كتب الأرشمندريت أثناسيوس أناستاسيو مقالةً مطوَلة عنوانها“«مجمع»كريت: وقائع الانحراف المتعمّد“. الأرشمندريت أثناسيوس هو رئيس دير الميتيورا الكبير، خرّيج جامعة تسالونيكي، معروف جداً بحضوره الفعّال في الكنيسة وفي تقديم شهادة إيمانية مميزة. له عدد من المقالات والعظات وأعمال أخرى. هو من الذين يرفعون الصوت ضد الخطر المسكوني المعاصر.
الأب بيتر هيرز،مترجم مقدمة الترجمة الإنكليزية، يرى في أن هذه المقالة هي إلى حدٍ بعيد السرد التاريخي الأكثر اكتمالاً والتحليل الروحي لمجريات “مجمع” كريت. إنها تعطي القارئ نظرة عامة كما ونظرةً داخلية إلى كل الأحداث المؤدية إلى “المجمع” وما جرى خلاله، مع التركيز على انخراط كنيسة اليونان.
تبدأ الرسالة بتسليط الضوء على دور الشعب في الحفاظ على الإيمان، لأنه يرى أن الشعب كان مغيّباً عن التحضير لهذا «المجمع». ولتسليط الضوء على دور الشعب هذا يستشهد بعدد من القديسين ومن الآباء واللاهوتيين المعاصرين. فبرأيه أن منظمي هذا المجمع لم يلتزموا تقليد الكنيسة وحوّلوا المجمع إلى مؤسسة مستقلّة محورها الأسقف بما يتوازى مع البنى الكاثوليكية، وهنا الخطر من إيجاد أولّ من دون مساوين في الشرق الأرثوذكسي ويصير المجمع معصوماً في قراراته.
من ثمّ ينتقل إلى وصف التقنيات التي اتبعها المنظمون إذ تجاهلوا الشعب، الكهنة، الرهبان وغالبية الأساقفة ويورد شهادات عن تعرض بعض المعارضين للقذف والترهيب والهزء على يد المجموعة المنظّمة بهدف تمرير أمور لا تتفق مع الروح (Ethos) والتقليد الأرثوذكسيين. ويلاحظ “أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم، من أساقفة وكهنة وأكاديميين ولاهوتيين، هم دائماً المنتَقون ممثلين للكنائس في الحوارات اللاهوتية ومؤتمرات كافة الأرثوذكس. وأيضاً على القنوات الإعلامية هم الضيوف ومديرو صفحات الإنترنت، المشجعون الذين يغطّون المؤتمرات والندوات والمنتديات العالمية وعلى الإنترنت بمداخلات ومساهمات ومقالات.”
ويستنتج الأب أثناسيوس أن المجمع هو نشاط مسكوني بامتياز وأن كل ما يطال فيه الأرثوذكس هو لتهيئة الجو المسكوني المناسب لقبول الأرثوذكس بما قبل به الكاثوليك في الفاتيكان الثاني. وهو يقيم موازاة مطوّلة بين المجمعين. وهنا يسرد مطولاً تاريخ تسرب الفكر المسكوني إلى الأرثوذكس منذ بداية القرن العشرين حتى قيام هذا المجمع، محدداً الأحداث والأشخاص والتواريخ.
ومن الأخطار المحدقة الناتجة عن مجمع كريت هي بث إكليسيولوجيا جديدة قوامها كل ما سبق الترويج له من نظريات الفروع، واللاهوت التعميدي من نتاجات المسكونية بعد الفاتيكان الثاني. ويتوقّف عند عدد من التصريحات لداعمي المجمع حيث يصفون المعترضين على التقارب مع الكاثوليك بالهراطقة ومعتبرين أن على المجمع في كريت معالجة هرطقة التعصب.
يتوقف الأب أثناسيوس عند موقف الجبل المقدّس وكنيسة اليونان، حيث يرى أنهما تعرّضا لنوع من الابتزاز بهدف الإسكات. كما يتوقف عند الخلل الذي أصاب مجمع كنيسة اليونان جراء تصرّف وفدها في المجمع بغير ما أوكِل إليه.
ختاماً في تقييمه للمجمع يرى أن “«مجمع»كريت فشل في إظهار وحدة الأرثوذكسيين وإثباتها، كما ادُّعي أنه سوف يكون، بل على العكس أدخل الأرثوذكسيين في تجربة مؤلِمة… زاد الانقسامات والمعارضات والتنافسات والعداوات. ألعاب الرؤساء السياسية، حتّى من دون أن تؤدّي إلى أي انتصار واضح، سببت ضرراً مدمّراً في الكنيسة الأرثوذكسية… إن غياب أربع بطريركيات تمثّل أكثر من نصف الأرثوذكسيين في كل أنحاء العالم، ألحقت جرحاً قاتلاً بصورة الوحدة وبالمجمع بشكل عام.”
كما أنه يطرح عدداً من الأسئلة التي تسلّط الضوء على دور البطريرك المسكوني في الإصرار على عقد المجمع بالرغم من غياب عدد كبير من الكنائس واعتراض غيرها. ويستنتج أن “هذا «المجلس»باطل وقراراته لا سلطة ملزِمة لها على المؤمنين. لهذا السبب، ضمير مؤمني الكنيسة اليقظ رفض قبول أعمال هذا “المجمع“. لقد أبطل هذه الأعمال بالممارسة.”
عند قراءة هذه الدراسة، يجد المؤمن الكثير من النقاط التي تنطبق على وضع كل الكنائس الأرثوذكسية، وتحديداً الكنيسة الأرثوذكسية الناطقة بالعربية، سواء لجهة تغييب الشعب واختيار الممثلين في المحافل الخارجية، والأهم هو في كيفية تسلل الفكر المسكوني إلى الكنيسة وتكوّنه وتقدّمه على الفكر التقليدي، وأدوار بعض الأشخاص والأحداث الذين قد يبدون طارئين على تسلسل التاريخ الأنطاكي فيما هم بالواقع مساهمين فاعلين.