الأب جورج كبسانيس الأثوسي
نقلها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي
يساعدنا ذكر الموت على تخطي ذاتنا السابقة، لأنه يجلب التواضع إلى النفس. عندما ننسى الموت نقع تحت وهمِ أننا سوف نبقى على الأرض إلى الأبد وهذا يزيد غطرستَنا، جشعَنا، عبادتَنا للجسد وميلَنا لاستغلال الآخرين. ذكرُ الموت يعطينا شعوراً بمحدوديتنا على الأرض وأهمية أفكارنا وكلماتنا وأعمالنا لحياتنا بعد الموت وفي الأبدية.
يساعدنا ذكر الموت على التعاطي بجدية مع الحياة الحاضرة، على ضوء الأبدية، حتّى لا نضيّع حياتنا الأرضية في التبذير والإهمال والعبث، من دون أي نفكّر بالنتائج.
قال سقراط الحكيم اليوناني القديم، أن الفلاسفة الحقيقيين يدرسون الموت دوماً، وبالنسبة لهم الموت ليس رهيباً أبداً. والقديس يوحنا الذهبي الفم ينصحنا بزيارة القبور دوماً حتّى نتفكّر بعبثية الأعمال البشرية.
نحن نعرف جميعاً أن بعد زيارة المقابر نكون أكثر تواضعاً واحتمالاً وأقلّ تعلّقاً بالأمور المادية وأكثر انفتاحاً على الله والآخرين.
إن ذكر الموت الذي كتب عنه كثيراً القديس يوحنا السلّمي وغيره من الآباء القديسين لا علاقة له بأي تفكير مريض أو سوداوي أو عصابي. هذه لا تنفع النفس أبداً لأنها لا تجلب إلا اليأس وينبغي تخطيها بمعونة مرشد روحي.
إن ذكر الموت الذي من الله هو حالة مواهبية روحية تجلب التواضع والسلام والبهجة للنفس. إنه عطية من الله ومنه ينبغي أن نطلبها.
كيف يتمّ ذكر الموت؟
بقدر ما نتخطّى حياتنا المتمركزة حول الذات وبقدر ما نحب الله أكثر ونفكّر به أكثر. نفكّر بما يهمّنا وما نحبّ. الرب نفسه قال: “حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم”.
إن دراسة كلمة الله في الكتاب المقدّس وآباء الكنيسة، التواصل مع أشخاص روحيين يحبّون الله، الصلاة بحرارة، الاشتراك بالخدَم بانتظام والمناولة باستمرار وعن استحقاق، كلها أمور تؤجج محبة الله في داخلنا وبالتالي ذكرنا له.
ينصحنا القديس غريغوريوس اللاهوتي: “تذكر الله أكثر مما تتنفس”.
إن الذكر الدائم للموت يجلب سلاماً عميقاً وفرحاً للنفس، حتّى في أصعب ظروف الحياة.