المهام الخمسة للاهوتي في القرن الواحد والعشرين*
د. يوحنا بانايوتو
ما هي المهام الخمس للاهوتي في القرن الحادي والعشرين؟ المهمة الأولى هي أن يكون رجلَ أو امرأةَ صلاة. فقط في عزلة الصلاة يمكننا أن نشترك في حياة الثالوث القدوس. فقط عندما نقترب من الوحدة والانسجام اللذين يتشارك بهما الآب والابن والروح القدس معاً، يمكننا أن نجد الانسجام في حياتنا حيث يمكن اكتشاف وتنمية الحكمة والسلام والفطنة.
المهمة الثانية للاهوتي هي إعلان الإنجيل (الإنجيل، حرفياً باللغة اليونانية هو الخبر السار). اللاهوتي مدعو إلى إعلان الأخبار السارّة إلى عالم الأخبار السيئة. أساس الأخبار السارة هو أن يسوع المسيح قام من بين الأموات. هذه هي الرسالة المركزية التي تعلن الحدث الأكثر قدرة على التغيير في التاريخ؛ حدث لا يغيّر حياة الأفراد وحسب بل يغيّر الثقافات والأمم وحتى الحضارات.
الجميع مدعوون إلى الحياة الجديدة التي تُمنَح من خلال هذا الحدث التغييري، وطريقة الدخول الأولى هي التبشير بالإنجيل – إذ يجب سماع الأخبار الجيدة قبل أن يتمكن المرء من ولوج الحياة التي يعلنها. إن المشاركة في هذا الإنجيل، هذه الحركة إلى الحياة الجديدة هي خبرة ذاك الذي يعلنه. إن الإنجيل إذن شيء يجب أن يُسمع أولاً، ثم يأتي الإيمان به، ومن ثم يأتي التصرف بناء عليه. يكتب الرسول بولس في رومية أن يسوع هو الوفاء بالوعد الموسوي (الفصول 3-4). في 1 كورنثوس يكتب الرسول كيف أصبح الإله الحقيقي ملكًا بشخص يسوع وبذلك استبدل البشرية المحطّمة وحوّلها (الفصل 15).
يعيش المسيحيون بين القيامة، أي الحدث الذي حوّل كل الكائنات الحية، والمجيء الثاني أي عندما يأتي المسيح مرة أخرى لكن هذه المرة في المجد. يعود كملكٍ حاكم لتدشين مملكة جديدة سوف تتصالح مع الخليقة الكونية كلها مرة أخرى، وهي ما نختبره نحن المؤمنون ببعض الأشكال.
المهمة الثالثة للاهوتي هي مساعدة الناس على العيش في الواقع وعدم التواجد في الوهم الروحي. يزداد الوهم الروحي في أيامنا هذه على الرغم من أن كل جيل قد قاتله بطريقة أو بأخرى. يقول الكتاب المقدس أن الحق يحرركم، لكن من المهم تذكّر أن يسوع قال “أنا الحق“. لا يمكن اختزال اللاهوت إلى المفاهيم المجردة وحدها. إن للاهوت قيمة فقط إذا كان يشير إلى مَن هو الحق أي يسوع المسيح، وينطلق منه. فاللاهوت الحقيقي ليس مجرد مجموعة من الكلمات عن الله بل يجب أن ينير ويكشف المضمون الواقعي الوجودي للقاء الحقيقي مع المسيح القائم من الأموات الذي يمكنه أن يحرّر المؤمن ويحوّله.
يدخل الوهم الروحي عندما يتخلّى اللاهوت عن هذا البعد المواهبي والتغييري في الشركة مع الله. يعود المؤمن مجدداً إلى انكسار العالم الساقط عندما يُنكَر هذا البعد أو عندما يخفت الوعي له. يقول الرسول بولس أن التغيّر يبدأ بأفكارنا أو نوسنا باللغة اليونانية (رومية 12: 2). يعلّم آباء الكنيسة وجوب أن ينزل العقل إلى القلب، ووجوب تنميةِ ذهنيةِ التوبة عند أسفل صليب المسيح لكي نختبر قوة وفرح ما بعد القيامة اللذين يمنحهما المسيح. من خلال الصليب يأتي الفرح إلى العالم، وهذا ينطبق على المؤمن البسيط كما انطبق على يسوع عندما احتمل الإذلال الشديد معلقاً على الصليب.
المهمة الرابعة للاهوتي هي أن يكون إناء لمحبة الروح القدس الروحية وقوته ونعمته. من دون الطاعة لله، لا يكون اللاهوتي ينبوعاً للإنعاش السري، بل بالأحرى صحراء قاحلة من الحقائق الفارغة المجرّدة من المعنى الحقيقي. يجب أن يكون يسوع مركز كلّ ما يقوله اللاهوتي ويفعله.
نحن لا نعبد عقيدة أو كتاباً مقدساً أو كنيسة أو فلسفة أو لاهوتاً أو إنجيلاً اجتماعياً، بل نحن نعبد شخصًا وهو يسوع المسيح – الألف والياء، البداية والنهاية، كما يخبرنا القديس يوحنا اللاهوتي في الرؤيا التي كتبها في جزيرة بطمس.
وأخيرًا ، إن المهمة الخامسة لللاهوتي هي أن يكون متجذّراً في الكتاب المقدس وأن يتغذّى بشكل أسراري. يجب أن تكون الكنيسة أهم مبنى في الحرم الجامعي لكل طالب. فقط مع هذا التركيز يبقى الشخص متجذراً في رسالته وقادراً على الصعود نحو اللاهوت الجاد. الكنيسة هي أهم مبنى في الحرم الجامعي عملاً بقول الرب يسوع “اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ” (متى 6). هذه هي الطريقة الوحيدة لنتمكن من تحقيق دعوتنا أولاً كمسيحيين ومن ثمّ كلاهوتيين. اللاهوت يبدأ بالصلاة والعبادة.
قد تبدو صفات اللاهوتي هذه وكأنها أمر مستحيل إذا حاولنا ذلك متكلين على ذواتنا. لكن، إذا كنا نثق بقوة الله ونعتمد عليها، فإن كل الأشياء ممكنة. استمرّوا بالصلاة واطلبوا وجهة ربّنا في بداية هذا العام الدراسي. ولنتأمل هنا بكلمات القديس يوحنا الذهبي الفم: “مَن يستطيع أن يصلّي بشكل صحيح، حتى ولو أنه أفقر الناس جميعاً، هو في الأساس الأغنى. ومن لا يملك صلاة لائقة، هو أفقر الناس، حتى لو كان يجلس على عرش ملوكي“.
* من كلمة لطلاب اللاهوت في افتتاح العام الدراسي