هل ترى مدَى عظَمة الإيمان؟ إنه بالحقيقة ما يطلبه الله من البشرية. ونحن نسمع دائماً ذلك النشيد الرائع لبولس الرسول. فهو ليس مجرد رسالة أو خطاب، كتبه إنسان مستنير، إنه نشيد موحى به من الله: “[جميع القديسين] الذين بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا برّاً، نالوا مواعيد، سدّوا أفواه أسودٍ، أَطفأُوا قوّة النّار، نجو من حدّ السّيف، تقوّوا من ضعفٍ، صاروا أشدّاء في الحرب، هزموا جيوش غرباء. أخذت نساءٌ أمواتهنَّ بقيامةٍ، وآخرون عُذِّبوا، ولم يقبلوا النّجاة، لكي ينالوا قيامةً أفضل، وآخرون تجرَّبوا في هزءٍ وجَلْدٍ، ثمّ في قيودٍ أيضاً وحبسٍ. رُجِموا، نُشِروا، جُرِّبوا، ماتوا قتلاً بالسَّيف. طافوا في جلود غنمٍ، وجلود معزٍ، مُعتازين، مَكروبين، مُذلّين…” (عب. 11: 32-38). وكما تعلمون، فإن هذا النشيد العظيم يستمر.
كلُّ هذه الجوائز، وهذه الانتصارات، التي تُجدد وتُكمل علاقة الجنس البشري مع الرب، وُلدت من الإيمان. هذا هو ما يخلّصنا. هذا الإيمان الذي يصل إلى كلّ واحد منا، نحن جماعة المؤمنين، وهو ما يبرر كل شيء.
نأتي الآن إلى سرِّ أعمق. جميع هؤلاء الأجداد كانوا يميلون إلى الوحيّ، ولذلك وُهِب لهؤلاء أن تُمنح البركات. فالرب سبق فاختارهم، ودعاهم، وسكن فيما بينهم، ليكون فخوراً لكونه إلههم. هؤلاء أيضاً تلقوا الوعود المباشرة وتحدثوا وجهًا لوجه مع الله. وهؤلاء على الرغم من اليقين بالوعود التي أوحيت إليهم حقاً من السماء، ربحوا الاحترام من الله والتقوى، وبشكل عام توجههم نحو الله بصليبهم الكامل، أي بالحزن، الأسى، الاضطهاد، وعدم الراحة، وانتقلوا من هذه الحياة دون رؤية أي شيء من كل ما وَعَد به الله، باستثناء بعض الإشارات وفترات الخبرات المختلفة. أترون هذا السرّ؟ في وادي البكاء هذا، تُشاهد الوعود الإلهية جزئياً، وتُدرك جزئياً، وتُكشف إلى حد ما. وهنا بالتحديد هو حيث نطبّق ما يلي: “مَنْ كان حكيماً يحفظ هذه ويتعقَّل مَرَاحِم الرَّبِّ” (مز. 106: 43).
هذا هو السبيل الذي به نحن المختارون بالإيمان نلتزم ونحفظ علاقتنا مع الله ووعوده. مجدداً، بفهم الإيمان في خضم المعاناة الهائلة الطويلة، والصبر والاحتمال في خضمّ التجارب والأهواء، نُكَمّل كما جميع القديسين.