قيامة الكنيسة الأرثوذكسية
القديس يوستينوس بوبوفيتش
في الكنيسة الأرثوذكسية ، القيامة ليست مجرد “عيد الأعياد” ، بل هي العيد الشامل، روح كل الأعياد الأخرى حيث هي دائماً موجودة فيها. في القيامة نجد كل قوى المخلّص الإلهية والإلهية–البشرية، التي تسحق كل خطيئة، كل موت، كل شيطان. إن القيامة غير المنقطعة، أي القيامة المستمرة، هي بالضبط حياة جميع المسيحيين الأرثوذكسيين في كنيسة المخلص: إنها حياتي وحياتك وحيوات كل واحد منا. ما هي الكنيسة الارثوذكسية؟ إنها المسيح القائم الذي يعيش إلى الأبد. لذلك نحن الذين نعيش فيها نتغلّب على الخطيئة والموت والشيطان بالرب القائم. وبهذه الطريقة، نرتفع من كل قبر، يقودنا ويوجهنا دائماً في هذه المهمة القديسون الذين نمدحهم كل يوم. هؤلاء هم المنتصرون الحقيقيون على الموت والخطيئة والشيطان بالرب يسوع القائم وهُم، في الوقت نفسه، أولئك الذين يقيموننا من قبورنا. إذ ما هو هدف حياتنا المسيحية؟ إنه هزيمة الخطيئة والموت والشيطان، وبالتالي ضمان الخلود والحياة الأبدية في ملكوت محبة المسيح السماوي. لأن الانتصار على أي من خطايانا هو انتصار على الموت، لأن كل خطيئة هي موتنا الروحي. بالتغلب على الخطيئة والموت، في الواقع نحن نهزم الشيطان، لأن الشيطان كائن فيه الخطيئة والموت يتطابقان. ولكننا نحن البشر بشر فقط من خلال قيامة الله / الإنسان، ربنا يسوع المسيح، ومن خلال شكل الخلود الذي له.
مع قيامة المسيح ، تصبح قيامة كل واحد، أنت وأنا ، معقولة وطبيعية، لأن العنصر البشري هو جزء مكون من الكائن الإلهي–الإنساني. لهذا السبب ، قيامة الله / الإنسان من بين الأموات تضمّنت قوة قيامتنا من الموت وحقيقتها (راجع 1 كو 16 ، 12-16). في الواقع كل واحد منا مشمول بطبيعة السيد الإلهية البشرية. وكل واحد منا يحتاج إلى أن يُقام لأن المسيح قام وﻷننا كلنا، من آدم إلى آخر شخص على الأرض، مشمولون فيه بطريقة سرية. قيامة المسيح وقيامة الأموات كلاهما حقيقة إلهية بشرية.الأموات يُقامون لأن المسيح قام؛ المسيح قام ولهذا السبب يقوم الأموات.
لا شك أن المسيح لم يقم لنفسه بل من أجلنا ومن أجل خلاصنا. وأيضاً لأن الطبيعة البشرية بأكملها تتبع طبيعة المسيح البشرية كَنَواتها المركزية. بصيرورته إنساناً، أوضح كلمة الله بأننا خُلقنا حتى أننا في الفردوس، بحياة تليق بالله، سوف يكون هناك تجسد لله، جسد لله. الآن جسد الله سيصبح حقًا إلهيًا فقط إذا لم يكن قابلاً للموت، إذا لم يهزم الموت.
لكن، كون جسد الإنسان صار مستعبدًا للموت بسبب الخطيئة ومن خلال الخطيئة وصار قابلاً للموت، لهذا السبب صار كلمة الله بذاته جسداً: حتى يتمكن من إنقاذ الطبيعة من الموت وحفظها من الخطيئة. هذا هو هدف تجسد المخلص الذي حدث بسبب محبته لنا. لهذا السبب، بقيامته ضمن قيامة جميع الموتى. كل تاريخ الجنس البشري يثبِت ويسلط الضوء بما يتخطى الشك بأن السيد المسيح هو ضرورة دائمة لنا في جميع العوالم. لماذا ا؟ لأنه يعطينا الحياة الأبدية ويبيد الموت وكل ما هو قابل للموت. عنصر الموت الذي فينا هو كلّ ما يأتي من الخطيئة ومن الشر ومن الشيطان.
لأنه هو وحده يملك ويوفر لنا الحقيقة الأبدية والعدالة الأبدية والمحبة الأبدية والجمال الأبدي ويقضي على الأكاذيب والظلم والكراهية والقبح.
لأنه يعطينا الجنة والنعيم والفرح والمعنى الإلهي–البشري الخالد للحياة وللعالم، في السماء وعلى الأرض، لنا نحن البشر ولجميع المخلوقات.
لأنه يعطينا وحده ما لن “يُنزَع منّا“، لا في هذا العالم ولا في التالي.
لأن لا الخطيئة ولا الموت ولا الشيطان يمكن أن يبعدنا عن المسيح إلهنا ولا عن عدالته ولا عن الخلود والأبدية إلا إذا كنا أنفسنا بوعيِنا نريد ذلك. هذا يعني، طالما نحفظ المسيح إلهنا فينا، بالإيمان والصلاة والمحبة والصوم والصبر والتواضع والفضائل الإنجيلية الأخرى، التي هي “درع الله” الذي لا يقهر (أف 6 ، 11-18).
ما هي هذه الحرية التي يعطيها المسيح؟ التحرر من الخطيئة ومن الموت ومن الشيطان. هذه الحرية تتغذى بالحقيقة الأبدية والعدالة الأبدية والمحبة الأبدية وكل ما في المسيح، الإلهي والإلهي البشري. لهذا السبب حرية المسيح هي الحرية الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن نحصل عليها في هذا العالم. كل ما يسمى بالحريات الأخرى يكون مصطنعاً ما لم تكن حريات من الموت. لأن الخطيئة تستعبدنا حتّى الموت والشيطان لا محالة. الحرية الوحيدة التي تقوى على الموت هي حرية المسيح، وكل الحريات الأخرى هي مستعبدة للموت ولا حول لها. الحرية الوحيدة الأكثر قوة من الشيطان هي حرية المسيح، وكل الأخريات خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر للشيطان.
إن الذين يؤمنون بالرب يسوع القائم من كل قلبهم وبكل روحهم وبكل عقلهم لا يخافون الموت، لا يخافون الخطيئة، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم “هم خارج سلطان الشيطان“. ليس هذا وحسب، بل هم يزدرون الموت، ويزدرون الشيطان، لأن في داخلهم المسيح ربنا وإلهنا المنتصر الوحيد على الشيطان والوحيد الذي يرفعنا من كل الموت.
إن الخطيئة في داخلنا وها نحن مشوهين إلى مسوخ. الكائن على مثال الله في الخطيئة! أليس هذا الجحيم والرعب؟ منذ أن طُرد أجدادنا من الفردوس، أي من حياة كانت مقدسة وخالية من الخطيئة، أصبحنا المسابك الطوعية للإثم. وما هو مسبك الإثم إن لم يكن جحيماً مصغّراً؟ إن الجحيم الأبدي الواسع النطاق هو مجرد التقاء كل الجحيمات الصغيرة التي تتدفق منا نحن البشر وتحملنا بعيداً معها.
الخطيئة ليست سوى الحياة بمعزل عن البريء من الخطيئة أي عن الله. وهذا هو بالضبط ما هو الموت: أولاً موت الروح ثم الجسد. أو، للتعبير بشكل أفضل، الخطيئة هي الحياة التي تعاش بشكل مستمر في الموت. لأن الخطيئة والموت هما نفس الشيء. حيث يوجد خطيئة، هناك الموت. ومرة أخرى، حيث يوجد الموت هناك خطيئة. لكن كلاهما مستمدان من خالق الخطيئة والموت، من الشيطان … لذا ، فإن الخطيئة لا تكون وحيدة أبداً، بل دائما الموت والشيطان معها وحولها وخلفها. والشيطان ليس وحيدًا أبدًا فدائماً الموت والخطيئة قبله. إنه دائم الوجود في كل خطيئة وكل موت. هذا ثالوث لا ينفصل.
هذا هو سبب أن الحرية تتكوّن من التحرر من هذا الثالوث اللعين: الخطيئة والموت والشيطان. لهذا السبب بالتحديد كان ربنا يسوع المسيح المخلص الوحيد للجنس البشري، لأنه بقيامته من بين الأموات أنقذنا من الخطيئة. القيامة هي النصر على الموت، وبالتالي على الخطيئة وعلى الشيطان. لأن القيامة هي انتصار البريء من الخطيئة على الخطيئة والخالد على الموت والله على الشيطان. من يمكن أن يهزم الموت إن لم يكن الذي لا يموت، أو يغلب الشيطان إن لم يكن الله؟