لا نريد القيامة
سرجيوس ساكوس
نقلتها إلى العربية مجموعة التراث الأرثوذكسي
يبدو القول بأننا لا نريد القيامة قاسيًا ويهزّ المصداقية في عيون القراء المطمئنين. إذا كنتَ أعمى، ألا تريد نظرك؟ إذا كنت مريضًا، ألا تريد الشفاء؟ وقيامة المسيح هي بالضبط هذا: عيونٌ في ظلامِ عمانا، وصحةٌ في عذابِ مرض قابليتنا للموت، ومخرجُ إنقاذٍ من طريق العالم الحالي المسدود إلى عالم الأبدية المقدسة اللامتناهي، عبورنا من الفساد إلى عدم الفساد.
القيامة هي حدث لا يمكن دحضه وليس مدعوماً بإيماننا وحسب، بل هو أساس إيماننا ودعمه. قبل ألفي عام، دخل شخص ربنا يسوع المسيح الإلهي–الإنساني في صراع مع الموت، وبدا كأنه خضع لمصير آدم القابل للموت: “مات ودفن“. ولأنه لم يكن شخصًا عاديًا، لم يبقَ يسوع المسيح في القبر ولكن “قام ورأيناه“. لقد هزم الموت وارتفع، وقف مستقيماً وحيّاً، كما رأى كثيرون واعترفوا، وخلّص الجنس البشري من هيمنة الموت والخوف منه.
ومع هذا، فالناس لا يريدون القيامة. ليس الأمر بحاجة إلى كثير من التحقيق ولا يتطلّب الكثير من الدراسة لفهم أن المجتمع المعاصر، حتى ولو من المفتَرَض أنه مسيحي، لا يرحّب على الإطلاق بقيامة يسوع المسيح. القوا نظرة من حولكم وسوف ترون أن أناساً كثيرين هم من أنصار المادية الأبيقورية (مبدأ الانغماس باللذة)، عقيدة “كُلْ واشربْ وكُن سعيداً لأنك غداً تموت“. إنهم لا يستطيعون أن يروا شيئاً أبعد من شاهِدِ القبر لأنهم حبسوا ذواتهم في أشياء هذا العالم. لهذا السبب أصيب الشباب والكهول بالذعر عندما ضربت الأزمة الاقتصادية. إن خسارة الراحة والبحبوحة، أو انحسارهما، اللتين تمتعوا بهما بدت غير محمولة ولا تطاق، وعدم إشباع مشاعرهم ورغباتهم تساوى مع الحرمان من المتعة.
في مطلق الأحوال، إن القيامة، وهي حدث خارج التجربة الإنسانية، تعرّضت للهجوم من الناس منذ البداية. إنها حقًا أمر لا يُصدّق، ويتحدّى أسلوبَ تفكيرنا أن أول المشككين بالقيامة والأكثر تعنتًا في ذلك هم الذين يُتوقّع منهم أن يرحّبوا بها من دون تشكيك، أي تلاميذ الرب نفسه. ما رأوه واختبروه معه أقنعهم بأنه المسيح، لكنهم حصروه في وجهة نظرهم الدنيوية. لم يريدوا المسيا الذي تكلّم عنه الأنبياء، لم يكونوا على استعداد لقبوله كما قدّم نفسه متواضعًا ووديعًا. بحسب طريقة تفكيرهم، يجب أن يكون المسيا فاتحًا عظيمًا، ملكًا قويًا بالكامل، حاكمًا للعالم لا يُقهر. لقد كانوا فخورين به وأشادوا به عندما أطعم الحشود وعندما أقام لعازر الميت. كيف يمكن أن يقبلوا أن المسيح قد مات وأُضجِع في القبر؟ لذلك عندما رأوه مسمرًا على الصليب ومن ثم موضوعًا في القبر، ميتًا، تفرّقوا وخابوا. وحدهم أعداء يسوع بدأوا يقلقون من أنه سيقوم كما تنبأ، وسارعوا إلى إغلاق القبر ووضع الجنود لحراسته. ضد مَن؟ ضد التلاميذ المذعورين واليائسين الذين قالوا “كنا نرجو أنه هو مَن يفتدي إسرائيل؟” (لوقا 21:24). “كنا نرجو” أي في الماضي. ولكن الآن تلاشت آمالهم وانطفأت.
لكن يسوع كسر أقفال الجحيم وقام. الذي علّم الحقّ الذي يقدّس ويحرّر، الذي كشف سلطته الإلهية بالمعجزات والشفاءات وإحياء الموتى الذي قام به، أكّدها الآن بمعجزة المعجزات، أي قيامته هو نفسه. وعندما اقتنعوا بذلك من خلال ظهوراته المتعاقبة، أصبح التلاميذ الذين كانوا جبناء في وقت من الأوقات رسلًا، و كأسود ينفثون النار بلّغوا إلى العالم شهادتهم الصحيحة بأن المسيح قد قام. هكذا انبثق نور الرجاء من القبر الفارغ من يسوع القائم. انفتح طريق جديد في حياتنا وسعادتنا الأبدية ندوسه بالتوبة والإيمان.
هذه هي بالضبط مشكلة الناس اليوم. إنهم لا يرفضون المسيح. إنهم معجبون بصلاحه ومحبته، وكل البركات التي أمطرها على الأرض. إن القيامة هي التي تزعجهم. لو بقي يسوع ميتاً في القبر، لكان حافظ على تعاطف معظم الناس. إنه غير مرحّب به ويتعرض للهجوم اليوم بالتحديد لأنه قام، والنتيجة المباشرة لإعلان قيامته هي الطلب منا التوبة ونبذ الأهواء.
إن مسيحاً لم ينهض يمكن مماثلته مع آلهة وثنية لا تعد ولا تحصى، وهم لا يمنعون الأهواء وحسب بل يشجّعونها. ولكن ماذا عن المسيح القائم الذي أعلن: “كُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ!” (رؤيا 18:1)؟ كيف يمكنك أن تتحمل معه التأنيب على الآثام والحدّ من الشرور وتنظيم الحياة؟ هذا هو سبب رفض الكثيرين للقيامة.