كان الشيخ يعقوب من جزيرة إيفيا اليونانية من محبّي الصوم حيث اختبر بتجربةٍ فوائده الجسدية والروحية. ففي أوقات المحاربات الروحية لم يكن يأكل أي شيء على الإطلاق، إلا القليل من القربان المقدس. كما كان يفعل شفيعه ومثَله الأعلى القديس داوود لسنوات عديدة. حيث كان يأكل وجبة بسيطة فقط يوم السبت عند الظهيرة – ولكن ليس دائماً – ويوم الأحد. فالرب وحده يعلم كيف كان يحتمل هذا النظام الصارم من الصوم بالإضافة للكثير من الأعمال اليدوية.
الصوم وصية من الرب، ولذلك يا أبنائي، ينبغي علينا أن نصوم أيضاً. فأنا لم أهمل الصوم طوال سنوات حياتي السبعين، لأن والدتي علّمتني أن أصوم منذ الطفولة. كما أنني لا أتظاهر بذلك عندما أصوم، لكنني أقوم بما علّماني إياه والداي وحافظت عليه حتى يومنا هذا، يا أبنائي. فالصوم لم يعرضني للمرض أبداً.
يقول الأطباء والأساقفة أن الصوم المقتصد مفيد جداً للإنسان. ذات مرة، قال لي طبيب: “أبانا، لا تأكل أي شيء لمدة خمسة أيام ولا تشرب حتى قطرة ماء، لأننا سوف نقوم باختبار لتحرّي ما سيجري في جسمك“. ولذلك صمت خمسة أيام. فكان لهذا الاختبار أثر عظيم عليّ، فكم بالحريّ تكون الفائدة أكبر لأرواحنا عندما نصوم! فلأن داخل جسدنا تسكن روح أبدية، دعونا نعتني بروحنا التي هي حقاً خالدة.
دعونا نصوم يا أبنائي الأحباء، ولا تستمعوا لهؤلاء الذين يستنكرون وجود الصوم ويقولون إنه بدعة من عند الرهبان. لا يا أبنائي، إنه ليس بدعة من عند الرهبان، اغفروا لي، الله يقول لنا أن نصوم. وصية الله الأولى هي الصوم، كما أن المسيح أيضاً صام.
نستطيع القول أننا نصوم مع أننا نأكل كثيراً. إذاً ما هو الصوم الذي نقوم به، يا أبنائي؟ عندما تكون الأغذية التي نتناولها بدون زيت، اغفروا لي، حتى لو كنا نتناول الكثير منها. فذلك كافٍ للإنسان ليحافظ على صحته ويبقى لديه رغبة بالصوم.
يوما ما جاءني أحدهم وقال لي: “أخبرَني الكاهن أن الصوم غير موجود“، فأجبته: “ومَن أخبرك أن الصوم غير موجود؟ اذهب وأخبر الكاهن أن يفتح الكتاب المقدس ويرى الآيات التي تتحدث عن الصوم: “إلا بالصلاة والصوم” (متى 21:17، مرقس 29:9)، التي قالها المسيح، وآيات أخرى. فالشياطين والأمراض والشهوات لا تخرج إلا بالصوم. كما أن الأب المتقدّم المقدس ماذا كان يأكل في الصحراء؟ وداوود المبجَّل ماذا كان يأكل؟ كان يمضي طوال الأسبوع، مع القربان المقدس، في قلايته متعبداً“.