد، كأس واحد، مذبح واحد، ليتورجيا واحدة، رب واحد، إيمان واحد ومعمودية واحدة

ذكرت المقالة أن الملعقة هي “أداة مادية ناقصة… لا تشترك في عدم قابلية جسد المسيح للفساد”. من البديهي أن الملعقة لا تساوي جسد المسيح ولا هي غير قابلة للفساد. لكنها ليست مجرد “إناء”، “كرامته مشتقة من استخدامه” في المناولة، كما وَرَد. إنها الوسيلة التي تُعطى بها المناولة للمؤمنين. قوانين الرسل 72 و 73 من 85 تحظّر بشدة بيع أو صهر الأشياء أو الأقمشة الليتورجية المقدسة وتحظّر استعمال أشياء الكنيسة في الاستخدام الدنيوي. هذا الأمر مستنكَر على أنه “انتهاك” في القوانين وجزاؤه القطع (الحَرم). لماذا يكون تدنيس الملعقة “انتهاكاً” إذا كانت الملعقة مجرد “أداة” ذات “كرامة”؟ لقد أصبح أداة مقدسة، وبهذه الصفة نتقبّل أنها لن تنقل المرض أبدًا

قال القديس يوحنا الذهبي الفم في العظة 25 حول إنجيل يوحنا: “لأنه لا شيء أسوأ من إحالة الأشياء الروحية إلى المنطق البشري… نحن أنفسنا نُدعى ’مؤمنين’ لهذا السبب بالتحديد: لكي نضع جانباً ضعف المنطق البشري، فنصل إلى سمو الإيمان، فنولي الجزء الأكبر من خيرنا لتعليم الإيمان”

لم تتخذ الكنيسة يوماً قرارات على أساس الخوف، بل على أساس الإيمان فقط. ولا تتخذ الكنيسة أيضًا قرارات أو تتوصل إلى استنتاجات لاهوتية قائمة على المنطق البشري. لذا دعونا نتّبع خط المنطق البشري الذي يوظفه الأب كاليفاس ونرَ إلى أين سيأخذنا في النهاية. يتناول الكهنة والأساقفة والشمامسة من الكأس قبل مناولة المؤمنين. يضاف الماء إلى النبيذ مرتين – مرة خلال التقدمة ومرة خلال القداس الإلهي. هل يبقى في الكأس ما يكفي من الكحول لقتل الفيروس بعد إضافة الماء؟ هل سنبدأ بالتوجّس من هذا الخوف أيضًا؟ عند أي نقطة لن نبقى مرتاحين لذلك؟ يتناول الكاهن أيضًا من الكأس مباشرة قبل أن يقدمها إلى الجماعة. عند أي نقطة سنتوجّس من المناولة من نفس الكأس التي تناول منها الكاهن ونستسلم لهذا الخوف؟ هل ينبغي أن يكون لدينا كؤوس منفصلة للجميع؟ هذا تفكير مثير للسخرية، لكنه امتداد منطقي للحجج المقدمة لرفض الملعقة المشتركة. أصيب عدد من الكهنة الأرثوذكس بفيروس كورونا. هل أصيب أي من المؤمنين الذين تناولوا من الكأس نفسها بعد أن أُصيب هؤلاء الكهنة بالفيروس؟ بالتأكيد لا

علّق القديس غريغوريوس اللاهوتي على المساومة على الإيمان ليتوافق مع قيم هذا العالم: “لأننا لسنا كالكثيرين المستعدين لتخريب كلمة الحق ومزج الخمر التي تفرح قلب الإنسان بالماء، أي مزج عقيدتنا مع الرخيص والرائج والمزغول والمبتَذَل والصليف (لا طعم له: المترجم) لكي نحوّل الخداع إلى مصلحتنا… ولكي نكسب رضا الجمهور، مجرّحين على درجة عالية لا بلّ مخربين ذواتنا ومريقين دمَ النفوس البسيطة البريء الذي سوف يُطلَب من أيدينا” (العظات 46:2)

سنموت جميعاً موتاً جسدياً، لكن هل سنموت طوعاً الموت الثاني أي موت الروح؟ ليس الكورونا مرضًا مميتًا جدًا مقارنة بالأمراض الرهيبة التي أصابت البشرية في الماضي. نحن لم نساوم على إيماننا في الأوقات الصعبة حتى عندما كانت تلك الأمراض أكثر فتكًا ولم يكن لدينا أدوية حديثة كما لدينا اليوم للمساعدة في تهدئة مخاوفنا وشفائنا. يا لها من مفارقة! الآن لدينا الطب الحديث للمساعدة في علاجنا وإطالة حياتنا جسديًا، وهذا ليس عزاءً. لا يمكن للتقدم الطبي والعلمي أن يساعد عللنا الروحية لأن لدينا الآن المزيد من الشك والخوف. هناك شيء أسوأ من فيروس كورونا: غرس الشك بين المؤمنين بإفساد صوت الكنيسة. حتى أصغر اقتراح بأن الأسرار المقدسة يمكن أن تجلب المرض، هو تشويه رهيب للإيمان الأرثوذكسي وقد يؤثّر على الخلاص الأبدي لعدد لا يحصى من الأرواح البريئة

كتب الرسول بولس إلى الكورنثيين عن المناولة المقدسة مذكّراً إياهم بما علمّهم حول الطابع المقدس للإفخارستيا. لم يكونوا ورعين خلال الخدمة الإلهية، “غير مميزين جسد الرب”، وبالتالي كانوا يتناولون”بدون استحقاق”. لذا كتب: “مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ” (1 كو 30:11). هذا قول مدهش! إذا كان المرء يمكن أن يمرض أو يموت حتى بسبب عدم تمييز الجسد والدم، فماذا يقول ذلك عنا وعن وضعنا، ونقص إيماننا، ومخاوفنا؟ كل “الملاعق التي يمكن التخلص منها” أو “الملاعق المتعددة” أو طرق أخرى لا تعني شيئًا إذا بقيت إمكانية الإصابة بالمرض قائمة. إن موقفنا ذاته يثبت عدم استحقاقنا للمناولة

مَن كان خائفًا لا يتناولْ. لا يليق أن نسعى للتخفيف من “مخاوف” البعض بإيهان إيمان عدد لا يحصى من الآخرين. تغيير الممارسة الكنيسة في كل العالم منذ مئات السنين هو إدخال لفيروس أكثر سوءاً بكثير: التوافق مع عقلية “العالم”. اليوم لدينا فيروس كورونا. غداً سيكون هناك مرض آخر أو عذر آخر لتمويه الإيمان. لقد نجت الكنيسة من عدد كبير من الأوبئة. الخوف يأتي من ضعفنا وسقوطنا وانكسارنا التي تتواجد الكنيسة والأسرار المقدسة لشفائها وليس لإدامتها

فليرحمنا الثالوث القدوس وينيرنا

الخورية الدكتور في اللاهوت أفيانيا كونستانتينو هي حاليًا أستاذة العهد الجديد والمسيحية الأولى في جامعة سان دييغو والكلية الفرنسيسكانية للاهوت في سان دييغو وكلية القديسين أثناسيوس وكيرللس القبطية للاهوت في أنهايم، كاليفورنيا. سبق لها أن علّمت في معهد الصليب المقدس اللاهوتي في بوستن ومعهد البطريرك أثيناغوراس الأرثوذكسي. هي معروفة لدى آلاف المستمعين بـِ”دكتور جيني” إذ على مدى أكثر من اثني عشر عامًا هي تبثّ برنامجاً إذاعياً في “إذاعة الكتاب المقدس”، وتستضيف أيضًا بثًا صوتيًا مباشرًا أسبوعيًا “ابحث في الكتاب المقدس مباشرة!”. لها عدة كتب من أهمها “التفكير الأرثوذكسي، حول مهمة اللاهوت وعلم الكنيسة”. هي خورية الأب كوستاس كوستانتينو وهو كاهن أرثوذكسي تقاعد بعد أربعين عامًا من الخدمة

كتب المتقدّم في الكهنة الأب ألكيفياذيس كاليفاس، وهو أستاذ شرف في مادة الليتورجيا، مقالاً بعنوان “ملحوظة حول ملعقة المناولة المشتركة” يبرر فيه قرار الميتروبوليت البيذوفوروس استعمال ملاعق ممكن التخلص منها في المناولة، لكل مؤمن ملعقة. هذا القرار أثار اعتراضات الأساقفة اليونان الآخرين الذين كتبوا رسائل رفض للالتزام بقرار الميتروبوليت والتزام بالممارسة الكنسية المعتَمَدة في كل العالم. تعليق الخورية آفيانيا على مقال الأب كاليفاس في هذا المقال، ممتاز إذ يجمع الللاهوت والرعائيات في نص واحد، وهو يجيب على كل ما كُتِب من الفذلكات التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي

مقالة الأب كاليفاس موجودة على هذا الرابط

https://www.goarch.org/-/a-note-on-the-common-communion-spoon–2020