اتفاق القاهرة: خطوة إلى الوراء على طريق الوحدة الصحيحة
الأب أنطوان ملكي
قام البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة مصر في العام 2000 من دون أن تؤدّي هذه الزيارة إلى حوار رسمي جدي بين روما والأقباط. انعقد أول اجتماع رسمي بين الفاتيكان والأقباط الشرقيين في القاهرة بين 27 و30 من كانون الثاني 2004. رأس وفد الفاتيكان الكاردينال كاسبر رئيس المجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية فيما ترأس وفد الأقباط الميتروبوليت الأنبا بيشوي مطران دمياط. خلال الاجتماع تمّ تقديم ورقةً عَمِل عليها مجلس أساقفة الكنائس الشرقية (أقباط–سريان–أرمن–مالانكار) في أميركا مع مجلس أساقفة الكاثوليك في أميركا، ما يشير إلى أن هذا الاجتماع الرسمي قد سبقه اجتماعات غير رسمية. كان واضحاً في كلمة الافتتاح التي ألقاها الكاردينال تركيزه على الكنائس الشرقية وليس على الأقباط دون سواهم بينما كلمة الأنبا بيشوي فكانت باسم الأقباط فقط. انتهى الاجتماع بوضع خطة عمل للمستقبل والاتفاق على اجتماع سنوي.
لم تسِر الأمور من دون مشاكل خاصةً مع وصول بندكتوس السادس عشر إلى كرسي البابوية. ففي تموز 2007، صدر عن الفاتيكان وثيقة تعتبر أن الكثلكة هي “كنيسة المسيح الحقيقية” و“الطريق الحقيقي الوحيد للخلاص“، في حين أنّ الكنائس الأخرى إما “معيبة” أو “غير حقيقية“، كما “إن الإيمان المسيحي خارج الكنيسة الكاثوليكية ليس كاملاً“. وأن الكنائس المسيحية الأرثوذكسية “كنائس حقيقية، لكنها تعاني جرحاً، لأنها لا تعترف بالبابا رأساً لها، وأن الجرح أعمق بالنسبة للكنائس البروتستانتية“. هذه الوثيقة أثارت غضب الأقباط وكتبوا ضدها ونبشوا في الماضي وعادوا إلى الدفاع باستماتة عن ديوسقوروس الذي أدانه المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية والذي كان وراء انشقاق الأقباط عن الكنيسة المسيحية. إلى هذا، جاء في تصريحات الأقباط الردّ بأن الكثلكة هي حركة منحرفة عن المسيحية.
إلى هذا، يمكن ملاحظة دور أساسي للأنبا شنودة في التشدد ضد الكثلكة بشكل خاص والحوارات المسكونية بشكل عام. فالأقباط انسحبوا من مجلس كنائس الشرق الأوسط في 28 نيسان 2010. سبب الانسحاب هو أن اللجنة التنفيذية لمجلس الكنائس، في اجتماعها في عمان، رفضت إعادة انتخاب مرشح الأقباط جرجس صالح للأمانة العامة لفترة جديدة، وأثناء المناقشات ردّ ممثل كنيسة أورشليم على ممثل الأقباط الأنبا بيشوي، سكرتير المجمع القبطي، بشكل اعتبره الأقباط إهانة من الكنيسة المضيفة، وقرروا الانسحاب.
لكن هل كانت زيارة فرنسيس إلى الأقباط أم إلى مصر عامةً؟ الواضح أنها كانت إلى مصر كما ظهر في التصريحات أو في تصرّفه، كما في كل الحالات، كرئيس دولة الفاتيكان. فلماذا تمّ توقيع الاتفاقية، التي ما لبث طرفاها أن اجتهدا في تفسيرها بشكل مختلف؟ وهنا يصير السؤال مشروعاً حول ما الذي تغيّر حتّى قَبِل الأقباط ما كان البابا شنودة صارماً في رفضه، أي عدم إعادة تعميد الكاثوليكي الذي يريد أن يصير قبطياً والعكس. فالوقائع تشير إلى أن قرار هذا القبول ليس مستنداً إلى حوار لاهوتي واضح، بل على الأرجح أنه قرار مرتبط بمئات الضحايا الذين سقطوا في كنائس الأقباط. وما يعزز هذا الفهم هو المعارضة التي نشأت عند تسريب خبر توقيع الاتفاقية مع الفاتيكان. فكلام المعارضين كان قاسياً وقد استذكروا البابا شنودة الثالث معتبرين إياه “المحامي عن الإيمان“.
ورد في البيان المشترك للبابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني: “نحن اليوم، البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، لكي نسعد قلب ربنا يسوع، وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا في الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، بأننا نسعى جاهدين، بضمير صالح، نحو عدم إعادة سر المعمودية الذي تمَّ منحه في كلٍّ من كنيستينا لأي شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى. إننا نقرُّ بهذا طاعةً للكتاب المقدس ولإيمان المجامع المسكونية الثلاثة التي عُقدت في نيقية والقسطنطينية وأفسس.”
في المحصّلة، صار الأقباط على طريق الأرثوذكس الذين يقبلون “تدبيرياً” بالمعمودية التي تُقام خارج الكنيسة الأرثوذكسية إنّما على اسم الثالوث، وهذه سوف يكون لها توابع. أمّا الذي رسب في هذه الاتفاقية فهم الكاثوليك الذين ارتضوا التخلّي عن المجامع السبعة والاكتفاء بالمجامع الثلاثة فقط، كون الأقباط انسحبوا من الكنيسة قبيل انعقاد المجمع الرابع وهم يرفضونه ويرفضون وما بعده.
الخلاصة هي: 1) لا يمكن أن يؤدّي تدخّل السياسة بين المجموعات المسيحية، برضى هذه المجموعات أو من دونه، إلا إلى المزيد من الخطأ. 2) لا يمكن لأي اتفاق إداري أن يؤدّي إلى تحسين شهادة أي من المجموعات المسيحية إلا إذا كان قائماً على الحق. لكن مَن يسمع؟