حول رسم الأيقونات
القديس يوحنا مكسيموفيتش
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
الأيقونة هي رمزُ غير المرئي. إن رأينا المظهر الخارجي للمسيح والقديسين، فعلى الأيقونة أن تكشف المظهر الداخلي، والقداسة أيضاً. حتى الرسوم الدهرية غالباً ما تشخصن بعض أنواع الأفكار. لنأخذ مثلاً، نُصب بطرس الأكبر في بتروغراد: إنه مصوّر على حصان منطلق إلى الأمام، رافعاً راكبه إلى فوق. هذا يعبّر عن كم رفع بطرس الأكبر روسيا في أوجه كثيرة. الأنصاب الأخرى تمثّل ايضاً أفكاراً من أنواع أخرى. إذا كان هذا ممكناً في الفن الدهري فلا بد أنه ممكن في الفن الديني، حيث يُمثّل ما هو أسمى أي السماوي والروحي. ليست الأيقونة صورة فنية تصف مظهر الشخص الأرضي وحسب، بل هي أيضاً تمثّل حالته الداخلية ايضاً. حتى تصويرات المظاهر الخارجية وحدها تختلف عن بعضها في مختلف الأوقات. اعتاد الميتروبوليت أناستاسيوس المبارك أن يخبر أنه عندما كان طالباً في الأكاديمية اللاهوتية انضمّ هو وزملاؤه في كرونشتادت إلى خدمة كان يقيمها الأب البار يوحنا، الذي عندما قارب نهاية القداس أخذ مظهراً لامعاً منيراً على شبه موسى أثناء نزوله من جبل سيناء. لاحقاً، عندما استقبلهم في قلايته كان مظهره كأي شخص عادي. إن ربنا يسوع المسيح نفسه أرانا مجده مرة على طور ثابور بينما في الأوقات الأخرى كان مظهره إنساناً عادياً، حتى أن الناس كان يتساءلون حول مصدر قوته والمعجزات التي كان يقوم بها.
يجب أن تصوّر الأيقونة المظهر الخارجي ولكن أيضاً الحياة الداخلية والقداسة والقرب من السماء. الوسيلة الأساسية لتحقيق هذا هي الوجه، التعبير والمظهر المصوّر على الأيقونة. أيضاً، ما تبقّى من الأيقونة يجب أن يكون منسجماً مع هذا التعبير. لقد ركّز كاتبو أيقوناتنا الأرثوذكسيون انتباههم على تصوير حالة النفس الداخلية التي يخفيها الجسد. وبقدر ما استطاعوا تحقيق ذلك كانت الأيقونات أفضل. غالباً ما يكون هناك نقائص في طريقة تصوير أجزاء الجسم المختلفة، ليس لأن الرسامين يقومون بذلك عن وعي، بل لأن جهودهم لإنجاز هدفهم الأساسي لا تسمح لهم دائماً بإعطاء الانتباه الكافي للأوجه الثانوية في عملهم. بالمناسبة، ما من شك في أنه حتى في اللقطات العادية، لا سيّما اللقطات الصريحة، فإن الكثيرين سيظهرون الجسد البشري في مواقف غير طبيعية، لكن هذا شيء لا نلاحظه عادة.
من المستحيل أن نكتب أيقونة تصوّر المظهر الخارجي للجسم فقط؛ يجب أن تعكس الجهادات الروحية غير المرئية ويجب أن تشع بالمجد السماوي. هذا شيء يمكن أن يبلغه بالكامل مَن يعيش حياة روحية ويفهم ويعتزّ بحياة القديسين. وهذا هو سبب أن راسمي الأيقونات في العصور القديمة، دائماً ما كانوا يعدّون أنفسهم للرسم بالصلاة والصوم. منح الرب قوة المعجزات العاملة للعديد من الأيقونات المكتوبة بهذه الطريقة.
بالطبع ، ينبغي منح أي أيقونة جرت مباركتها التوقير وعدم معاملتها بلا مبالاة وقلّة احترام. لهذا يجب أن نتجنّب الحكم على الأيقونات الموجودة في الكنائس، وبدلاً من ذلك يجب أن نسعى دومًا نحو الأفضل. الأمر الأساسي هو الانتباه ليس إلى الجمال الخارجي للأيقونات بقدر الانتباه لروحانيتها. لا ينبغي وضع أيقونات لا تستوفي بوضوح متطلبات الأيقونات الأرثوذكسية في الكنائس؛ وفي بعض الأحيان لا ينبغي أن توضع حتّى في المنازل.
ليس لأي شخص على دراية بالفن وقادر على الرسم أن يكتب أيقونة. غالبًا ما يكون لموقف راسم الأيقونات ورغبته في خدمة الله أهمية أكبر من فن الرسم الفعلي. بالإضافة إلى الخير الذي تمّ جلبه من الغرب بعد بطرس الأكبر، كان هناك أيضًا العديد من التأثيرات الجديدة الغريبة عن روح الأرثوذكسية. جزء كبير من الطبقة المتعلّمة في روسيا وقع تحت تأثير تلك التأثيرات، ما أدى إلى ظهور العديد من الابتكارات السيئة وغير الصحية في أعمالهم. إلى حد ما، انعكس هذا في فن الايقونات كذلك. بدلاً من محاكاة راسمي الأيقونات الروس القدامى، سادت مضاهاة الفنانين الغربيين الأجانب عن الأرثوذكسية. على الرغم من أنها جميلة للغاية، إلا أن الصور الجديدة لم تتوافق مع روح فن الأيقونات. بدأت روح أجنبية عن الأرثوذكسية تتجذّر في روسيا، وتهزّها تدريجياً.
الآن كلام النبي موجه إلينا: “لا تتخلّوا عن مجدكم لآخر، ولا لشعب أجنبي ما هو نافع لك.” كما في الحياة، كذلك في عادات الكنيسة، يجب أن نعود إلى تلك الأسس الراسخة والصلبة التي بنيت عليها روسيا والتي تقوم على أساسها. فن الأيقونات عندنا هو أيضاً انعكاس لتلك الأسس. لا ينبغي أن تكون أيقونات كنائسنا مكتوبة بروح غريبة عن الأرثوذكسية. إن الذين يؤكدون أن الأيقونات الأرثوذكسية يجب أن تُكتب بطبقات داكنة، وأن ترتيب الجسم يجب أن يكون غير طبيعي، مخطئون. في العصور القديمة، كانت الأيقونات تُكتَب باستخدام ألوان مشرقة إشعاعية. لقد تحولت إلى داكنة مع الزمن ومع تراكم الغبار على مر القرون. ومع ذلك، ينبغي في الوقت نفسه أن يتذكر الإنسان أن في الواقع العديد من القديسين الذين قضوا حياتهم في الصحارى الحارة، كانوا ذوي بشرة داكنة، وفي الواقع كان الكثيرون منهم يعانون من الجفاف بعد سنوات طويلة من النضال الروحي. لقد كانوا مشهورين ليس لجمالهم الدنيوي بل السماوي. بصلواتهم فليساعدونا لكي تكون كنائسنا انعكاسات للمجد السماوي، ولأن يتّحد قطيعنا في السعي وراء ملكوت الله، في كنيستهم كما في حياتهم ، ليبشّروا بحقيقة الأرثوذكسية.