الإبحار في مشاركة الشباب في الوسائط الرقمية
نقولا سابا
أين هم؟ أين أبناء جيلي؟ لماذا لا يجلسون بجانبنا في الكنيسة؟ أنا ألفي (أي من جيل الألفية millennial) وجيلي يختفي بسرعة من الكنيسة. يعرف المجتمع الأرثوذكسي بوجود وباء مغادرة الشباب للكنيسة وعدم العودة. في هذه المناقشة ، سوف يتمّ استعمال عبارة “شباب” للإشارة إلى جيل الألفية والجيل z. يُعرَّف جيل الألفية بأنه مؤلّف من المولودين بين الأعوام 1980-1994، أما أعضاء الجيل z فهم المولودون بين 1995 و 2012. ووفقًا لمجموعة بارنا للأبحاث، “فقط اثنان من بين كل 10 أمريكيين ممن هم دون سن الثلاثين، يعتقدون بأن الحضور في الكنيسة أمر مهم أو جدير بالاهتمام (وهي نسبة متدنية)” و“59٪ من الألفيين الذين تربّوا في الكنيسة قد تسربوا منها“. كخريج لكلية الصليب المقدس في بروكلين، ماساشوسيتس، وشخص يتنقّل للتحدث إلى الشباب الأرثوذكسي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فإن وجودي في الخطوط الأمامية لمشاركة الشباب أعطاني فهمًا للنبض الأرثوذكسي. سأطرح في هذه الورقة أسئلة مختلفة يجب أن تكون محور اهتمام كنيستنا وتفاعلها مع وسائل الإعلام. لوضع إطار لهذه الأسئلة الأساسية، سأناقش معكم مصدر صلة الوسائط الاجتماعية بالمشهد الرقمي، وكيف أن البنية الاجتماعية للإنترنت مهمة لاستهداف الجماهير، وما يمكن أن تقوم به كنيستنا للقاء هؤلاء الشباب أينما كانوا.
مفتاح فهم أجيال الشباب والخطوة الأولى تبدأ بفهم الإعلام الرقمي على أنه مكان اجتماع ومجتمع للأفراد الأرثوذكس والشباب من جميع أنحاء العالم.
لنبدأ بالجزء الأول، وهو الجزء الأسهل من مناقشتنا: مكان “عيش” الشباب اليوم، من حيث الإعلام الرقمي. هذا يضمّ منصات وسائل الإعلام الاجتماعية ومجتمعات الإنترنت. فيما يتعلّق بوسائل التواصل الاجتماعي، فإن منصات التخاطب الرئيسية على الإنترنت هي Twitter و Instagram و Snapchat و Reddit.
يتساءل الكثيرون بينكم لماذا فيسبوك ليس في قائمة المنصات الإلكترونية للخطاب الاجتماعي. وفقًا لدراسة أجرتها شركة Piper Jaffray في العام الماضي، فإن 9٪ فقط من المراهقين يقولون أن Facebook هو منصتهم المفضلة بين وسائل الإعلام الاجتماعية. أنا شخصياً لم أعد أملك فيسبوك، حيث أنه لم يقع تحت هيمنة جيل أهلي وأجدادي وحسب، بل أصبح أيضاً متمازجاً بشكل يتعذّر عليّ رؤية ما يتعلّق بأصدقائي وعائلاتنا بسرعة.
إن مجتمعات عبر الإنترنت ليست فقط للأنشطة الاجتماعية والمتعة، بل يمكنها توفير الكثير من الخدمات المفيدة والضرورية. بعض الأمثلة هي: خدمات الدعم الصحي، وخدمات التأييد، والخدمات الإخبارية والمجموعات ذات الاهتمامات الشخصية المشتركة على سبيل المثال لا الحصر. ووفقًا لاستديوهات REACHRIGHT، يتم إجراء ما يقدَّر بـ 30،000 عملية بحث على غوغل في الشهر، للبحث عن جماعة كنسية على الإنترنت أو بث مباشر لكنيسة. يجب أن نسأل أنفسنا “ما الذي يعثر عليه هؤلاء الثلاثين ألفاً من الأشخاص؟“. إن لم يرضِنا الجواب، فهناك فجوة يجب سدها.
داخل كل منصة وخدمة توجد وحدات اجتماعية أصغر. يتم استخدام هذه الوحدات للتسويق، والتوعية، وبثّ المعلومات، والأهم من ذلك كله الانخراط مع الآخرين. عندما نعود إلى الألف الأول يظهر بوضوح في سفر أعمال الرسل أن الرسل قاموا بهذه الأشياء ذاتها في المجتمعات. فهم أعلنوا وتفاعلوا مع الآخرين مشاركين كلمة الله. هذا هو جذر الرسولية. المهمة التي استغرقتهم أياماً وأسابيعَ سيراً على الأقدام وبكلام الفم، يمكننا الآن إنجازها نفسها في ظرف ثواني بنقرة زر واحدة.
إذاً، نحن نعلم الآن أن الوجود على الإنترنت ليس جديراً بالاهتمام وحسب عند الأجيال الشابة، بل هو ضروري. إنه انعكاس لمجتمعات العالم الحقيقي الأكثر أهمية بالنسبة لنا، ولكنه ينتشر على شبكة أوسع بكثير تشمل شبابنا. فكيف نستخدمها؟ لنَغُص في بنية الإنترنت الاجتماعية وكيفية استهداف الجماهير.
اليوم ، يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت 3.2 مليار مستخدم، لكن ثقافة الإنترنت تعمل من خلال قاعدة بسيطة للغاية. يطلق عليها قاعدة “1-9-90”. تنص هذه القاعدة على أن 1٪ من الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت ينشئون المحتوى الفعلي، و 9٪ من الأشخاص يساهمون في هذا المحتوى (عبر المنتديات والمدوّنات والتعليقات والمواقع وما إلى ذلك)، و 90٪ من الأشخاص يترصّدون الإنترنت. تعتبر ظاهرة “الترصّد أو المشاهدة من بعيد” هذه جانبًا أساسيًا لثقافة الإنترنت، ومن المهم أيضًا أخذها في الاعتبار عند مناقشة كيفية إشراك الشباب في مجتمع الإنترنت الأرثوذكسي. من المهم أن نفهم أن كون المترصدين لا يساهمون في جماعة معينة، لا يعني أنهم ليسوا منخرطين بشكل كامل ويستوعبون المعلومات بطريقة ذات معنى بالنسبة لهم.
لنأخذ هذه القاعة الآن. الواحد بالمئة تشمل المشاركين الذين يتحدثون من على المنبر ومنهم أنا. نسبة الـ 9٪ هم الذين يساهمون بطرح الأسئلة بعد كل حديث. و 90٪ من الحضور هم الأفراد الذين يجلسون هنا ويستمعون إلى ما يقال ولكن لا يطرحون أسئلة. هل يعني عدم طرحك لأي سؤال أنك غير منخرط لأنك تجلس بهدوء واهتمام في هذه الغرفة؟ هل يتغير ذلك لأننا لا نعرف حقيقة انخراط شخص ما في إحدى مجموعات الإنترنت لأننا لا نستطيع رؤيته فعليًا؟ عدم مساهمة شخص ما بالنشر لا يعني أنه لا يستمع.
إذا أخذنا إنستاغرام كمنصة إعلامية رائجة وتعمّقنا في كيفية عمله فسوف نرى أهمية المشاركة. لنفترض أنك تنشر مرة واحدة في اليوم، وأنك تحصل على تسعة إعجابات فقط. هذا لا يعني أن أحداً لم يستفِد. طبقًا لقاعدة الترصّد التي ذكرناها للتو، قد يكون ما يصل إلى 90 شخصًا قد شاهدوا هذا الإسهام (post) واستفادوا منه. هذه هي طريقة الإنترنت. ومع ذلك، في حين أن توفير محتوى عالي الجودة أمر مهم، فإن مجرد نشر صورة وتركها وحسب لا يكفي بل يمكننا أن نفعل ما هو أفضل. يُعَدّ تفاعل المستخدم عاملاً هائلاً في نجاح التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو عمومًا طريقة عضوية إيجابية لتعليق المزيد من الأشخاص بالصنارة والحفاظ على ما يتبع.
لنستخدم انستاغرام مرة أخرى. أساس انستاغرام هو مجرد نشر صورة أو فيديو ليعبّر المتابعون عن إعجابهم وترك تعليق، أو الاستمرار في التصفّح وحسب. إنه وقت الغوص إلى ما هو أعمق. يتمّ التحكم بهذه المنصّة بواسطة خوارزمية تحدد مَن يرى المشاركة ومتى يراها. تجمع هذه الخوارزمية بين الاهتمام والديمومية (timeliness) والعلاقة والوتيرة (frequency) والمتابعة والاستخدام. لذلك، “مجرد إضافة صورة” لا يقطع هذه الخوارزمية. على سبيل المثال، وفقًا لدراسة أجرتها صحيفة هافينغتون بوست، فإن أفضل الأوقات للنشر على إنستغرام تتراوح بين 8 و 9 صباحًا في أي يوم عمل والإثنين والخميس بين 3 و 4 في المساء. هل هذا هو الوقت الذي نقوم فيه بالنشر أم أننا ننشر من دون أن نتعلم كيفية شدّ المتابعين وفقدان فرصة نشر الكلمة الطيبة لعدد أكبر من الناس. يجب أن نتعلم الخوارزميات ونفهم أهمية الانخراط على هذه المنصات المختلفة.
الآن بعد أن استعرضنا مكان شبابنا في المشهد الإعلامي الرقمي، وكيف نرى انخراط مجموعة الإنترنت، يمكننا كمجتمع كنسي أن نجمع هذه المعلومات معًا ونستخدمها لصالحنا عند التفكير في كيفية إعادة جذب الشباب. إن قياس التأثير على فعالية خدمتنا عبر الإنترنت يطرح صعوبة في التحليل مع وجود نسبة عالية من “المترصّدين أو المراقبين“. يجب علينا جميعًا أن نفهم أن خدمتنا عبر الإنترنت لا يحددها عدد الإعجابات المُحَصَّلة، بل إلى أي مدى نحن ننخرط مع متابعينا وجودة المحتوى الذي نبثّه على هذه المنصّات.
إن المجموعات الاجتماعية وغيرها من مستخدمي الإنترنت والثقافة الرقمية يقدّمون وجهات نظر وتعقيدات مختلفة يجب أخذها في الاعتبار عند حلّ مسألة عمل الكنيسة لإشراك الشباب على الإنترنت. لا تأخذ مجموعات الإنترنت مكان الكنيسة بل يجب أن تكون مرْكَبَةً يستخدمها الشخص للعودة إلى الكنيسة. يجب أن نثير اهتمامهم لعيش حياة أرثوذكسية مسيحية كل يوم، ويمكن أن يتمّ ذلك باستخدام التقنيات المناسبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من عدم توفّر كل الإجابات لكل مجتمع على حدة، إلا أنه يوجد بعض الإرشادات العامة.
الأولوية رقم واحد: معرفة من هم المؤثّرون على الشباب. إن عدد شبابنا المؤثّرين بالفعل في مجتمعهم مفاجئ. إحدى الطرق لمعرفة ما إذا كانوا مؤثّرين هو امتلاكهم لقناة خاصة على يوتيوب؟ هل لأي منهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل تمّ التحقق من هذه المعلومات؟ هذه ليست سوى القليل مما يمكن القيام به.
الأولوية رقم 2: هل للكنيسة علامة خاصة (تجارية)؟ على سبيل المثال، توقيع الكتروني، أو شعار، أو عبارة والأهم من ذلك هاشتاج؟
الأولوية رقم 3: وضع استراتيجية. إن استهداف 9٪ من المساهمين هو إستراتيجية مختلفة عن استهداف 90٪ من الكوادر، ويجب أن تكون كل استراتيجية مختلفة بالنسبة للبالغين أكثر من الشباب. يجب تخطيط الإسهامات مسبقًا ومعرفة الأدوات المتاحة للاستخدام التي تساعد في تخطيط المشاركات عبر أنظمة أساسية متعددة في وقت واحد.
وأخيرًا ، لا ننسى دائمًا إنشاء محتوى جيد يجذب الشباب ويهتم بهم.
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد مكان ممتع لنشر الصور ومعرفة ما يحدث، إنها حرفة ومهارة، يمكن تعلمها من أي عمر، ويمكن القيام بها بشكل صحيح كما يمكن القيام بها بشكل غير صحيح. يجب أن يكون لدينا جهود مشتركة من مختلف المنظمات واستهداف مركّز للمستهلِكين. يجب أن يكون للكنيسة ممثّل أو مؤثّر أو سفير يوجّه الشباب من الحدود الرقمية إلى الكنيسة. هذه مجرد نقاط بداية للخطوات المقبلة العديدة القادمة مع استمرار تطور بيئة وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل يومي. طبعًا وسائل الإعلام الاجتماعية ومجموعات الإنترنت هي لاعب رئيسي في إشراك جيل الشباب، بالتزامن مع مبادرات أخرى يمكن أن تكون حافزاً لحركة شباب للعودة إلى الكنيسة. ولكن في الوقت الراهن، فإن الحدود التالية للبشارة والكرازة موجودة بالفعل … إنها العالم الرقمي، حيث ينبغي أن يصبح المتابعون على الإنترنت متابعين في المسيح.