الإباحية محنة الشباب المعممة

الأب يوهانس جاكوبس

نقلها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

أنا متقدم في العمر ما يكفي لأتذكّر الثورة الجنسية ووعودها الملتبسة بأنه عندما تُزال القيود الأخلاقية عن السلوك الجنسي فإن زمناً ذهبياً سوف يبزغ، حيث الكل سوف يعيش بسعادة وبراحة بال واكتفاء.

لم تجرِ الأمور على هذا المنوال. اليوم أعالج الخراب الذي سببته هذه الثورة وأحاول أن أقدّم العلاج للرجال الذي تأذّوا منها. أنا أشرف على شبّان وأرى كيف أن تعميم الإباحية (pornography) اختطف رحلتهم من المراهَقَة إلى البلوغ. إن النمو هو عملية صعبة محفوفة بكل أنواع الغليان العاطفي الذي يغري الشبّان بالتطلع نحو الإباحية للراحة. ومتى صار السعي إلى الراحة اعتيادياً، وهذا قد يتمّ بسرعة، فإن الخبرات الضرورية التي يحتاجها الصبي ليصير رجلاً تكون قد أحبِطَت إذ إن التوتر لم يتمّ حلّه بتعلّم كيفية السيطرة على مشاكل الحياة بل باللجوء بشكل أعمق إلى التخيلات الجنسية.

اليوم، هذا يؤثّر على نسبة من شبابنا حجمها أكبر مما نحسب. بخبرتي، إن استهلاك الشباب للإباحية واقع كوني، وآثاره ليست بلا قيمة. يشير الباحثون أنّ 3 بالمئة فقط من الصبيان و17 بالمئة من البنات لم يسبق لهم أن رأوا عملاً إباحياً. إن الإنترنت تبيحه في أي وقت وأي مكان. أولاً يجري التعرّض غالباً خلال المراهقة، حين يكون الدماغ في طور التشكّل وشديد التأثّر بالصور الرسومية.

من الصعب الحساب بالأرقام المحددة كم هي مربحة صناعة الإباحية. قبل الإنترنت، كان الوصول إلى الإباحية تحت السيطرة، مع تحديد الانتشار في الأحياء البائسة. في تلك الظروف، كان السعر عالياً، مما يؤدّي إلى أرباح وجيهة. منذ التمدد إلى الإنترنت، صار الوصول إلى الخلاعة قريباً قربَ نقرة على الماوس، والمحتوى مجاني بشكل متزايد. في الثلاثين سنة الأخيرة، تناقصت استديوهات الإباحية الأميركية من 200 إلى 20، وتراجع المكسب العالمي من ما كان يُقدّر ما بين أربعين وخمسين مليار دولار إلى ما يقارب الثلاثة أرباع ذلك.

إن الوصول الحرّ يعني أيضاً أن الإباحية صار معممة وتحوّلت إلى سلعة. إن المقياس الدقيق الوحيد لدينا عن استهلاك الإباحية هو معدلات النقر على الإنترنت أو عمليات البحث عبر غوغل. الأرباح تتناقص بينما الإباحية تنتشر. Mindgeek، وهي أحد أكبر مروجي الإباحية رقمياً، تذكر أنها تقدّم خدمات إلى ما يزيد عن مئة مليون زائر في اليوم، يستهلكون 1٫5 ترابايت من الإباحيات في الثانية، أي ما يكفي لتنزيل 150 فيلماً روائياً.

عند الأجيال السابقة، كان حضور الإباحية يُعتَبَر خزياً. لهذا السبب، كانت دكاكين الإباحية تقع في الأجزاء القذرة من المدن. كان الممثلون الإباحيون يُقابَلون بالازدراء. اليوم، كل ما يمكن أن يبدو غريباً، حتّى ولو دلّ على الجهل، يُقدَّم على أنه يخفي حكمة بأننا بدأنا نعيد اكتشافها. أحد أسباب المنع السابقة كان الخوف من أن الإباحية تهدم الشباب، رجعية، جامدة، وحتى غير صحيّة. نحن اليوم نجد، وبالطريقة الصعبة، أن شيوخنا كانوا على حق.

يسألني الشباب ماذا أفكّر بالإباحية، وأنا لا أتصنّع أي كلمات. تأتي الإباحية من أعماق الجحيم ومقصود بها أن تهدم شخصيات الشباب حتّى قبل أن تتاح لهم فرصة أن ينموا إلى شعور صحي بمَن هم وماذا يمكن أن يصبحوا. أقول لهم أنه عندما يصبح الفكر إباحياً فإن أمرين يجريان تدريجياً: أنت تخسر كل شعور أسمى بالذات، وعلاقاتك تصير مشوّهة.

غالبية مستعملي الإباحية رجال، لكن النساء أيضاً يجرحهن هذا الوباء. تخبر الزوجات أنهن يشعرن بالخيانة عندما يشاهد رجالهن أعمالاً إباحية، تماماً كالزنا الفعلي. النساء تأتين إلى الزواج سعياً إلى الاحترام والرِفقة والشراكة والصدق والحب الرومنسي. يتكوّن عالم الإباحية من الاستغلال، التلذّذ عن طريق التّلصّص (voyeurism)، التشييء، والانسلاخ. يشير المرشدون إلى زيادة استعمال الإباحية تؤدي إلى الطلاق.

إن قساوة القلب تعزز خشونة الثقافة. عندما يتزايد عدد الشبان الذين يقاربون الجنس بطريقة عَرَضية، كما لو أنه شرب كوب من الماء، فإن الشابات تضطر إلى الانضمام إليهم وكثيرات منهن انضممن. إن الإباحية هي محرّك لهذا التحوّل. يمكن لأي كان أن يخمّن أين سوف تقود عندما يتقدّم بالسنّ هذا الجيل العالِق. لكن انهيار الأعراف الجنسية لا يبشّر بالخير لاستقرار المجتمع على المدى الطويل.

لسنا بحاجة إلى مكتبة من دراسات علم النفس لتأكيد هذه الأنواع من الحقائق الأوّلية. الأجيال التي قبلنا فهمتها بطريقة بديهية. لهذا حصروا الإباحية في أماكن لا يسعى إليها إلا المدمن بشكل مزمن. اليوم، نحن نقود أولادنا بشكل أعمى إلى هوة هلاك، معتقدين بأن جهلنا للحكمة التي مورسَت في الأجيال السابقة فاضل بطريقة ما.

كيف تؤذي الإباحية شبابنا؟ (تحذير: ما يلي كلام صريح). إن الطريق من المراهَقة إلى البلوغ مرهِقة وملأى بمختلف أنواع الاضطرابات العاطفية. يستطيع الشاب أن يجد راحة في العادة السرية، لكنه غالباً لا يلبث أن يفهم أن هذه الراحة عابرة ولا تحلّ المشاكل التي تحتاج إلى اهتمام، أو على الأقل هكذا كان الأمر.

لقد صارت الإباحية واسعة الانتشار حتى صار من الصعب الهرب منها بنمط التصرف الهروبي. الإباحية هي منبه جنسي مقصود لفَرض الاستمناء (الذي يسمّيه القديس باسيليوس اغتصاب الذات-المترجم). أصلاً، الشبّان يستعملونه للتخلص مما يبدو أنه ضغوطات عاطفية لا يمكن تخطيها. وفيما يستمر السلوك تصبح عادةً لا تقاوَم بل تؤخّر النضوج. إنها تعمل مثل المخدرات بشكل واسع. أعطوني شاباً يعاني بالمخدرات ويريد أن يخلص منها، فأول سؤال أطرحه عليه هو متى بدأ تعاطي المخدرات. هذا يخبرني متى توقف النضوج ومكان تحديد المشاكل التي قادت إلى تعاطي المخدرات. فقط عندما تتم معالجة هذه المشاكل يمكن أن يبدأ النجاح الذي يتوق إليه الشبّان. في هذه الأيام أسأل: متى بدأت تعاطي الإباحية؟

كيف يتمّ الشفاء؟ الحقيقة هي أن الشبان يتوقون إلى يكونوا مستقرين وناضجين. عندما يبدؤون بالصراع مع السيطرة التي تمارسها الإباحية والسلوكيات المصاحبة لها على حياتهم، يجري شيء ملحوظ. إنهم يبدؤون باختبار ما هي الحياة الداخلية الأكثر صحة (قلباً ونفساً وفكراً) والشعور بها، ويطلبون المزيد من هذا الشعور.

أنا أخبر الشبّان أن رحلة اكتشاف الذات هي المغامرة الأكثر إنعاشاً التي قد يقوم بها الرجل. هذه الحالة لا تنتهي. أخبرُهم أيضاً أن يقاوموا كل الوعود الكاذبة التي تسجن النفس. إن الأكاذيب هي مثل كوب مملوء رملاً يُعطى لرجل عطشان. اختاروا الماء. نحن نبدأ هذه الرحلة سوية، لكن الرجال المتلهّفون يتعلّمون بسرعة. إن أكثر ما يحتاجونه جميعاً هو خارطة الطريق والتشجيع والمسؤولية.

ترتبط الجنسانية بالإبداع. يتمّ النمو أولاً عندما يعيد الشاب توجيه نفسه أخلاقياً حتى يمكنه التعبير عن إبداعه بطرق تتطابق مع مواهبه الفطرية. هذا يتطلّب مرشداً أو مدبراً روحياً مثلي يستطيع أن يميّز ما هي المواهب ويقود الشاب نحوها. غالباً ما ينقص الشباب الثقة لأن عادة الإباحية تمنعهم من اختبار الاختبارات التي قد زوّرتها بطريقة أخرى. وبالرغم من ذلك، عندما يرتبط الإبداع الذي كان فاسقاً في الماضي بالنجاح، فإن منطق ضبط النفس الأخلاقي يصير بديهياً.

ليس كل الشباب ينجحون. لقد اتصل بي مرة شاب كان يتشوّق إلى أن يخدم في حرس الشواطئ. كان عليه أن ينهي الجامعة أولاً. كان بإمكانه النجاح، لكنه في النهاية لم يكن مستعداً لتحمّل الصراع لتخطي العادة التي كانت تمنعه من ذلك. لو أنه خُلق في جيل سابق ربّما لما كان تعرّض لكل هذه المعركة.

إن الإباحية هي مشكلة لا يرغب بمواجهتها إلا القليل من الناس، والسبب بالدرجة اﻷولى هو أننا لا نعرف كيف نتعاطى معها. إن الحزب الجمهوري سمّاها بحق “أزمة الصحة العامة” في برنامجه لعام 2016. يستشهد المدافعون عن الإباحية بحصانات التعديل الأول لمقاومة القيود على توزيع الإباحية. لكن الإباحية هي أكثر من الكلام بكثير وليست من نوع الأفكار التي وُضع التعديل الأول لحمايتها. نحن لا نعطي سجائراً وكحولاً للقاصرين. لماذا نقف مكتوفي الأيدي فيما تجار الإباحية يمطرونهم بسمومهم؟

الشباب يكبرون. لكن إن لم تُقطَع دائرة الإباحية، وفي أغلب الأوقات هي غير مقطوعة، فإنهم سوف ينضجون كرجال-أولاد. ومن ثمّ المرض يصيب الأسر والأطفال. إن ثمرة الثورة الجنسية السامّة هذه سوف تكون معنا إلى أجيال.