الأب أنطوان ملكي
ترايسي نورمن هو أول عارضة أزياء في سبعينيات القرن الماضي. وُلِد ذكراً وعاش كامرأة لم يجرؤ على كشف سره إلا في القرن الحالي. لكن اليوم عدد الرجال الذين يعملون كعارضات أزياء صار كبيراً جداً، ومنهم أسماء مهمّة تتقاضى مبالغ طائلة تفوق مبالغ النساء الطبيعيات[1].
في الرياضة أيضاً يجري خلط أوراق. الرجل الذي يسمّي نفسه راشيل ماكنون ربح سباق الدراجات المخصص للنساء. بعض الإعلام صفق بينما عدد من المدربين اعترضوا والرابحة الثالثة عبّرت عن عدم العدالة في هذا السباق. [2] من جهتها سباقات الماراثون والجري تشهد المزيد من النقاش الحامي حول سر الأرقام القياسية الذي تشهده بسبب دخول رجال تحوّلوا إلى هذه السباقات، من بينهم عدد من الذين سابقوا قبل سنة في سباقات الرجال. [3] يتحرّك بعض المعلّقين دون أن يجرؤوا على الاستنكار، خوفاً من جمعيات حقوق المثليين التي تمارس دور الفزاعة خاصة على الحقوقيين والإعلاميين وبعض الأكاديميين الذين يعتاشون من تغطية الدولة لأبحاثهم. فئة قليلة جداً من الأشخاص استنكرت وطرحت أسئلة حول مصداقية هذا النوع من السباقات بعد اليوم حيث لن يسمح جماعة الدفاع عن المثليين بأن يكون للمتحولين سباقاتهم الخاصة لأن هذا فيه تمييز ويتعارض مع مبادئ المساواة والانخراط التي ينادون بها. فئة صغيرة تدين هذا الأمور ويكون نصيبها الاتهام بالعنصرية والملاحقة القانونية بتهم التمييز وجرح مشاعر المثليين.
صاحب محل حلوى بريطاني رفض أن يصنع قالب حلوى لعرس رجلين مثليين، وعلل رفضه بأن الأمر يتعارض مع إيمانه، تعرّض للملاحقة القضائية والتشهير وحتى أن البعض هاجموا محله وآخرون قاطعوه، إلى أن حكمت المحكمة العليا بعدم جواز إلزامه على بيع أشخاص لا يريد بيعهم من دون التطرق إلى موضوع المثلية. [4]
رجل منفصل عن زوجته وله ولدان توأم في الثامنة من عمرهما، يعيشان معه ويزوران والدتهما أسبوعياً. أحس بظهور بعض العلامات غير الاعتيادية على أحد الولدين. بعد عرضه على الطبيب أخبر الولد أباه بأن أمه تصرّ على مناداته بإسم فتاة وأنها تلزمه على تناول دواء تبيّن أنه هرمونات تسبب الخصي للذكور. لجأ الأب إلى المحكمة، لكن جمعيات حماية وتشجيع المثليين أمّنت للأم أقوى المحامين الذين يتقاضون أرقاماً خيالية كان توليهم للقضية كفيلاً بأن يأخذ من الوالد كل مدخراته ويصير مهدداً بالسجن، خاصة لأنه علل رفضه لخصي ابنه بأسباب إيمانية وهاجم المثليين مستنداً إلى الإنجيل، فاعتبرت المحكمة الأمر تعنيفاً. [5]
الكاتبة كاتي هوبكينغ في تعليق على ربح رجل لسباق السيدات غردت محتجة ورأت أن العالم يغرق في حمّى الجنون. هذا كلام صحيح. هذه القصص والعشرات غيرها، تتلافى وسائل الإعلام الغربية نشرها، بينما في مقابلها إعلام مجتهد في تصوير المثلية بأشكالها المتعددة على أنها حال طبيعية.
لكن ماذا عن بلادنا؟ حملات التسويق لتقبّل المثلية تزداد عدداً ومجاهرة، خاصةً برامج التلفزيون. قانونياً، منذ 2017 أقرّت محكمة الاستئناف اللبنانيّة قراراً سمح بتغيير قيد مواطن متحوّل جنسياً من ذكر إلى أنثى. [6]
أكبر مشكلة في مواضيع التحوّل والمثلية والجندرة أنها تُوضَع في إطار العدالة وكون الأديان، والمسيحية أولاً، هي المعترض الأول يصير جهاد المدافعين عنها موجهاً ضد الدين. الواقع أن المجتمع الداعم في لبنان همه الأول هو إدانة الدين، مستغلاً مواقف العنف التي يتخذها بعض رافضي المثلية والتي تسيء بالدرجة الأولى إلى خلفيتهم الإيمانية. ما ينتج هو صرف النظر عن القضية الأساسية إذ يتحوّل المثليون والمدافعون عنهم إلى مظلومين وأصحاب حق ومُعتدى عليهم. وهنا تبدأ مزايدات الجاهزين لقول أي شيء مقابل رفع شعبيتهم او زيادة عدد معجبيهم. كل هذا في ظل نظام قضائي هش ومتخلف، وضمن مجتمع محكوم بالغرائز والنكايات حيث المبادئ في أغلب الأحيان لا تتعدّى كونها مواد خطابية.
ما يجري ليس حالات معزولة إنما جزء من موجة تعكس السقوط البشري في أبشع صفاته وتنقل تحدي الله الذي كان في الماضي مجرّد نشاط فكري يتبنّاه بعض الفلاسفة والمفكرين، لكن تحوّل هذا التحدي إلى طريقة حياة يتبنّاها مرضى مجني عليهم في أغلب الأحيان من عائلاتهم ومحيطهم. ويأتي دور بعض أصحاب الفكر المستكبرين في تحويل هذه الحالة إلى تيار يتّسع في ظل تغطية إعلامية تدّعي العلم ولا تستند إليه، ولا تعرف الدين بل تسعى إلى كسره. إلى اليوم، ليست ثابتة الأسس التي يدّعي المثليون والمدافعون عنهم الاستناد إليها سواء بأن المثلية مولودة أو في الأرقام التي يوردونها. العلم واضح بأن المثلية خيار مكتسَب.
هناك ما يكفي من الدراسات والكتابات التي تؤكد ان المثلية مرض. وهذه المعرفة لمَن يريد أن يعرف. من الناحية الإيمانية، الكتاب المقدس والتقليد يعتبران المثلية مرضاً في بداياته وسقوطاً إذا ما ثبت الإنسان فيه. في العمق، ليست قضايا المثليين والجندرة قضايا علم، بل موقف من الله كخالق لهذا الكون بحكمة يتطاول عليها الذين يدأبون على تبرير تغيير الجنس أو تشريع الشذوذ. ليست المثلية مخالفة لوصية أو لآية وحسب، كالتدخين مثلاً، بل هي تحدٍ لله كخالق وقول بأنه مخطئ ولا يعرف ما يفعل. بالطبع، هذا لا يبرر أي عنف نحو المثليين أو أي رفض لهم، بل هو دعوة إلى إيجاد أطر تربوية على مستوى الكنيسة ككل مروراً بالرعايا وصولاً إلى العائلات التي هي الأساس في التربية، بحيث ينشأ الأولاد في اتّزان. المثلية في وضعها القائم وجه من وجوه التطرف الكفري. من الأمثلة البسيطة على هذا التطرف أن غالبية المشاركين في أنشطة المثليين من تجمعات دعم وحملات مناصرة، ومنها الحفلة التي جرت دعماً لمشروع ليلى مؤخراً في بيروت، يرفعون بأصابعهم شعار رأس العنزة وهو شعار شيطاني، دون أن يعلموا ذلك ودون أن يقصدوه. لكن بهذه الأمور الصغيرة يُدخَل مراهقونا في حلقات لم يسعوا إليها.
تتساقط كنائس الغرب واحدة تلو الأخرى أمام ضغط السياسيين والمنحرفي التفكير، فتتنكر للإنجيل وتشرّع زواج المثليين. حتّى الكثلكة ليست بمنأى عن ذلك خاصةً بوجود فرنسيس على رأسها. المسيح أوصى بالمحبة لا بالتملَق وأوصى بالحكمة لا بالتسفيه. أن يعرف الإنسان خطيئته ضروري، لكن أن يتّخذ خطيئته حجة لكي لا يدين الخطأ، لا الخاطئ، فهذا تواضع كاذب. المناعة لا تأتي لا من أنظمة ولا من أحكام بل تأتي من الله عندما يتجلّى في كنيسته وعائلات أبنائها. العالم ينتقل من جنون إلى جنون ومن درك إلى درك. نحن في العالم ولسنا منه، هكذا قال سيدنا. بعضنا يريدنا في العالم ومنه. هذا صراع الكنيسة منذ أن وُجدَت ولا خيار لنا إلا قوة إلهنا.
[1] Hermione Hoby. “How Tracey Norman, America’s first black trans model, returned to the limelight”. The Guardian News. 21 Aug 2016. https://www.theguardian.com/society/2016/aug/21/tracey-norman-black-trans-model-face-of-clairol
[2] Caleb Parke. “‘Not fair’: World cycling bronze medalist cries foul after transgender woman wins gold”. Fox News. Oct. 19, 2018. https://www.foxnews.com/sports/not-fair-world-cycling-bronze-medalist-cries-foul-after-transgender-woman-wins-gold
[3] Martin Fritz Huber. “Inside the Complex Debate Over Transgender Runners”. Outside. Sep 6, 2019. https://www.outsideonline.com/2401542/utmb-ultrarunning-prize-money
[4] Robert Barnes. “Supreme Court passes on case involving baker who refused to make wedding cake for same-sex couple”. Washington Post. June 17, 2019. https://www.washingtonpost.com/politics/courts_law/supreme-court-passes-on-new-case-involving-baker-who-refused-to-make-wedding-cake/2019/06/17/f78c5ae0-7a71-11e9-a5b3-34f3edf1351e_story.html?noredirect=on
[5] Emily Jones. Father Says 6-Year-Old Son Refuses Mom’s Demand to Dress Like a Girl – Now He’s Being Charged with ‘Child Abuse’. CBNNEWS. 11-27-2018. https://www1.cbn.com/cbnnews/us/2018/november/father-refuses-to-allow-6-year-old-son-to-dress-like-a-girl-ndash-now-hes-been-charged-with-child-abuse
[6] سحر مقدم. أن تكون متحوّلاً جنسياً في الشرق الأوسط. رصيف 22. 26 حزيران 2017. https://raseef22.com/article/65180-