عن الرجاء واليأس
من محادثة مع راهب أثوسي معاصر
اشتكى بعض الضيوف العاديين إلى أحد الرهبان في واحد من الأساقيط الأثوسية، من أن الاضطرابات والصعوبات والمشاكل الدنيوية تحرمهم من وقتهم وقوتهم، مما يسبب لهم اليأس، ولا يعرفون كيف ينقذون نفوسهم في مثل هذه الظروف. بعد أن استمعوا إلى إجابة الراهب، طلبوا الإذن بنشر كلماته، لكونها تثير اهتمام دائرة أوسع من المسيحيين وتفيدهم. وافق الراهب طالباً فقط عدم ذكر اسمه على أنه المؤلف، لأن، كما أوضح، كل ما قاله هو تعليم الكنيسة والتقاليد الروحية الأرثوذكسية، وليست أفكاره الشخصية. تلبية لهذا الطلب السهل، نورد كلمات هذا الراهب الأثوسي النافعة للروح.
لكي نكون أقوى، فلنتذكر خيبة الأمل الكامنة وغير المتوقعة، والمشاكل التي تفاجئنا، والعقبات التي لا نستطيع التنبؤ بها، والفرح غير المتوقع الذي يرفعنا إلى السماء وكأننا على أجنحة، والمعاناة التي تغزو روحنا، مثل عاصفة … يزيد الألم من انحناء رؤوسنا أكثر وأكثر، ولكن فقط بمعونته نصير قادرين على معرفة السلام الحقيقي ونصير أقوياء.
نحن أُعطينا أسلحة إلهية لخلاص أرواحنا: الصلاة، وخاصة الصلاة العقلية، الصوم، الاعتراف المستمر، والمناولة الإلهية، وقراءة كلمة الله وكتب الآباء القديسين النسكية، للتخلي عن كل ما يمزّق علاقتنا مع الله ويبعد عقولنا وقلوبنا عنه وعن إرادته المقدسة. والشيء الأكثر أهمية هو ذكر الموت. في الأديرة، وخاصة في الجبل المقدس، يُعيّن راهب خصيصاً لزيارة قلالي الإخوة في الصباح والمناداة: “صباح الخير يا أخ، تذكر كلّنا سوف نموت … “.
لذلك، لا أعتقد أن هناك أي إنسان لا يعرف قدراته وضعفاته.
حدث أن أحد الرهبان الشباب عديمي الخبرة سقط في خطيئة خطيرة بالجسد. غادرته النعمة واستولى عليه الحزن، فقد الأمل في الله وقال انه يأس من خلاصه، ومن الحياة بشكل عام … ترك قانون صلاته حائراً في ما يعمل، وبالكاد كان يئن: “أيها المسيح، أنرني!” قرر أن يذهب إلى الاعتراف عند شيخه وكشف حزنه. وصل، اعترف، وحكى عن فقدانه الأمل بالخلاص، وعن أن اليأس خنق قلبه كرذيلة…
قال الشيخ: “إنك تجني من الثمار على قدر الاهتمام الذي تقدمه“. ثم أخبر الراهب الساقط هذه القصة: كان لفلاح حقل بعيد عن منزله، وبالتالي فإن المزارع أهمله تماماً. صارت الأرض مغمورة بالأعشاب الضارة. فدعا ابنه البكر وقال له: “اذهب ونظّف حقلنا البعيد، إذ لم يعد ممكناً حتى رؤيته“. وافق الابن وفي اليوم التالي سرج حماره، وجمع أدواته، وتوجّه إلى الحقل. ولكن ماذا وجد؟ يا أم الله! بدلاً من حقل وجد غابة لا يمكن عبورها من الأعشاب الضارة النامية. صفق الشاب بيديه وقرر “لا، لن يتم تنظيف هذا الحقل“. استلقى في ظل شجرة وغطّ نائماً من الحزن. أسكره اليأس كما المخدرات. بعد أن نام طوال اليوم، وأضاع الوقت عبثاً، عاد إلى المنزل.
“حسناً؟” استقبله والده، “هل نظّفت الحقل؟” “لا، يا أبي“، أجاب الابن، “لم أفعل أي شيء.” لماذا لا؟ “” إنه من المستحيل. هناك الكثير من الأعشاب الضارة والحشيش… لم أعرف حتى من أين أبدأ.” “فماذا فعلت كل اليوم؟“” نمت “” آه، أليس مخزياً لك كرجل بالغ أن تنام؟! اعتقدت أنك أكثر ذكاء من ذلك… غداً، سوف تذهب مرة أخرى، وتنظّف حتّى ولو مجرّد قسم صغير، على حجم طولك. وما أن تنظفه يمكنك أن تنام.”
في اليوم التالي، حتّى قبل ارتفاع الشمس، كان الشاب بالفعل يحمل معوله. خلال عشر دقائق، كان قد نظّف جزءاً صغيراً من الحقل، على حجم طوله. هذا الأمر ألهمه كما يقول المثل القديم: “البداية الجيدة هي نصف المعركة“. سار العمل بشكل جيد، وكان الشاب يعمل بحماس، عن طيب خاطر. يأسه واكتئابه مضيا!
في المساء، عاد إلى البيت راضياً.
“ماذا جرى؟“.سأل الأب ابنه. “أنا نظفت ثلاثين قدماً! سأنتهي خلال بضعة أيام“، قال الأب: “إذا فقدنا الأمل، فإن اليأس والحزن يأكلاننا من الداخل مثل الديدان … لن يسمحا لك برفع إصبع أو هز ساق“.
وبالفعل، تمّ تنظيف الحقل تماماً من الأعشاب الضارة في غضون أيام قليلة.
“هل تفهم ما أحاول أن أقول؟” سأل الشيخ الراهبَ اليائس.
“أنا أفهم، أيها الأب“، أجاب. “لا بدّ لي من تنقية نفسي. ولكن كيف أبدأ؟ “
“أنت بدأت بالفعل، أيها الأخ. الاعتراف هو البداية الجيدة. لقد غفر لك الرب خطاياك. ولكن هذه عطيته، وأنت يجب أن تقدم شيئاً من نفسك “.
إذاً ايها الأب“، سأل الراهب الشاب، “أنت تقول أنه يمكن أن أصبح مسيحياً وصالحاً“
“بالطبع، يا أخي. أنا واثق على قدر ثقتي بأننا نرى بعضنا البعض ونتحادث“.
“إذاً، يا أبتي!” هتف الراهب الشاب بحماس. “ماذا ينبغي أن أفعل الان؟“
قال الشيخ “باشر قانونك الرهباني مجدداً وببطء. كرر بلا توقف: يا رب ارحم! “واستعد للمناولة المقدسة. نعم، أيها الأخ، قريباً. في الوقت الحالي، مهمتك الرئيسية هي قتل شيطان عدم الرجاء واليأس! “
“أنا لا أعرف كيف أشكرك يا أبي” قال الراهب الشاب ثم انحنى إلى الأرض مقبّلاً أقدام الشيخ. “لقد أعطيتني السماء. أرجو أن أعود، وروحي ملأى بالفرح والنور. اليأس قد اختفى، والجنّة في قلبي! “
أنهى الأب الآثوسي قصته مع اقتباس من الكتاب المقدس: “وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ.”(أشعياء 31:40).