الأب إيليا كليوبّا
تعريب عمار عوض
إن الاشتراك بالأسرار الطاهرة، أن نتناول جسد الرب ودمه، هو السِّرُّ الأكثرُ رهبة وصلاحاً وقداسة، لأن المخلص يقول: “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” [2].ـ
لكن الشَّرِكة مع المسيح في كنيسته ممكنةٌ، حقًا، عبر خمسة طرق:ـ
الشَّرِكة الأولى والأهم هي تناول جسد الرب ودمه.ـ
الشَّرِكة الثانية، بحسب القديس باسيليوس الكبير، هي الشَّرِكة الروحية عبر طريق الصلاة القلبية الورعة. حتى إن أوقفكَ الكاهن عن المناولة لعدّة أعوام، يمكنك أن تأتي إلى الكنيسة، وأن تَقتبلَ المسيح آلاف المرات في اليوم وأكثر، من خلال طريق آخر، طريق الصلاة. إذا كنتَ تأتي إلى الكنيسة، وتقول الصلاة: “يا ربِّي يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ”، من كل قلبك، فبعدد المرات التي تتنهد فيها ذاكراً اسم يسوع، تشترك معه كما لو أنك أخذت بالملعقة الأسرار الإلهيّة. هذه هي الشَّرِكة عبر طريق الصلاة القلبية الورعة، والتي من خلالها يمكن للإنسان أن يقتبلَ المسيح مرّات كثيرة في اليوم وليس لمرّة واحدة فقط، كما لو أنه يتناول بالملعقة من الكأس المقدّسة.ـ
السبيل الثالث للشَّرِكة، هو عبر تطبيق وصايا المسيح. قال المخلّص لنا أن نصوم، وأظهر لنا كيف نصوم. قال المخلّص لنا أن نصلّي، وأظهر لنا كيف نُصلّي. أوصى أن نستقبل الغريب، أن نروي ظمأ العطشان، أن نُطعِم الجائع، أن نزورَ المحبوسين، وأن نغفر لمن يخطئ إلينا. عندما نقوم بهذه الوصايا، نقتبلُ المسيح عبرَ تطبيق وصاياه؛ هذا هو السبيل الثالث للشَّرِكة. ومن خلاله، يمكنك أن تدخل في شركة مع المسيح لمرّات كثيرة في اليوم، بعدد المرات التي تطبّق فيها وصايا المسيح. اسمع ما يقوله مكسيموس الإلهي في الفيلوكاليا: “المسيح يختبئ في وصاياه، من يطبّق وصيّةً يقتبِلُ المسيحَ، وليس فقط المسيح، بل كل الثالوث القدّوس”. واسمع ما يقوله الكتاب المقدّس: “من يحبني، وله وصاياي، ويحفظها، أنا والآب إليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً”[3]. يتّضحُ أنه ليس الابن فقط، بل والآبُ أيضاً يأتي. وحيث الآبُ والابنُ، يقتبلُ كلَّ الثالوث القدوس ذاك الذي يعمل وصايا الله، حتى لو كان مُوقفًا، من قبل الكاهن، عن المناولة المقدّسة. أتفهمون؟ هذا هو السبيل الثالث للشَّرِكة، عن طريقِ تطبيقِ وصايا المسيح. ـ
الشَّرِكة الرابعة هي بالسماع. كيف؟ أنا مُوقَفٌ من قبل كاهن لأعوام عن المناولة، لكنني أذهب إلى الكنيسة وأستمع بورعٍ إلى القداس الإلهي؛ الرسالة، والإنجيل، والشيروبيكون، وبواجب الاستئهال، وعِظَة الكاهن. إذا كنتُ أستمع بخشوع لكلمة الرّب، فبعدد المرّات التي آخذُ فيها فهمًا روحيًا بالسماع، أكونُ قد اقتبلتُ المسيح. هذه شَرِكة مع المسيح عبر الأذنين. هذا هو السبيل الرابع للشَّرِكة، ويقول الرسول بشكلٍ واضح: “الإيمان يأتي بالسمع، والسمع عبر كلمة الله” [4]. أنت تقتبل المسيح بالملعقة، وأنا أقتبله بالأذنين، عندما أسمع بورع القدّاس الإلهي، والتراتيل، وعظة الكاهن، أقتبلُ المسيح آلاف المرات دون أن تعرف أنت. إذا لم تتهيأ أنت بشكلٍ جيّد، يمكن أن تكونَ المناولة دينونةً لكَ، أمّا أنا فأمكثُ في الكنيسة بإيمانٍ كذاك الذي للعشار، وأسمعُ الخدمة بورعٍ، وأقتبلُ المسيح عبر الأُذنين. هذه طريقةٌ رابعةٌ في الشركة.ـ
السبيل الخامس للشَّرِكة هو عبر الذكرانيّات، أي الأجزاء التي تُقتطع من أجلنا في القدّاس الإلهي، لذلك لا يُمكننا أن نذكر (في الذبيحة) أولئك المدمنين على الكحول، أو الشتّامين، أو الذين يعيشون في المساكنة، أو الهراطقة، أو القتلة، لأنَّ ذلك الجزء الذي يُقتطع يمثل حضور تلك النفس. هذه الأجزاءُ تُقدَّسُ عند الاستحالة، من خلال استدعاء الرّوح القدس. وفي نهاية الخدمة، بعد أن يوضَع في الكأس جزء الحمل الذي عليه اسم يسوع، يقال: “كمال كأس الإيمان بالروح القدس”[5]، وبعدها توضع الأجزاء التي تُقتطع من أجل المؤمنين في الدم الإلهي، في الكأس المقدّسة [6]، هناك حيث يوجد جسدُ المسيح الحي ودمه. من القربانة الرابعة تُقتطع الأجزاء الخاصة بالأحياءِ، ومن الخامسة الأجزاء الخاصة بالراقدين [7]، وتُوضَع في الكأس المقدّسة. من خلال هذه الأجزاء الصغيرة كحبات الطحين والتي تُروّى بالدم الإلهيِّ في الكأس، تقتبل آلاف النفوس، لا بل الملايين، الشركة الإلهية والمباشرة مع يسوع المسيح بجسده ودمه. إذًا هذه هي الطرق الأربعة للشركة عبر سلوك طريق الأعمال الصالحة، والتي لا تحل مكان الأولى (الشَّرِكة بجسد المسيح ودمه) [8].ـ
[1] العنوان الأصلي للحديث هو “الأنواع الخمسة للشَّرِكة”، ارتأيتُ تعديل العنوان ليكون أكثر وضوحاً للقارئ باللغة العربية.ـ
[2] يو 6: 56 ـ
[3] يو 14: 23ـ
[4] رو 10: 17ـ
[5] في الترجمة العربية المستخدمة نقول: “كمال الروح القدس”.ـ
[6] بحسب تقليد الكنيسة الرومانية، توضع الأجزاء الخاصة بالأحياء والأموات في الكأس المقدسة قبل المناولة، وليس بعدها، مع الاحتفاظ بالحمل دون تقطيع إلى أجزاء صغيرة، ويقوم الكاهن أثناء المناولة باقتطاع أجزاء من الحمل لمناولة المؤمنين.ـ
[7] يستخدم الكاهن الروماني لتحضير الذبيحة في القداس الإلهي خمس قرابين.ـ
[8] في حال دنو الأجل (الاحتضار) يركز الأب كليوبا على ضرورة المناولة الإلهية كشركة في المسيح لا بديل عنها. ـ