المزرعة الصغيرة والبقرة
إعداد دير راهبات القديس يعقوب الفارسي المقطّع- دده، الكورة
كان أحد الحكماء يتجوّل في الغابة مع تلميذه. وفيما هما سائران في الطريق أخذا يتناقشان في أهميّة مواجهة الكوارث غير المتوقَّعة. وكان رأي الحكيم أنّ كلّ شيءٍ يحصل حولنا، مهما كان مؤلماً، يُعطينا فرصةً لنتعلَّم ونعلِّم، وبذلك نتقدَّم نحو الأفضل.
وعند هذه اللحظة، عبرا على بوابة مزرعة صغيرة التي بالرغم من كونها في موقع جيّد، إلاّ أنّها كانت مهمَلةً ومتروكة.
فقال التلميذ لمعلّمه:
– انظر إلى هذا المكان، فأنت على حقّ. لقد تعلَّمت أنّ كثيرين يعيشون في فردوس أرضيّ، لكنّهم لا يشعرون بذلك، بل يقضون حياتهم في أسوأ حالة.
– لقد قلتُ: نتعلَّم ونعلِّم. ولا يكفي أن ننظر من الخارج ما هو ظاهر لأعيننا، ولكن لا بدّ أن نستقص الأسباب التي تؤدّي إلى السيّئ.
قرع الاثنان باب المزرعة، فاستقبلهما أصحابها، وهما زوجان مع أطفالهما الثلاثة بملابسهم الرثّة والقذرة.
فقال الحكيم لصاحب المزرعة:
– أنت تعيش في وسط الغابة حيث لا دكّان يبيع المنتجات حولك. فكيف تستطيع تؤمّن عيشك؟
أجاب الرجل بمنتهى الهدوء:
– عندنا، يا صديقي، بقرة تعطينا بضع ليترات من الحليب يوميّاً. نبيع بعضاً منها أو نبادلها مع سكّان المدينة القريبة منّا مقابل بعض الطعام، والباقي نصنّعه جبناً وزبداً وسمناً لأنفسنا. وهكذا نعيش.
وعند خروج الحكيم وجد البقرة خارجاً ترعى، فقال لتلميذه:
– خذ البقرة، وقدْها إلى الجرف المنحدر على الجبل، وادفعها لتسقط في الهوّة.
– لكنّ البقرة هي الوسيلة الوحيدة لمعيشة هؤلاء الناس.
لم يردّ الحكيم. وإذ وجد التلميذ أنّه لا خيار أمامه، فعل كما أمره الحكيم. وسقطت البقرة في الهوّة وماتت!!!
بقي المنظر محفوراً في ذاكرة التلميذ. وبعد سنوات عديدة، وبعد أن صار هذا التلميذ رجل أعمال ناجحاً، عزم على أن يعود إلى هذا المكان مرّة أخرى، ليبوح لهذه العائلة بكلّ ما حدث، وليسألهم المغفرة، وليقدّم لهم المعونة الماديّة.
ولا تتخيّل ما أصابه من الاندهاش حينما وجد الموضع قد تغيّر تماماً إلى مزرعة جميلة بأشجار باسقة مثمرة، وسيّارة قابعة في المرآب، والأطفال في الحديقة يلعبون. صُدم التلميذ من المفاجأة، ظنّاً منه أنّ العائلة الفقيرة اضطرت لبيع المزرعة حتّى يستطيعوا أن يعيشوا بعد موت البقرة التي كانت وسيلة معيشتهم الوحيدة.
وقرع باب المزرعة، وفتح له خادم بشوش الوجه. فسأله التلميذ:
– ما الذي حدث للعائلة أصحاب المزرعة الذين كانوا يعيشون هنا منذ عشرة سنوات؟
– إنّهم ما زالوا يمتلكون المزرعة.
وأسرع التلميذ إلى المنزل، وتعرّف عليه صاحب المزرعة، وسأله عن حال الحكيم معلّمه. ولكنّ التلميذ كان على أحرّ من الجمر ليعرف ماذا عمل الرجل ليرتفع بمستوى المزرعة إلى هذا الحدّ، وكذلك بمستوى معيشته هو وأسرته وأطفاله هكذا بطريقة مفاجئة.
فبدأ الرجل يسرد للتلميذ ما الذي حدث منذ أن زاره هو ومعلّمه: لقد كنّا نعتمد على البقرة التي كانت لنا، لكنّها لسوء الحظ سقطت من على الجرف وماتت. ثمّ، ولكي أعول أسرتي، كان لا بدّ أن أزرع بعض الأعشاب والخضروات. وقد مرّ وقت إلى أن نمت هذه المزروعات، فبدأت أقطع الأشجار لأبيع خشبها. وكان لا بدّ لي، طبعاً، أن أشتري شجيرات صغيرة لأستبدلها بهذه الأشجار التي أقطعها. وحينما ذهبت لأشتري الشجيرات، تذكّرت ملابس أطفالي الرثّة، ففكّرت في أن أحاول زرع القطن من أجل ملابس أطفالي. ولقد عانيت ظروفاً صعبة في السنة الأولى، ولكن، وبمرور الوقت، بدأ المحصول يظهر. فبدأت أبيع الخضروات والقطن والنباتات العطريّة والأعشاب.
ولم أكن أعرف أبداً كم تزخر هذه المزرعة بكلّ هذه الإمكانيّات القويّة. إنّها ضربة حظّ أن تموت البقرة التي كانت عندي.
أمّا التلميذ، فكان يستمع إلى صاحب المزرعة وقد شمله الذهول والإعجاب.