الأب غريغوريوس من دير القديس أرسانيوس، تكساس
نقلته إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
أكتب عن هذا الموضوع بخوف وتعاطف: الخوف بسبب افتقاري إلى الأهلية لإجراء تحليل معقّد. مع إدراكي للثقة المتزايدة بهذا الحقل داخل الكنيسة، فقد تأثرت بالتعاطف مع المؤمنين الأرثوذكس. لذلك ليس هذا تحليلًا خبيراً بل مشاركة ببعض الأفكار للنظر في هذا الموضوع، ومعظمه اقتباسات من الآخرين. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن الاستنتاج النهائي يُقصَد به أن يكون عامًا وليس المقصود به أن يكون مطلقًا لكل شخص.
يعلّم الأرشمندريت صوفروني، أنّ في القداس أثناء ترنيم الشاروبيكون يصلي الكاهن ، “لا أحد يستحق” [أداء القداس الإلهي] ، كذلك أيضًا لا أحد يقدر أن يكون أبًا روحيًا. ويوضح بأن هذا هو الوضع لأن الأب الروحي هو مشارك لله في العمل في خلق الآلهة الخالدين. هنا، بالطبع، هو يعني ضمناً دعوتنا إلى التألّه. لقد أكد هو والآخرون الذين تحدثت إليهم حول هذا الموضوع على حقيقة أنّ الأب الروحي يجب أن يكون رجل صلاة. على الرغم من أنه من الضروري أن يكون على دراية بتقليد الكنيسة النسكي، وهنا تتبادر إلى الذهن الأمور التي قرأها المرء، يجب على الأب الروحي أن يسعى في طلب المساعدة من الله بالصلاة. والآن ، اسمحوا لي أن أشارك بعض الأفكار للنظر فيها:
طرحتُ السؤال التالي على أحد الآباء الآثوسيين الذي يرغب في عدم الكشف عن هويته (وهو كان كان طبيباً قبل أن يصبح راهباً): لقد التقيتُ كهنةً في الكنيسة يعتمدون كثيرًا على علم النفس الحديث في إرشادهم. هل من الممكن أن نتّكل على علم النفس؟ أجاب: نحن يمكننا تتبع تعاليم آبائنا القديسين إلى القرن الرابع، بينما تعود جذور علم النفس إلى القرن السادس عشر أو السابع عشر في الغرب غير الأرثوذكسي. في علم النفس يكتشفون بعض الأشياء المفيدة ولكن آباءنا عرفوا بالفعل هذه الأشياء لأكثر من ألف عام. في الغرب، هناك مشكلة: يُعتقد أن الأفكار والعقل واحد. لكن وفقًا لتعليم الكنيسة الأرثوذكسية، فإن العقل والأفكار ليست واحدة بل اثنتان؛ ويجب تطهير العقل من الأفكار الخاطئة التي تمر به.
يمكن إعادة تطور علم النفس إلى مشاكل في المسيحية الغربية على علاقة بالخلاص. في الكثلكة، الخلاص هو تقيّد منهجي، بالأبيض والأسود، بالقواعد والأعمال الصالحة. يُقال إن هذا يعطي كل شخص استحقاقه الخاص تجاه خلاص روحه. في البروتستانتية، يُعتقد أن الخلاص هو مسألة اعتراف بالإيمان فقط. ويُعتقد بالتالي أن اسمك مكتوب في كتاب الحياة. ولكن في الأرثوذكسية، الخلاص هو عملية الجهاد لتطهير الإنسان الداخلي. في هذه العملية، هناك ثلاث مراحل من النعمة، الأولى هي مرحلة التطهّر ، والثانية هي الاستنارة، والثالثة هي الكمال وهي نادرة. يجب أن نتوب ونتطهّر من أفكارنا الباطلة وخطايانا، عندها يصبح العقل مستنيرًا بتلقي أفكار الله.
تطوّر علم النفس في الغرب لأن المسيحيين في الغرب لا يفهمون الحاجة إلى تطهير الأفكار. يمكن للأفكار التي تدور في ذهن المرء وأن تدفعه إلى حالة من المرض العقلي، وبالتالي يحاول علم النفس إبقاء العقل مشغولاً بأشياء أخرى لتجنّب ذلك. لذلك يمكن أن يساعد علماء النفس في بعض الأحيان في منع أي شخص من الوصول إلى المرض العقلي، لكن علم النفس لا يمكنه فعلاً شفاء النفس.
في إشارة إلى هذا الأمر، قال أحد المبتدئين، مقتبساً من أحد أقاربه الذي يعمل طبيباً نفسانياً وله كتب في هذا المجال: “نحن علماء النفس مثل الإسفنج. نمتص مشاكل الناس لكن لا يمكننا شفاؤها”.
عندما كنت شماسًا، أنهى أحد الشبان الذين كانوا يزورون ديرنا شهادة البكالوريوس في علم النفس. سألته: “هل من الجيّد بالنسبة لي كأب روحي أن أدرس بعض علم النفس لهذه الخدمة؟” أجاب: “لا ، لن تتعلم شيئًا جديدًا عن خدمتك الروحية، لكن ذلك سيساعدك على تصحيح أخطائهم”.
أخبرني أحد الكهنة عن صديق له اقترح عليه قراءة كتاب عن علم النفس. أخبره هذا الرجل أنه على الرغم من أن كل شيء في الكتاب لم يكن تعليمًا مناسبًا، إلا أنه كانت هناك بعض النقاط الجيدة. قال هذا الكاهن إن هذا الرجل كان مدركًا جدًا لما شاهده. ومع ذلك فقد لاحظ تغييراً في طريقة تفكير هذا الرجل إثر قراءة الكتاب إذ أصبح متشككاً للغاية، وصار يسعى للحصول على أدلة وتفسيرات منهجية لمسائل الإيمان من خلال التفكير الاستنتاجي. صار يسعى إلى تحليل وإعطاء تفسيرات عقلانية لأسرار الإيمان التي لا يمكن أن تخضع لهذا. بالنتيجة تأذّى إيمانه البسيط.
أعرف كاهناً سابقًا كان في وقت من الأوقات متحمسًا جدًا لأحد أبناء الرعية الذي كان أخصائيًا نفسيًا بارعاً في العلاج الجماعي. لقد أدخل هذه الممارسة في رعيته وبدأ في قراءة كتب علم النفس. لقد كان يعاني من خلافات شخصية في زواجه، ونتيجة لقراءته علم النفس، خلُص إلى أن ما يحتاجه هو علاقة حقيقية مع امرأة “جيدة”. فانتهى به الأمر إلى ترك الكهنوت وزوجته والزواج مرة أخرى.
في محادثة مع الأسقف باسيل رودزيانكو، الذي يرِد عنه الكثير في الكتاب الواسع الانتشار “قديسو كل يوم “، علّق قائلاً: “تتفق الكنيسة وعلم النفس على أن الذنب سوف يدفع الإنسان إلى الجنون. في الكنيسة نتعامل مع هذا من خلال التوبة ولكن في علم النفس يحاولون استخدام طرق أخرى”.
أخبرني أحد معارفي الذي أمضى بعض الوقت في أحد الأديار: كنت أواجه بعض الصعوبات مع الغضب، وكان كاهننا الأب رومانوس مسافراً. أخبرت الكاهن الزائر عن معاناتي. فقال إنني بحاجة إلى العودة إلى الماضي وشفاء الطفل الداخلي فيّ. هذا ما سمّاه الكاهن علاج الفكر واعتبر أنه سيكون مفيداً. عندما عاد الأب رومانوس وسألته عما إذا كان ينبغي علي فعل هذا فأجاب: “لا، أنت فقط ستوفر أدوات للشياطين”. أعتقد أن الأب رومانوس قلِق من إعادة تقديم التجارب القديمة وإثارة الجروح القديمة المفتوحة. لقد فهمتُ من طبيب نفساني أن الهدف في هذا هو إزالة عقبات الماضي التي يمكن أن تسبب سلوكًا غير طبيعي. هذا يطرح سؤالا: ما هو النهج الأفضل؟ سأقدم بعض الأفكار واترك القراء يقررون بأنفسهم.
يعيدنا الحديث عن تذكّر الماضي إلى رسالة كتبها الشيخ يوحنا من فالامو في القرن العشرين. لقد كتب عن الذاكرة: الخيال والذاكرة هما إحساس داخلي واحد. في بعض الأحيان تقع بعض الأحداث السابقة على رأسنا كالمطرقة. في مثل هذا الوقت الحاجة هي إلى الصلاة المركزة والصبر أيضًا. يجب أن تُملأ ذاكرتنا بقراءة الإنجيل المقدس وكتابات الآباء القديسين؛ بمعنى آخر، يجب ألا يكون العقل خاملاً. يجب الاستعاضة عن الأحداث السابقة بأفكار أخرى، وبالتدريج ستزاح ذكرياتك السابقة وستزول الكآبة. في قلب واحد، لا يستطيع سيدان العيش معًا. (“المسيح في وسطنا، رسائل من راهب روسي”، ص 30)
شيء آخر يقال على بعض العلاقة بهذا: عندما زرت دير القديس يوحنا المعمدان في إنجلترا، كانت لي نعمة التحدث مع الأب صوفروني. كان عندي أسئلة كتبتها وقرأها له الأب كيريل قبل ذلك. عندما جلسنا للحديث سألني الأب صوفروني أولاً: “أين درست علم النفس؟” دُهشت لسماعه يقول ذلك، إذ إني درست في الكلية علم النفس لفصل دراسي واحد، وكنت مهتماً كثيراً بهذا العلم. لقد أحسّ بأني كنت أُفرِط في تفحّص وتحليل نفسي. قال: هناك بعض الذين فعلوا ذلك وأصبحوا قديسين (أعتقد أنه كان يفكّر بالقديس يوحنا السلّمي الذي تفحّص في سلمه إلى الله الأهواء وتحدث عن عمل الفضيلة بالتفصيل) وتابع الأب: ” لم تكن هذه طريقة القديس سلوان ولا هي لنا هذه الطريقة. إن الطريق بالنسبة لي مستقيمة نحو الأمام.”
تعليقاً على عبارة: “الطريق مستقيمة نحو الأمام”. قال القديس سيرافيم إن الهدف من الحياة المسيحية هو اكتساب نعمة الروح القدس. نحن بحاجة إلى أن ندرك أخطاءنا ونعترف بها. ولكن بدلاً من محاولة فحص وإصلاح كل ما يبدو أنه خطأ معنا، يجب أن نمضي قدمًا بشكل مستقيم ونحاول الحصول على نعمة الروح القدس. فيما ننمو في نعمة الله، تضعف سيطرة الأهواء علينا. كل نقاط ضعفنا ومرض نفسنا يصبح احتمالها أكثر سهولة. إن كلمات الشيخ يوحنا فالامو المذكورة أعلاه قابلة للتطبيق تمامًا إذا استبدلنا كلمة “الذاكرة” بكلمة “نفس” و “كآبة” بعبارة “أهواء، إلخ”: “يجب أن تُملأ ذاكرتنا (أو نفسنا) بقراءة الإنجيل المقدس وكتابات الآباء القديسين؛ بمعنى آخر، يجب ألا يكون العقل خاملاً. يجب الاستعاضة عن الأحداث السابقة بأفكار أخرى، وبالتدريج ستزاح ذكرياتك السابقة وستزول الكآبة (أو الأهواء). في قلب واحد، لا يستطيع سيدان العيش معًا.”
لعلم النفس نهج مختلف. كتب أحد الكهنة الرهبان الذين درسوا في القديس تيخن: “علم النفس هو شكل علماني للدين الشرقي. يحاول علماء النفس وضع جميع الأجزاء في المكان المناسب”. قد يبدون بمظهر أنهم يكمّلون ما في النفس من صورة الله. لكن الأب صوفروني يعلّق على الذين يختبرون شيئاً من الكمال في الدين الشرقي: “إله الجميع ليس في هذا”.
في الختام ، أترككم مع تعليق للأرشمندريت صوفروني: “علم النفس ليس مفيداً للذين في الكنيسة. الأب الروحي يساعد الذين يأتون إليه لأنه مرّ بتجارب مماثلة وتعلّم مما عاناه”.
* Taken from PANAGIA: “QUICK TO HEAR”